أزمة سياسية تعصف بصومالي لاند: ما السيناريوهات المتوقعة؟

أزمة سياسية تعصف بصومالي لاند: ما السيناريوهات المتوقعة؟


05/09/2022

شهدت الأزمة السياسية في الإقليم الصومالي المستقل من جانب واحد، صومالي لاند (أرض الصومال)، تطوراً خطيراً، حين فتحت الشرطة النار على مظاهرة دعت إليها المعارضة، قتلت 7 أشخاص وأصابت 110 آخرين.

وجاءت المظاهرات بعد إخفاق الحوار السياسي بين الرئيس موسى بيحي عبدي، وقادة حزبي المعارضة، بشأن موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي من المفترض أنّ تعقد بحلول 13 تشرين الثان (نوفمبر المقبل)، بينما يريد الرئيس تأجيلها، وإجراء انتخابات الجمعيات السياسية قبلها، وهو ما ترفضه المعارضة.

وتتخذ الأزمة السياسية منحى تصاعدياً يضيّق الاحتمالات بتسوية سياسية، ويدفع البلاد نحو وضع لم يكن معهوداً في الإقليم، وهو العنف السياسي، والذي طالما بنى الإقليم صورته الذهنية أمام العالم من خلال غياب هذا العنف، ووجود تبادل شبه ديمقراطي للسلطة.

أحداث دامية

وكان التحول الأبرز في الأزمة من خلال رد فعل السلطة على المظاهرات التي نظمتها المعارضة في العاصمة وعدة مدن في 11 أب (أغسطس)، 2022 الماضي، وذلك عندما فتحت الشرطة النار لتفريق المتظاهرين. وأظهرت مقاطع فيديو للأحداث تعمد الشرطة إطلاق الرصاص صوب المتظاهرين، وليس في الهواء لتخويفهم فقط وتفريقهم، وهو الأمر الخطير، والذي لم تشهده البلاد خلال عقود من الانتقال السلمي للسلطة.

فازت المعارضة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة

ويعني هذا التحول توظيف حزب التضامن "كولميه" الحاكم مؤسسات الإقليم في التنافس الحزبي على السلطة، وهو الأمر الذي يهدد بتحوّل هذه المؤسسات وخصوصاً الأمن والجيش إلى طرف في المعادلة، ما يهدد الاستقرار في الإقليم، ويدفع المعارضة إلى العمل المسلح لإسقاط نظام الرئيس بيحي عبدي.

وربما لن يكون الانزلاق نحو مربع الصراع سريعاً، فضلاً عن احتمالات إعادة استئناف الحوار بين السلطة والمعارضة، وهو الأمر الذي يتطلب خطوات إثبات صدق النوايا من السلطة، وتقديم إعتذار وفتح تحقيق مستقل بشأن وقوع القتلى والمصابين في المظاهرات الأخيرة.

وبمقارنة ما شهدته هذه المظاهرات بالأخرى التي نظمتها المعارضة من قبل في العام الماضي، يتبين أنّ السلطة تندفع نحو سياسة القمع للمعارضة، وتتمسك بالسلطة عبر السعي لتأجيل موعد الانتخابات الرئاسية، لحين إجراء انتخابات الجمعيات السياسية، والتي بموجبها تتشكل ثلاثة أحزاب رسمية، هي فقط المسموح بعملها وفق دستور الإقليم.

تدرك الغالبية العظمى من المواطنين في أرض الصومال أنّ الصراع السياسي المرير الدائر في بلادهم اليوم بدأه وحرض عليه الرئيس موسى بيحي عبدي

بجانب حزب التضامن "Kulmiye" الحاكم، هناك حزبا المعارضة؛ حزب العدالة والرفاه (UCID) والحزب الوطني (Waddani)، وفاز حزبا المعارضة بالأغلبية في انتخابات مجلس النواب والمحليات التي عُقدت في 2021 الماضي، وحصلا على 51 مقعداً من أصل 82 في البرلمان، فيما نال "Kulmiye" 30 مقعداً، وفاز تحالف المعارضة برئاسة مجلس النواب.

ويسعى الرئيس بيحي عبدي من وراء ذلك إلى تفتيت قوة المعارضة، لزيادة فرصه في الفوز بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، خوفاً من المعارضة التي فازت بالأغلبية في الانتخابات التشريعية والمحلية، في أيار (مايو) 2021.

وخلال الأشهر الماضية، وعقب انتخابات مجلس النواب، واجهت السلطة المعارضين لتمديد فترة رئاسة الرئيس بيحي عبدي بالاعتقالات التي طالت ساسة وصحافيين، فضلاً عن ترويج السلطة لوجود دور خارجي يهدف إلى خلق المشاكل، وهو ما يعني أنّ السلطة تختلق مبرراً لإجراءاتها القمعية بحق المعارضة، وتجعل من بقاء الرئيس بيحي عبدي مرادفاً للاستقرار.

ويقول الكاتب والباحث في السياسة والتاريخ، من صومالي لاند، عبد الغني عبد الله آدم: "تدرك الغالبية العظمى من المواطنين في أرض الصومال أنّ الصراع السياسي المرير الدائر في بلادهم اليوم بدأه وحرض عليه الرئيس موسى بيحي عبدي. ومن الحقائق المعروفة في أرض الصومال أنه وفريقه لم يهتموا أبداً بالسلام، وهذا ما كشفته أفعالهم بحقّ المعارضة".

أسباب الأزمة السياسية

وبحسب تصريحات المحلل السياسي عبد الله راغي لوكالة الأناضول، تعود الأزمة إلى إخفاق الأحزاب الثلاثة في تنظيم الانتخابات التشريعية والبلدية في العام 2017، وتأجيلها إلى العام 2021.

عبد الغني آدم: يسعى الحزب الحاكم لتمديد منصب الرئيس

ولفت إلى أنّه كان من المفترض إجراء الانتخابات في مراحلها الثلاث؛ الرئاسية والبرلمانية والبلديات عام 2017 وفق اللوائح الداخلية، "لكن نتيجة الخلافات تأجّلت الانتخابات البرلمانية والبلديات عن موعدها، وأجريت الانتخابات الرئاسية فقط والتي فاز فيها الرئيس الحالي موسي بيحي عبدي".

ويُحمّل الكاتب عبد الغني عبد الله آدم، الرئيس بيحي عبدي المسؤولية، ويقول: "دستورياً تنتهي ولاية الرئيس في 13 نوفمبر 2022، ويسعى الحزب الحاكم لتمديد منصب الرئيس، لأنّ التوقيت ليس في صالحه، بعد أن غيرت الخسارة غير المتوقعة في انتخابات مايو 2021 البرلمانية والمجالس المحلية نظرة الرئيس إلى المستقبل".

وأضاف الباحث من صومالي لاند لـ"حفريات": "يبدو أن حزب عبدي غير مستعد للانتخابات الرئاسية بسبب الخلاف الداخلي على خليفة الرئيس، وفقدان الشعبية. ولهذا كان وعده بفتح باب الانتخابات المحلية للجمعيات السياسية قبل الانتخابات الرئاسية".

المحلل السياسي الصومالي عبد الغني عبد الله آدم لـ"حفريات": الانتخابات الرئاسية مقررة دستورياً ولهذا لها الأسبقية، على الانتخابات الأخرى المنصوص عليها في التشريع

وكانت المحكمة العليا في صومالي لاند أقرّت بشرعية فتح باب التسجيل للجمعيات السياسية وإجراء انتخابات حزبية من دون رسم خريطة الطريق التي ستجرى وفقها، وذلك بعد لجوء نواب من الحزب الحاكم إلى المحكمة للفصل في نزاع حول الحاجة إلى موافقة رئيس البرلمان من عدمها قبل فتح باب التسجيل لانتخابات الجمعيات السياسية.

وتبعاً لذلك، يمكن للرئيس الدعوة إلى انتخابات محلية للجمعيات السياسية، ويهدف من ذلك إلى فتح الباب أمام ظهور أحزاب جديدة تفتت تحالف حزبي المعارضة، وربما يخطط عبر السلطة التي يحوزها لخلق أحزاب معارضة موالية، تمكنه من تكوين مشهد سياسي مُسيطر عليه.

في غضون ذلك، يتمسك حزبا المعارضة بمواقيت الاستحقاقات؛ حيث تحل الانتخابات الرئاسية في موعد 13 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بينما يحل موعد انتخابات الجمعيات السياسية، والذي يحدث مرة كل 10 سنوات في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، بعد مضي 10 سنوات على آخر انتخابات.

ويوضح الكاتب عبد الغني عبد الله آدم، أنّ المعارضة ترى أنّ "الانتخابات الرئاسية مقررة دستورياً ولهذا لها الأسبقية، على الانتخابات الأخرى المنصوص عليها في التشريع".

مستقبل الأزمة

ووفقاً للتاريخ السياسي لصومالي لاند، وما شهده من تكرار عمليات التمديد للرئيس والبرلمان، فمن المرجح أن يكون التمديد عبر تسوية هو المخرج للأزمة. ويقول الكاتب والباحث في السياسة والتاريخ، عبد الغني عبد الله آدم: "من الواضح أنّ الحل قصير المدى هو الخروج من المأزق الحالي، ومن الأهمية بمكان توسط طرف ثالث موثوق به بين الأحزاب السياسية". وبحسبه هناك أربعة سيناريوهات محتملة لمسار الأزمة، مبنية على ما طرحه الحزب الحاكم وحزبا المعارضة من مواقف.

من الاحتجاجات في صومالي لاند

الأول وهو التمديد، هو سيناريو محتمل لتمديد الفترة لكلٍ من الرئيس والأحزاب السياسية. علماً أنّ ولاية الرئيس تنتهي في 13 ديسمبر 2022، في حين أنّ ترخيص الأحزاب السياسية سينتهي في ديسمبر 2022. وقد تتفق أطراف النزاع على تأجيل الانتخابات، بناءً على التوصيات الفنية التي قدمتها لجنة الانتخابات الوطنية. وفي هذا السيناريو تجري الانتخابات الرئاسية أولاً ، تليها انتخابات الجمعيات والأحزاب السياسية.

والثاني إجراء انتخابات الرئاسة والأحزاب في التاريخ نفسه، عملاً بتجربة مايو 2021. والثالث، تمديد ولاية الرئيس، ويشمل ذلك تمديد ولاية الرئيس وإجراء انتخابات الجمعيات السياسية هذا العام أو أوائل العام المقبل.

والرابع هو تنظيم الانتخابات الرئاسية في 13 نوفمبر 2022، وتتعلق بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، مع ودفع انتخابات الجمعيات السياسية العام المقبل.

ومن المحتمل حال تبني سيناريو إجراء الانتخابات بالتزامن، أو إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً، أن يتأخر الموعد إلى عدة أشهر، دون تأجيل لمدد طويلة، وقد تتم تمديد المهل القصيرة عبر مجلس الشيوخ.

وهناك عاملان يحددان مسار الأزمة، وهما؛ المدى الذي قد يذهب إليه الرئيس موسى بيحي عبدي في التمسك بإجراء انتخابات الجمعيات السياسية أولاً، وحجم التكلفة السياسية التي قد يتحملها في مواجهة أحزاب المعارضة.

ولا يبعث على الطمأنينة استمرار إلقاء الحكومة باللوم على حزبي المعارضة في أحداث العنف التي شهدتها المظاهرات مطلع الشهر الجاري. ومن جانب آخر أفرجت الحكومة عن صحفيين وساسة تم اعتقالهم خلال المظاهرات الأخيرة، التي شهدت لأول مرة أحداث عنف بوليسي واسع النطاق.

وتتطلب معالجة الأزمة عدم الارتكان إلى تفسيرات بعينها إلى الدستور، في بلد كثيراً ما أخضع الدستور إلى أهواء متعددة، ولهذا على السلطة والمعارضة التوصل إلى تسوية سياسية، لتجنيب البلاد عدم الاستقرار، وفي هذا السياق سيكون للولايات المتحدة والشركاء الغربيين لدولة الصومال الفيدرالية ودولة الإمارات دور في الضغط على الحزب الحاكم والمعارضة للتوصل إلى تسوية سياسية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية