أردوغان في العاصمة الأوكرانية: هل يحمل طوق نجاة أم يبحث عنه؟

أردوغان في العاصمة الأوكرانية: هل يحمل طوق نجاة أم يبحث عنه؟


03/02/2022

بينما يعجّ الداخل التركي بمشكلات جمّة، أبرزها تدهور الاقتصاد التركي الذي كان قبل 2011 مدعاة للفخر بين جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة إرهابية في بعض دول العالم، لملم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما تبقى من حكمه وحكمته ليزور العاصمة الأوكرانية كييف، اليوم الخميس، في وقت تحتدم فيه الأزمة الروسية الأوكرانية، ويضع العالم كله يده على قلبه خوفاً من اندلاع نزاع مُسلّح بين الدولتين الأوروبيتين.

في الواقع، أيّ صدام عسكري بين روسيا وأوكرانيا من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على تركيا، وهي دولة عضو في الناتو. وفي ضوء الإعلان عن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أنقرة، المقررة نهاية شباط (فبراير) الجاري، يتخذ لقاء أردوغان مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي شكل مفاوضات موازية لتلك التي مع موسكو، تفادياً لنشوب نزاع على الأرجح سيكون "كارثياً" على الصعيد السياسي والاقتصادي والحقوقي.

رغم الأزمات التي تضرب الداخل التركي، الرئيس رجب طيب أردوغان يزور كييف لعرض الوساطة لنزع فتيل الأزمة الروسية الأوكرانية

ونقلت وكالة نوفا الإيطالية للأنباء عن المحلل علي بكير، أستاذ مساعد باحث في مركز ابن خلدون بجامعة قطر، قوله إنّ تركيا ستحرص على "استغلال علاقاتها الثنائية المتينة مع البلدين لإنهاء الموقف".

الهدف الحقيقي من الزيارة

لن يذهب أردوغان إلى كييف حاملاً معه باقة من الورود، ولكن "طوق نجاة" له ولنظامه من جهة، ولروسيا وأوكرانيا من جهة أخرى، فنجاح الوساطة التركية في نزع فتيل الأزمة الروسية الأوكرانية قد يجعل أردوغان يعود إلى تركيا متوّجاً بأكاليل الغار؛ ممّا قد يساعده على محو أيّ شعور بالسخط بين أوساط الشعب التركي، وهي واقعة سيظلّ يستخدمها كدعاية انتخابية حتى موعد الانتخابات الرئاسية بعد عام ونصف من الآن.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يزور العاصمة التركية أنقرة نهاية الشهر الجاري؛ ممّا يجعل زيارة أردوغان لكييف تبدو كأنّها "مفاوضات موازية"

وعلى الصعيد الاقتصادي، سيتوّج لقاء الغد بين أردوغان وزيلينسكي بتوقيع اتفاقية تجيز إنشاء منطقة تجارة حرّة بين البلدين، فضلاً عن تعزيز أوجه التعاون المختلفة في مختلف القطاعات، ولا سيّما السياحة والتكنولوجيا، وهو اتفاق أساسي لاقتصادات واستقرار البلدين، ويتوّج أعواماً من الجهود الدبلوماسية.

إقرأ أيضا: واشنطن تستعد لـ"عزل" موسكو بقائمة عقوبات طويلة... أهي الحرب أم التهدئة؟

وأوضح بكير أنّه "منذ 2014 عام غزو روسيا لأوكرانيا، عزّزت أنقرة وكييف العلاقات بينهما"، مشدداً على أنّ أحد القطاعات الرئيسية في سياق الارتباط بين البلدين المطلّين على البحر الأسود هو "الدفاع"، خاصّة من وجهة نظر صناعية منذ أن اشترت كييف في الأشهر الأخيرة عدة طائرات بدون طيار من طراز Bayraktar TB2 من أنقرة، ومن المتوقع أن تفتتح خلال هذا العام المصنع الذي سيتعامل مع الإنتاج المحلي لطائرة Tai Anka، وهو نموذج آخر للطائرات بدون طيار تركية الصنع".

 في حال نجاح الوساطة التركية، سوف يستخدمها أردوغان وحزبه في الدعاية الانتخابية حتى موعد الانتخابات المقبلة بعد (18) شهراً

ونظراً لأهمية الاتفاقية تحديداً، وطبيعة أوجه التعاون الأخرى بين أوكرانيا وتركيا، لا ينبغي النظر إلى توقيع الغد من وجهة النظر الاقتصادية والتجارية فقط، حيث قال بكير: إنّ "الاتفاق هو أيضاً إشارة إلى موسكو: توضح أنقرة أنّها على الرغم من أنّها لا تريد مطلقاً صراعاً قبالة سواحلها، إلّا أنّها ما تزال مصمّمة على متابعة مصالحها الإقليمية، التي تنطوي على احترام الالتزامات التي تمّ التعهد بها مع أوكرانيا. إلّا أنّه حرص على توضيح أنّه "في نهاية شباط (فبراير) يمكن أن يتوصل بوتين وأردوغان إلى اتفاقيات مماثلة، أو يجدّدا شراكتهما في مختلف المجالات".

إقرأ أيضاً: أردوغان يتجه إلى أوكرانيا اليوم... فإلى ماذا يسعى؟

وأضاف أنّه "ينبغي ألّا ننسى أنّ روسيا شريك ذو أهمية قصوى بالنسبة إلى تركيا في قطاع الطاقة، حيث تلبي نحو ثلثي احتياجات تركيا من الطاقة، وأيضاً في قطاع الدفاع، بالنظر إلى الشراء الأخير لنظام الدفاع الجوي الروسي الصنع S-400، الذي تسبّب من بين أمور أخرى في احتكاك خطير بين أنقرة وواشنطن". ومع ذلك، سيكون من الخطأ تسوية الديناميكيات الإقليمية والدبلوماسية على هذه الشروط فقط؛ لأنّ السياسة الخارجية للدول المعنية ديناميكية للغاية، وفقاً لبكير، الذي قال: "إذا كان صحيحاً أنّ لروسيا أدوات مختلفة، خاصة الطاقة، لتأكيد مواقفها مع تركيا، فصحيح أيضاً أنّ أنقرة يمكن أن تفعل الشيء نفسه".

الرئيس التركي يُوقّع غداً على اتفاقية تجيز إنشاء منطقة تجارة حرة بين بلاده وأوكرانيا، وهو اتفاق أساسي لاقتصادات البلدين

واستطرد المحلل قائلاً: "في الواقع، منذ غزو روسيا لأوكرانيا، عملت أنقرة باستمرار على تنويع شركائها في الطاقة، وخفّضت اعتمادها على موسكو، ووصلت إلى موقف أكثر استقراراً في المفاوضات".

من وجهة النظر الجيوسياسية، العلاقات بين روسيا وتركيا نفسها ديناميكية وعملية للغاية، فمن ناحية يمكن لتركيا أن تتباهى بقناة دبلوماسية تفضيلية مع الكرملين، ومن ناحية أخرى كانت الدولة الوحيدة "التي تواجه بفعّالية التوسّع الروسي في المنطقة"، وفقاً لبكير.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية