أزمة التوقيت الصيفي في لبنان: هشاشة العيش المشترك

أزمة التوقيت الصيفي في لبنان: هشاشة العيش المشترك

أزمة التوقيت الصيفي في لبنان: هشاشة العيش المشترك


29/03/2023

وأخيراً، حسمت الحكومة اللبنانية الجدل، وأعلنت التراجع عن قرارها تأخير العمل بالتوقيت الصيفي بعد أن أثار انقساماً وجدلاً واسعاً.

وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إنّ الحكومة قررت اعتماد التوقيت الصيفي بدءاً من منتصف ليل الأربعاء.

وجاء قرار ميقاتي، كما أفادت وسائل إعلام، بهدف مراعاة الصائمين المسلمين، مما يسمح لهم بالإفطار ساعة أبكر.

وقبل القرار الأخير، أول من أمس، انقسم البلد المتعدّد الطوائف والأديان، وثار جدل اتخذ منحى طائفياً مع إعلان مؤسسات عدة، على رأسها الكنيسة المارونية ومؤسسات إعلامية ومدارس، رفض الالتزام به.

وكشف الانقسام الطائفي بين مسلمين ومسيحيين عن هشاشة العيش المشترك الذي طالما تغنى به الساسة والزعماء الروحيون والنخب.

وبغض النظر عن مبررات كل طرف، فإنّ الطائفية البغيضة هي الأثر الذي أحدثه ردّ الفعل المسيحي على قرار ميقاتي؛ فالدفاع المسيحي مهما حمل من تبريرات لها وجاهة، إلا أنّ الشكل العنيف والشامل الذي ظهر عليه ترك انطباعاً سيئاً لدى المسلمين.

يأتي الخوف من تكرار هذا التحشيد الطائفي لأسباب أخرى، حتماً ستشهدها لبنان في ظل أزمة الفراغ الرئاسي والمؤسساتي.

أزمة التوقيت

وكانت أزمة التوقيت نشبت بعد قرار ميقاتي بتأجيل العمل بالتوقيت الصيفي الذي كان مقرراً في 27 آذار (مارس) الجاري، إلى حين انتهاء شهر رمضان، بهدف التخفيف عن الصائمين، أسوةً بقرارات مشابهة في دول عربية، ومنها المغرب التي تعتمد توقيتاً مخصصاً لشهر رمضان.

ربيع ياسين: الإعلام هو المسؤول الأساسي عن الأزمة

تسبب القرار في ردّ فعل غير مسبوق، وصفه ميقاتي بقوله: "ما كان قرارٌ كهذا يستوجب كل هذه الردود الطائفية البغيضة، والتي دفعتني لأتساءل عن جدوى الاستمرار في تحمل المسؤولية عمن عجز عن تحملها بنفسه".

وتوحد معظم المسيحيين خلف رفض قرار تأجيل التوقيت الصيفي، من الأحزاب السياسية والمواطنين إلى حدّ رأس الكنيسة المارونية، البطريرك الراعي. أثار ذلك الاصطفاف ردّ فعل إسلامياً من السنّة والشيعة، خاصةً بعد دخول عدد من نواب مجلس النواب المسيحيين على خطّ الأزمة، بتصريحات منها "لنا لبناننا ولهم لبنانهم، لنا توقيتنا ولهم توقيتهم".

من الجانب الإسلامي، صدرت بيانات عن مفتي راشيا السنّي، وبيان المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان، عبرت عن الغضب الإسلامي.

 وخروجاً من الأزمة عقد مجلس الوزراء اجتماعاً برئاسة ميقاتي، تقرر فيه العودة عن قرار تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي، واعتماده بدايةً من الخميس المقبل.

لا يُفهم ردّ الفعل المسيحي تجاه التوقيت دون وضعه في السياق العام للبلد الذي يشهد فراغاً في المنصب المسيحي الماروني الأهم وهو رئاسة الجمهورية

يقول الكاتب والباحث السياسي عاصم عبد الرحمن، بأنّه بدا واضحاً أن لبنان لم يُشف بعد من جراح الطائفية، وهو ما يعبّر عنه عند كل استحقاق يعكس سذاجةً في التفكير، وجعل موضوع التوقيت قضية تنتقل كالنار في هشيم النقاش غير السوي بين اللبنانيين.

من جانبه، حمل الإعلامي ربيع ياسين، وسائل إعلام المسؤولية عن تأجيج أزمة التوقيت. وأضاف لـ"حفريات" بأنّ وسيلة الإعلام التي سربت فيديو لقاء نبيه بري مع ميقاتي للتباحث حول موضوع التوقيت، ووسائل الإعلام التي نقلت عنها صورت الموضوع على أنّ المسلم الشيعي والسنّي صاروا حكام البلد، ويأخذون القرارات نيابةً عن بقية الطوائف.

وأفاد بأنّ الإعلام المسؤول الأساسي عن الأزمة، وتسبب في انقسام كبير، تابعه فيه الساسة والإعلاميين والمواطنين، في مشهد شمل كل الأطراف المسيحية، بما فيها الكنيسة المارونية.

يذهب ياسين إلى أنّ الإعلام كان بإمكانه احتواء الأزمة، وإدارتها بشكل مختلف، ولهذا يبدو هناك تعمد لإحداث فتنة من الذين نشروا الفيديو.

الموقف المسيحي

من جهته، يوضح رئيس دائرة إعلام الأجهزة والانتشار في حزب القوات اللبنانية، ميشال الشمّاعي، أسباب رفض حزبه قرار ميقاتي السابق حول تأخير اعتماد التوقيت الصيفي، حيث أكد لـ"حفريات" أنّ الرفض جاء انطلاقاً من مبدأ أساس، وهو عزل لبنان وجعله خارج النظام العالمي من حيث مبدأ التوقيت، وليس انطلاقاً من أي منظار آخر له علاقة بالدين أو الطائفة أو المذهب.

ميشال الشمّاعي: قرار التوقيت لا علاقة له بالدين

يرى المسؤول القواتي، أنّ المنظومة الحاكمة تعمل على عزل لبنان بكل الطرق الممكنة، وأنّ قرار التوقيت يوازي تخلف لبنان عن سداد سندات اليوروبوند، الذي أدى لعزل لبنان مادياً واقتصادياً.

وأضاف بأنّ قراراً كهذا في لبنان لا يُتخذ دون تشاور وتخطيط مع الجميع، لأنّ هذا هو ما يبقى النسيج الوطني حياً، ومسألة الصوم لا دخل لها بتعديل التوقيت، فلن تنخفض عدد ساعاته.

ويتشارك المسؤول القواتي مع تصريحات أخرى لساسة من أحزاب سياسية رأت في القرار أسباباً خفية. وقال بأنّ قرارات مثل هذه يمكن أن تكون لفرض واقع، معناه نحن نقرر عنكم (بري - ميقاتي) ما نريده في البلاد، وهذا مرفوض كلياً، ولهذا جاء الموقف الحازم من الصف المسيحي، لمنع فرض قرارات أخرى بحكم الأمر الواقع عليهم.

الإعلامي ربيع ياسين لـ"حفريات": وسائل الإعلام صورت موضوع التوقيت على أنّ المسلمين الشيعة والسنّة صاروا حكام البلد ويأخذون القرارات نيابةً عن بقية الطوائف

وفي سياق متصل، يرى الكاتب والمحلل السياسي شادي سرايا، بأنّ الرد من القوى المسيحية جاء حاداً، لأنّه كما بدا في الفيديو فإنّ ميقاتي أخذ القرار بأمر من بري، وفي المحصلة القرار اُتخذ من قوى إسلامية من دون مشورة القوى المسيحية. وأضاف لـ"حفريات" بأنّ المسيحيين تحسسوا من تهميش دورهم الوطني، وحسناً فعل ميقاتي بتراجعه عن هذا القرار الذي أربك الملاحة والمؤسسات في البلاد.

في غضون ذلك لا يُفهم ردّ الفعل المسيحي دون وضعه في السياق العام للبلد، الذي يشهد فراغاً في المنصب المسيحي الماروني الأهم، وهو رئاسة الجمهورية، فضلاً عن أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري محلّ اتّهام من سائر القوى المسيحية، التي تحمّله مسؤولية تعطيل وتفريغ جلسات انتخاب الرئيس.

أدى الفراغ إلى أزمة بين القوى المسيحية والرئيس نجيب ميقاتي، حول ممارسة الأخير صلاحيات رئاسة الجمهورية، والدعوة لعقد جلسات مجلس الوزراء، علاوة على أزمة أخرى كادت أنّ تعلو حين دعا نبيه بري إلى عقد جلسة تشريعية، في وقت ينصّ فيه الدستور على أنّ مجلس الأمة هيئة ناخبة لحين انتخاب الرئيس.

الحقيقة الطائفية

يرى باحثون أنّ خطاب الطائفية يعلو كلما اشتدت الأزمات السياسية في لبنان، حيث تعود الطوائف إلى قواعدها الأصلية حين تخبو سلطة الدولة.

شادي سرايا: المسيحيون تحسسوا من تهميش دورهم الوطني

 يقول الكاتب اللبناني عاصم عبد الرحمن لـ"حفريات" بأنّنا وطنٌ لا تزال الطائفية زاد شعبه وقوت ساسته من أجل الاستمرار على رأس السلطة تحت شعار حماية حقوق الطائفة. وأضاف بأنّ الشعب اللبناني يثور في حال مواجهة أي فاسد ينتمي إلى طائفته ليس لمحاربة الفساد وإنما لدرء الأخطار عن الطائفة برمتها.

بدوره قال الإعلامي اللبناني ربيع ياسين، بأنّ ما حدث يدل على عمق الانقسام السياسي، الذي ليس وليد الساعة بل منذ أعوام. وأضاف بأنّ ذلك الانقسام يتحول عند كل محطة إلى انقسام طائفي مذهبي، وهو طبيعي في ظل الشغور بالمراكز وتقاذف المسؤوليات بين الفرق. وحذر ياسين من أنّ المشهد الذي حدث أعاد التذكير بالانقسام الطائفي المذهبي بين المسلمين والمسيحيين، في وضع مشابه لحقبة ما قبل الحرب الأهلية، حيث حدث اصطفاف إسلامي مسيحي، تحول إلى حرب أهلية.

ويعيش لبنان فراغاً رئاسياً منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. ولم ينجح مجلس النواب عبر 11 جلسة في انتخاب رئيس للجمهورية، بسبب تصويت الثنائي الشيعي وحزب التيار الوطني الحرّ بورقة بيضاء، وعدم اتفاق النواب التغيريين على مرشح. بينما حصل مرشح السياديين وعلى رأسهم حزب القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي، ميشال معوض، على أكبر نسبة من التصويت في جميع الجلسات.

عاصم عبد الرحمن: لا تزال الطائفية زاد الشعب وقوت ساسته



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية