أزمة العلمانية مع الإرهاب فى فرنسا

أزمة العلمانية مع الإرهاب فى فرنسا


29/04/2021

عصام عبدالفتاح

لا مراء فى أن معدل الاعتداءات الإرهابية فى فرنسا قد ارتفع بصورة ملحوظة منذ عام 2015 مرورًا بمقتل المدرس/ صمويل باتى فى عام 2020 على يد لاجئ شيشانى حتى مصرع شرطية فرنسية منذ أيام قلائل فى مدينة رامبوييه على يد لاجئ تونسى، الأمر الذى يثير علامات استفهام كثيرة حول الأسباب الذى رشحت فرنسا لأن تكون مسرحًا للإرهاب المكثف. حقًا ليست فرنسا هى الدولة الأوروبية الوحيدة التى يستهدف الإرهاب مواطنيها الأبرياء سواء كانوا من المدنيين أو رجال الشرطة بصورة خالصة، كما أن من الصعب العثور على سمة مشتركة لدى الضحايا تبرر استهدافهم على يد الجناة دون غيرهم. فالشرطية التى قُتلت مؤخرًا لا علاقة لها بالعمل الشرطى الميدانى وإنما كانت شرطية إدارية، وإذا كانت دوافع الجناة فى بعض الاعتداءات السابقة ارتبطت بوقائع معينة مثل نشر رسوم مسيئة لرموز دينية، فثمة اعتداءات أخرى كثيرة لاتزال الدوافع الإجرامية وراء ارتكابها غير معروفة على وجه الدقة، كما أن ارتفاع وتيرة الاعتداءات بصورة درامية فى بلد معروف بأنه أكثر الدول الأوروبية تحمسًا للعلمانية يشكل فى ذاته مفارقة حادة، لأن العلمانية بطبيعتها نقيض الدوجمائية والتطرف والعنف، وخير مدافع عن حقوق الإنسان وحرياته دون تمييز.

وإذا كان هناك من يرى أن من العسير الربط بين ظاهرة الهجرة والإرهاب تأسيسًا على أن وجوهًا فكرية لامعة فى أوروبا تنتمى فى أصولها إلى الهجرة. فإن البعض الآخر وهم من أنصار اليمين المتطرف يرى أن الهجرة هى المسؤول الرئيسى عن انتشار الإرهاب الدينى فى أوروبا، وينتقد بشدة الحكومة لأنها سمحت بدخول المهاجرين إلى إقليمها.

لاشك أن دولًا أوروبية عديدة رحبت على أراضيها برموز دينية متطرفة هاربة من موطنها الأصلى وسمحت لها باسم حقوق الإنسان بأن تمارس أنشطة ظاهرها حرية التعبير والفكر وباطنها الإيقاع بالشباب المهاجر فى أسر أيديولوجيتها الدينية المنغلقة حتى يزداد كراهية وعداء للمجتمع الجديد الذى لجأ إليه بحثًا عن المأوى والحرية والأمان.

بيد أن السؤال المحورى هو: لماذا أخفقت فرنسا، وهى دولة علمانية بامتياز، فى علمنة الشباب المهاجر إليها بل وأبناء المهاجرين الذين وُلدوا على أرضها ونالوا جنسيتها؟

المعروف أن العلمانية فى معناها الفلسفى الدقيق، كما يعرفها الدكتور مراد وهبة، هى التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق، أى أنها بطبيعتها منهج فلسفى يدرء عن الإنسان الذى ينتهجه فى تفكيره الوقوع فى الوهم بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة. ومعنى ذلك أن العلمانية وفقًا لهذا المفهوم لديها مناعة ذاتية يمتنع معها أن تتحول إلى أيديولوجيا تتوهم أنها جاءت بالحقيقة المطلقة.

فى مقال حرره ثلاثة مفكرين فرنسيين فى صحيفة «لوموند ديبلوماتيك» فى عدد إبريل الجارى تحت عنوان «الخلاص من التطرف.. تحقيق حول تجربة فاشلة» يروى المؤلفون أنه عقب الاعتداءات الإرهابية التى وقعت فى فرنسا عام 2015 كان السؤال الملتهب الذى يدور حوله النقاش فى كافة الأروقة هو: ما الذى أدى إلى اندلاع هذا العنف لدينا؟ فى الوقت الذى دعمت فيه موجات العنف موقف اليمين المتطرف الذى يرى فى النزعة الطوائفية الإسلامية خطرًا شديدًا يهدد القيم الجمهورية وينخر فى المجتمع الفرنسى. وبينما رأى السياسيون الاكتفاء بتكثيف القوة الأمنية وتغليظ العقوبات، فإن الحكومة قد انشغلت بسؤال أهم: كيف يمكن استزراع القيم العلمانية فى نفوس النشء؟ فأنشأت حكومة مانويل فالس مركزًا داخليًا ألحقت به شبابًا استشعرت أسرهم لديهم ميلًا نحو التطرف الدينى.

وعينت لإدارة المركز طاقمًا شبه عسكرى يفرض منهجًا صارمًا، أما التعليم فقد تولاه معلمون ذوو خبرة بالقيم العلمانية الداعية إلى إعمال العقل النقدى لتغيير الواقع. غير أن الإدارة اعترضت بشدة على إذكاء العقل الناقد لدى هؤلاء الشباب، وأرادت أن تلزمهم بحفظ شعارات أيديولوجية تحت اسم العلمانية غير مسموح النقاش حولها. فهجر الشباب المركز وأُغلقت أبوابه ولم تعد له أى قائمة.

عن "المصري اليوم"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية