أسبقيات "حزب الله" و"المسكوت عنه" في "الترسيم" تنسف جدوى "حوار اللبنانيّين"

أسبقيات "حزب الله" و"المسكوت عنه" في "الترسيم" تنسف جدوى "حوار اللبنانيّين"

أسبقيات "حزب الله" و"المسكوت عنه" في "الترسيم" تنسف جدوى "حوار اللبنانيّين"


18/10/2022

فارس خشان

دعوة القوى اللبنانية المتخاصمة الى طاولة الحوار ليست "خطيئة"، حتى يتمّ ذمّ السّفارة السويسريّة في بيروت التي تبنّت رغبة "مركز الحوار الإنساني" المدعوم، معنويًّا وماديًّا، من بِرن.

العكس هو الصحيح، فالحوار الوطني، في ظلّ انعدام البدائل الناجعة، ضرورة ملحّة، لأنّه، من حيث المبدأ، قادر على إزالة المعوقات من أمام الحلول التي يحتاج الجميع إليها.

وسويسرا ليست طرفًا محليًّا يرغب في استغلال الحوار الوطني لمصلحته الذاتيّة، ولا هي جزء من الصراع الإقليمي والتجاذب الدولي، حتى تُنسب إليها أهداف "ضيّقة".

وعلى الرغم من هذه التمهيدات المبدئيّة، لقد أخطأت السفارة السويسريّة في بيروت بالدعوة الى الحوار الوطني المتدثّر بعشاء، لأنّ هذا النوع من الحوار في بلد مثل لبنان لا يمكن تمريره مع صلصة ال "أنتروكوت" ولا مع مكوّنات السلطة السويسريّة ولا في رقائق اللحوم المقدّدة، بل هو يحتاج الى تهيئة أرضيّة صلبة تتجاوز شعارات "احترام اتّفاق الطائف ومراعاة أحكام الدستور".

وأظهرت التجربة اللبنانيّة الطويلة التي سبقت اتّفاق الطائف وتبعته، ومرّت بتفاهم الدوحة ووصلت الى "إعلان بعبدا" أنّ مشكلة القوى اللبنانيّة على اختلاف انتماءاتها لا تكمن في الجلوس معًا، بل في قدرة "حزب الله" على استغلال الحوار الوطني لتحقيق أهداف مرحليّة تعينه في وقت لاحق على التفلّت كليٍّا، وعلى طريقة "بلها واشرب مائها"، من كلّ التعهّدات التي يقطعها لمن يفترض بهم أنّهم شركاؤه في الوطن.

وأظهرت التجربة أنّ "حزب الله" المرتبط ارتباطًا وثيقًا ب "الأجندة الإيرانيّة" لا يقيم اعتبارًا إلّا لمنطق القوّة، وتاليًا فهو إذا لم يجد، في الطرف المقابل، قوّة تحوز على احترامه، يحاول أن يفرض مصلحته وإذا فشل في ذلك لا يقيم أيّ اعتبار لنقض كلّ ما كان قد التزم به.

ومشكلة الدعوة السويسرية إلى إحياء الحوار الوطني لا تكمن في تغييب وجوب تهيئة الأرضية اللازمة لحوار منتج لمفاعيله فحسب، بل في التوقيت أيضًا.

على مستوى التوقيت، لم تتوصّل القوى المناوئة ل"حزب الله"، بعد الى تفكيك "شيفرة" الصفقة السياسية التي وقفت وراء التوصّل الى اتفاق ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان ظاهريًّا و"حزب الله" فعليًّا، من جهة والولايات المتّحدة الأميركيّة وإسرائيل، من جهة أخرى.

ويرتاب كثيرون في أنّ وراء هذا الاتفاق الحدودي الذي يأخذ من "حزب الله" وظيفة إقليميّة غالية تسليمًا دوليًّا بتكريس هيمنة الحزب في الداخل اللبناني، على حساب سائر المكوّنات اللبنانيّة.

وهذا ارتياب مشروع، لأنّ اتفاق ترسيم الحدود البحريّة تزامن مع ضخّ الثقة بحوثيّي اليمن لإسقاط تفاهمات الهدنة المعلنة، ومع نجاح "الإطار" العراقي الموالي لإيران في فرض إرادته في انتخابات رئاستي الجمهورية ومجلس الوزراء، بعد عرقلة دامت سنة كاملة، ومع وقف الغارات الإسرائيليّة المكثّفة على أهداف إيرانيّة في سوريا، ومع مباهاة فرنسيّة غير مسبوقة بالقنوات التي تصلها في لبنان ب"حزب الله".

وهذا يعني أنّ موافقة القوى المناوئة ل"حزب الله" على التوجّه الى طاولة الحوار الوطني، في ظلّ اختلال موازين القوى، وفي ضوء "التاريخ القاتم" لطريقة تعامل الحزب مع التعهّدات التي يقطعها، وتحت سيف مسلط اسمه صفقة إقليميّة ودوليّة مع إيران، ليست سوى التسليم مسبقًا بالوقوع في فخّ محكم الإقفال.

وعليه، فإنّ القوى المناوئة ل"حزب الله" تفضّل، ولو كان الطريق وعرًا وشائكًا، أن تبتعد عن طاولة الحوار الوطني، لمصلحة تفعيل الآليات الديموقراطيّة في انتخاب رئيس الجمهوريّة وتكليف رئيس الحكومة، لأنّه وإن جاءت النتائج مخيّبة لآمالها تستطيع أن تُطلق آليات المساءلة المؤسساتيّة والشعبيّة التي ستكون مستحيلة إذا سجّلت على نفسها خسارة ب"التوافق"، وفق التجربة التي كانت قد أوصلت العماد ميشال عون، قبل ست سنوات الى القصر الجمهوري في بعبدا.

ولكنّ هذا التوجّه على "أحقيته" العمليّة، لا يُلغي حاجة القوى التي ترفض كلّ محاولة، سواء أكانت مباشرة أم غير مباشرة، لتكريس هيمنة "حزب الله" إلى بذل جهود جبّارة من أجل تصحيح الخلل في ميزان القوى، لأنّ ما يمكن رفضه اليوم قد يستحيل رفضه غدًا، وما يسهل التصدّي له حاليًا، قد يسحق من يقف في دربه، لاحقًا.

وهذه المسؤوليّة، وإن كانت لبنانية بادئ ذي بدء، إلّا أنّها مسؤوليّة عربية وخليجية أيضًا، لأنّ الدعم الإيراني ليس مجرّد مسألة نظريّة وتنظيريّة بقدر ما هو مسألة ميدانيّة وماديّة!

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية