أبو محمد الجولاني وأمريكا... خارطة جديدة للتحالفات

أبو محمد الجولاني وأمريكا... خارطة جديدة للتحالفات

أبو محمد الجولاني وأمريكا... خارطة جديدة للتحالفات


12/01/2023

تؤكد الإطلالات الإعلامية لزعيم "هيئة تحرير الشام" الإرهابية (جبهة النصرة سابقاً) أبو محمد الجولاني، وخطاباته الرنانة وجولاته الاستعراضية، تؤكد التوجهات الجديدة والاستراتيجيات التي يسير وفقها لاسترضاء الولايات المتحدة الأمريكية، التي تدّعي بأنّه مطلوب لها وملاحق من قبلها، ووضعت لقاء الإدلاء بمعلومات توصلها إليه جائزة قيمتها (10) ملايين دولار.

ووفقاً لما نقلته رويترز سابقاً، فإنّ جولات الجولاني جميعها في مناطق مكشوفة، ومعلنة سابقاً، خاصة جولاته اليومية الاستعراضية قرب الحدود السورية التركية، ومدينة ومعبر باب الهوى، حيث تُحلّق بشكل مستمر الطائرات المسيّرة الأمريكية.

ورغم أنّ الولايات المتحدة لم تغير موقفها المعلن من الجولاني، إلا أنّ الشواهد تدلّ على أنّها أصبحت تحتضن زعيم هيئة تحرير الشام، من خلال تغاضيها عن نشاطاته وعدم توجيه أيّ ضربات لميليشياته، والتنسيق بإماكن التواجد، حتى لا يحدث أيّ اشتباكات خاطئة أو بوساطة مقاتلين غير مدركين ما يحدث داخل الخيم المغلقة برعاية قائدهم والقوات الأمريكية، وفق ما نقل موقع الخنادق الذي يرصد الحركات الإرهابية في سوريا.

واللافت أنّ قوات التحالف الدولي شنت عدة ضربات استهدفت من خلالها "جهاديين" في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، التي تشمل محافظة إدلب وجزءاً من ريف حلب الغربي، وريف اللاذقية، وسهل الغاب شمال غربي حماة.

جولات الجولاني جميعها في مناطق مكشوفة، ومعلنة سابقاً، خاصة جولاته اليومية الاستعراضية قرب الحدود السورية التركية

بالتزامن مع عمليات الاستهداف التي نفذتها قوات التحالف، تكرر ظهور "أبو محمد الجولاني"، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام تساؤلات عن بقائه بعيداً عن رصاص التحالف، ومدى تهديد وجوده.

ويبدو أنّ الجولاني بدأ يلعب على المكشوف من خلال هجومه على تركيا على خلفية تقارب نظام الرئيس رجب طيب أردوغان مع النظام السوري، رغم رفض الجانب الأمريكي، دون الاكتراث بتبعات غضب تركيا عليه، والتي تُعتبر منفذه الوحيد إلى العالم الخارجي.

الجولاني اليوم يخطو خطوات واسعة في طريق التقارب مع الولايات المتحدة عبر مقاتليه الأجانب، فقد عمدت "هيئة تحرير الشام" بدفع ملف المقاتلين الأجانب إلى الواجهة، عبر إشراكهم بالقتال في أوكرانيا ضد الجيش الروسي، مصدّرةً رسائل إلى أكثر من جهة، أهمها الولايات المتحدة.

الشواهد تدل على أنّ أمريكا أصبحت تحتضن الجولاني، من خلال تغاضيها عن نشاطاته وعدم توجيه أيّ ضربات لميليشياته

وفي هذا الإطار، أكد الصحفي همام عيسى، المقرب من "الجهاديين" لشبكة أورينت، توجه مجموعة من المقاتلين المنشقين عن كتيبة "جماعة الألبان" التابعة عسكرياً لميليشيات "هيئة تحرير الشام" إلى أوكرانيا انتقالاً من شمال غرب سوريا.

وأوضح أنّ المجموعة وصلت إلى أوكرانيا بتنسيق مع قائد جماعة "أجناد القوقاز" رستم آزييف (عبد الحكيم شيشاني)، الذي يساند القوات الأوكرانية في قتال الجيش الروسي على الجبهات الشرقية في أوكرانيا، عقب مغادرته إدلب قبل فترة وجيزة.

وسهلت "تحرير الشام" انتقال المجموعة، كما فعلت قبل مدة حين سهّلت خروج قائد "جماعة القوقاز" عبد الحكيم الشيشاني إلى أوكرانيا، برفقة نحو (30) عنصراً من مجموعته.

و"جماعة الألبان" هي كتيبة مؤلفة من مقاتلين من ألبانيا ومقدونيا وكوسوفو، تأسست في إدلب، وشاركت في معارك عديدة ضد قوات النظام السوري في جبهتي الساحل السوري وسهل الغاب بريف حماة.

ويُعدّ ملف المقاتلين الأجانب من أعقد الملفات في إدلب، حيث تُمسك "تحرير الشام" بهذا الملف، وتريد من خلاله تقديم نفسها على أنّها أحد الأطراف السورية المعتدلة.

الجولاني اليوم يخطو خطوات واسعة في طريق التقارب مع الولايات المتحدة عبر مقاتليه الأجانب

ومن هنا، يرى الخبير في شؤون الجماعات الجهادية حسن أبو هنية أنّ "تحرير الشام" تحاول استرضاء الغرب بتسريب مجموعة من المقاتلين الأجانب إلى أوكرانيا، حيث ينظر الغرب وتحديداً الولايات المتحدة بإيجابية إلى أيّ نشاط معادٍ لروسيا، ويعني ذلك أنّ "تحرير الشام" تؤكد للغرب قدرتها على لعب أدوار إيجابية في أكثر من مسألة دولية.

من جهته، يرى الباحث في "المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام" رشيد حوراني  أنّ "تحرير الشام" تستثمر ملف الأجانب للتواصل مع الجهات الدولية التي تتخوف من هؤلاء الجهاديين، مؤكداً "أنّ تسريب تهريب بعض الجهاديين إلى أوكرانيا يأتي من هذا المنطلق".

ولأنّ تركيا تُعتبر المنفذ شبه الوحيد لإدلب على الخارج، يعتقد حوراني أنّ تركيا لا تُنسق مع "تحرير الشام" في مسألة تحركات المقاتلين الأجانب، وإنّما تغضّ الطرف فقط.

الجولاني بدأ يلعب على المكشوف من خلال هجومه على تركيا، على خلفية تقارب نظام أردوغان مع النظام السوري، رغم رفض الجانب الأمريكي

ويرى حوراني أنّ عملية الانتقال لا يمكن أن تتم إلا  تحت العين التركية، حيث تميل تركيا اليوم لتضع نفسها ضمن ما يمكن أن نسميه دبلوماسية الوساطة.

بدوره، قال الباحث السوري المتخصص في الحركات الدينية الدكتور عبد الرحمن الحاج، في تصريح صحفي سابق لموقع عنب بلدي: إنّ هناك موقفاً أمريكياً إيجابياً ممّا يقوم به "الجولاني"، وهذا يعود إلى المهام التي يقوم بها بما يتعلق بالقضاء على ظاهرة المقاتلين الأجانب واحتوائهم وإنهاء وجود تنظيمي القاعدة وداعش.

ورغم نفي "تحرير الشام" وجود سياسة ممنهجة تجاه المهاجرين، إلا أنّ الجولاني عمل العام الماضي على إخلاء البيوت في مدينة إدلب، وإخراج المقاتلين الأجانب (المهاجرين) منها، لتتجه أصابع الاتهام نحو "تحرير الشام" باستهداف الأجانب من وراء القرار، ومحاربتهم معيشياً.

وفي شباط (فبراير) 2022، أوضحت "تحرير الشام" أنّ القرار يشمل الجميع ولا يخص فئة معيّنة أو جنسية محددة، ويشمل كل من يقطن في هذه البيوت (التابعة للملك العام)، سواء أكان منتسباً إلى فصيل من الفصائل أم لا.

كما شنّت ”هيئة تحرير الشام” في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 حملة عسكرية على مقرات لفصائل "جهادية" أجنبية في ريف اللاذقية، يُعتبر أكبرها فصيل "جنود الشام" بقيادة "مسلم الشيشاني"، الذي طالبته "الهيئة" سابقاً بمغادرة الأراضي السورية مع مقاتليه الأجانب، وفق ما أورده تقرير لميديل إيست.

وفي السياق، أكد الحاج أنّ الإقصاءات لا يستطيع أن يفعلها أحد سوى "الجولاني"، خصوصاً أنّ ذلك رافقه تحوّل في الإيديولوجيا التي تتبنّاها "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، وخلق بيئة مدنية قابلة للحياة، واستقرار نسبي غير موجود في أيّ بقعة أخرى في سوريا.

"هيئة تحرير الشام" سهلت انتقال مجموعة من الأجانب إلى أوكرانيا، كما فعلت قبل مدة حين سهّلت خروج عبد الحكيم الشيشاني برفقة مقاتلين

ووفقاً للحاج، فإنّ المصلحة الأمريكية صارت تقتضي الحفاظ عليه ليكون لها صمام أمان ضد التنظيمات المتطرفة، وقوة محلية متماسكة في مواجهة النظام السوري والروس في إدلب، إذ تتخذ روسيا من وجود "هيئة تحرير الشام" ذريعة لاستمرار القصف والعمليات العسكرية على مناطق سيطرة "الهيئة".

يُذكر أنّ الجولاني يحاول دائماً خلال كلّ مقابلاته الإعلامية تقديم نفسه وجماعته كنموذج مدني مختلف عن تنظيم داعش الإرهابي، رغم أنّه يضم بين صفوفه الكثير جداً من الإرهابيين العرب والأجانب، خاصة بعد أن نجح في احتواء غالبية التنظيمات الجهادية في شمال غرب سوريا، عقب صراعات مع أكثر من تنظيم مثل "حراس الدين" و"أنصار الإسلام" و"جنود الشام" وغيرها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية