أردوغان في الإمارات.. الواقعية تقول كلمتها

أردوغان في الإمارات.. الواقعية تقول كلمتها


16/02/2022

ظلت دولة الإمارات على تباين سياسي علني وواضح وصريح مع تركيا في عهد أردوغان، نتيجة لاختلافات رؤيوية لملفات المنطقة والإقليم والعالم، وتمر هذه النوعية من الخصومات بمراحل متباينة من الذروة والتصعيد إلى الهدوء، ولا يعيق هذا الأمر حركة العلاقات البينية بين دولتين لديهما ما يختلفان عليه وبشأنه، بالتوازي مع ما لديهما مما يتفقان بشأنه أو لأجله.

في عالم السياسة، لا يوجد مكان تتمركز فيه المثالية لتدير شؤون الدول وعلاقاتها واشتباكاتها مع القضايا والأحداث والظروف، لكن التمركز الرئيس والحقيقي والمنطقي هو للبراغماتية والواقعية السياسية التي يتشكل محتواها من جملة المصالح الوطنية أو القومية أو الدولية، بعكس المثالية التي تفيض بمعيار القيم والأخلاق التي تصلح لإدارة علاقات الأفراد لا علاقات الدول.

 في عالم السياسة لا مكان لمثالية تدير شؤون الدول وعلاقاتها واشتباكاتها مع القضايا والأحداث والظروف

تعرضت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى التجريح الذي ينحدر أحياناً كثيرة إلى مستوى الشتيمة السياسية؛ لأنّها تتعاطى في مواقفها وتفكيرها وتوجهاتها الاستراتيجية مع حالة براغماتية متصالحة مع الواقع ومعطياته الحقيقية، ومع مصالحها كدولة وطنية لكل مواطنيها، وليس كفرد أو كجماعة أو تيار أو حزب، فيما يتعاطى الناقدون والشتَّامون مع حالة مثالية "انتقائية" من التفكير لا يمكن إسقاطها على الواقع السياسي والدولي الذي تحكمه المصالح.

اليوم تستقبل الإمارات العربية المتحدة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبينهما كثير من الخلافات والاختلافات في الرؤية والإستراتيجية والتكتيك السياسي، لكن كل ذلك لم يمنع من اللقاء، أو الالتقاء ولو على قاسم مشترك واحد، بين دولتين تعتمدان ذات النظرية السياسية البراغماتية كنهج وأسلوب وطريقة تفكير وعمل.

في ذروة تصاعد وتيرة العلاقات الحرجة بين الدولتين، بقيت الإمارات تحتفظ بكل جوانب علاقاتها مع تركيا، على المستوى الاقتصادي باستثماراتها وتبادلاتها التجارية والسياحية وغير ذلك، وعلى المستوى الدبلوماسي والسياسي أيضاً، ما يؤكد على ّأن لدولة الإمارات العربية المتحدة براغماتية ناجحة وناضجة، ولا يتملكها أي مستوى من مستويات الحقد السياسي.

تدرك الإمارات أنّ الأمن والسلام، قيمة لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن العبث بها سياسياً، وأنّها فوق اعتبارات التباين في المواقف والأيديولوجيات والاصطفافات السياسية، وأنها تشكل قاسماً مشتركاً لكل الدول، والدولة التي لا تعتبر ذلك معياراً لعلاقاتها ستتورط حتماً مع حاضرها، وستسقط في فخ المستقبل غير الآمن بشكل قاسٍ، لذلك كانت أول مخرجات اللقاء بين الجانبين هو التأكيد على أنّ الأمن والسلام هما أساس مستقبل المنطقة، وتحت هذا العنوان تأتي التفاصيل التي لا يمكن أن يكمن فيها الشيطان ما دام الجانبان يشتركان بينهما مصالح مشتركة لا تلغيها أو تفرط بها تبايانات سياسية طبيعية.

على طاولة اللقاء عناوين أخرى كثيرة، كلها تؤكد أنّ المصالح الوطنية لدولة بإمكانها أن تتقاطع مع مصالح أية دولة أخرى خاصة في مجالات يتم التفكير بها دائماً خارج سياق الخصومة السياسية، مثل الاستثمار والاقتصاد والتنمية والزراعة والأمن الغذائي والصحة والتكنولوجيا والابتكار، ومشاريع الفضاء والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، وهي قضايا تهتم بها الإمارات العربية المتحدة وتركيا، وتستحق مثل هذا اللقاء والتقارب والتفكير بعقل دولة تؤمن بمركزيتها ودورها ومستقبلها.

بقيت الإمارات تحتفظ بكل جوانب علاقاتها مع تركيا في ذروة تصاعد وتيرة العلاقات الحرجة بين الدولتين

بَنَت الإمارات العربية المتحدة نموذجاً فريداً ومتقدماً لدولة ناجحة وقوية بكل المقاييس، وكذلك فعل أردوغان الذي لم يلتفت أبداً لمن هاجمه لعلاقات تركيا العميقة التي بناها وعزّزها سياسياً واقتصادياً مع "إسرائيل"، رغم أنّ الذين سكتوا عنه هنا أكثر من الذين هاجموه لاعتبارات معينة، بخلاف ما فعلوا مع الإمارات، لكن ظل هدف تمكين الدولة فوق أي اعتبار، وكانت البراغماتية منطقاً لا يمكن تجاوزه أو القفز عنه سياسياً.

وعلى المستوى الشكلي للتعاون الإماراتي التركي، وتطور مستوى العلاقات والتفاهمات، كانت المبادرة إماراتية، وهذا له دلالته، باعتبار الإمارات فاعلاً مهماً في المنطقة، وتدرك أنّ دورها وحضورها مبني على فعل حقيقي، وليس رد فعل أو انعكاساً لدور وحضور طرف أو أطراف أخرى، ولا يستهويها انتظار الفرص السياسية أو الاقتصادية لتعزيز هذا الدور أو الحضور، بل أن تكون صانعة فرص ناضجة ومثمرة.

تتبنى الإمارات العربية المتحدة، قاعدة "فكّر عالمياً واعمل محلياً" بشكل عملي واقعي، فقد استقطبت كل مفكري العالم وخبراءه في شتى المجالات، في لقاءات ومؤتمرات وريادة أعمال واستثمارات وعلاقات تعاون دولي، حتى أصبحت حالة دولية ملهِمة ونموذجاً لدولة الرفاه والتقدم والقوة، وهي ثلاثية متماسكة ومترابطة معاً.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية