أكرم إمام أوغلو: هل هو فعلاً بديل تقدّمي لأردوغان؟

أكرم إمام أوغلو: هل هو فعلاً بديل تقدّمي لأردوغان؟


26/12/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

نشأ في أسرة مسلمة محافِظة في منطقة البحر الأسود النّائية في تركيا، ودرس "لبيزنس" في أكبر وأهمّ مدينة في البلاد، إسطنبول، قبل امتهان السّياسة. في أوائل العشرينات من عمره، لعب مباريات كرة قدم رفيعة المستوى وفاز بأوّل منصب عامّ رئيس له في إسطنبول في سنّ مبكّرة نسبيّاً، حيث أسّس سمعةً بوصفه مسؤولاً محلّ ثقة سُرعان ما نقلته إلى الصّدارة الوطنيّة.

يمكن أن أصف بهذا الكلام زعيم البلاد منذ فترة طويلة، الرّئيس رجب طيّب أردوغان، أو منافسه المحتمل، عمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، لأنّ أصداء قصصهما الخلفيّة كبيرة.

اقرأ أيضاً: أكرم إمام أوغلو: لهذه الأسباب أرفض مشروع مياه قناة إسطنبول

يتحمّل كلاهما اللّوم، أيضاً، لأنّ سكّان إسطنبول، الّتي تُمثّل ثلث النّاتج المحلّيّ الإجماليّ، يعانون في الأسابيع الأخيرة من ارتفاع أسعار المواد الغذائيّة. كما فصّلت الأمر منصّة صحفيّة غربيّة كبيرة الأسبوع الماضي، فإنّ أنقرة ضغطت على المخابز لإبقاء الأسعار منخفضة، بينما قامت بلديّة إسطنبول بتقويض المخابز المستقلّة من خلال دعم المخابز الّتي تُديرها المدينة. قال أحد الخبّازين: "نُسحَق من الجانبين".

عندما ترشّح لمنصب عمدة إسطنبول، في آذار (مارس) 2019، كان إمام أوغلو مرشّحاً غير معروف، عن حزب الشّعب الجمهوريّ المعارض الرّئيس، خدم لفترة واحدة فقط رئيساً لبلديّة منطقة ثريّة على الطّرف الغربيّ من المدينة. بعد أن تغلّب على خصمه، بن علي يلدريم، أحد مؤسّسي حزب العدالة والتّنمية الحاكم ورئيس الوزراء السّابق في عهد أردوغان، بهامش صغير، ألغت أعلى هيئة انتخابيّة في البلاد النّتيجة وأمرت بإعادة التّصويت.

سيكون من الحكمة أن يقوم أولئك الذين هم من خارج تركيا وداخلها، ويميلون إلى رؤية عمدة إسطنبول على أنّه مجرّد نظير تقدّميّ لرئيس الدّولة المحافظ، بإلقاء نظرة فاحصة

على غرار محاولة الانقلاب الفاشلة لعام 2016 على أردوغان، تبيّن أنّ هذه كانت "هديّة من الله" لإمام أوغلو. نظر كثيرون في تركيا وخارجها  إليه على أنّه بطل يخوض معركة حقّة ضدّ نظام إشكاليّ. بعد فوزه في آذار (مارس)، أصبح لديه 350 ألف متابع على تويتر، لكن بحلول إعادة التّصويت، في حزيران (يونيو)، حيث فاز بهامش أكبر بكثير، صار لديه أكثر من 2.5 مليون. أقام حملته على أساسٍ من الوحدة الاجتماعيّة و"الحبّ الرّاديكاليّ"، وفي خطاب النّصر الّذي ألقاه سمّى الأقلّيّات الدّينيّة والعرقيّة في المدينة واحدة تلو الأخرى.

اقرأ أيضاً: أكرم إمام أوغلو إذ يقضّ مضجع أردوغان

"بمجرّد توليه منصّبه، وضع إمام أوغلو رؤيته التّعدّديّة والشّاملة موضع التّنفيذ"، كتب كلّ من أيكان إردمير، وهو مدير برنامج تركيا في "مؤسّسة الدّفاع عن الدّيمقراطيّات"، وعضو سابق في البرلمان التركيّ، وتوغبا تانييري-إردمير، وهو زميل غير مقيم في "معهد الشّرق الأوسط"، الأسبوع الماضي لمجلّة "بروفيدانس" التي تتّخذ من الولايات المتّحدة مقرّاً لها. أشارا إلى تعيينه مسؤولين من جميع التّجمّعات الدّينيّة في المدينة والجهود المبذولة لترميم وحماية التّراث الأرثوذكسيّ اليونانيّ في المدينة، بالإضافة إلى تحيّاته المنتظمة على وسائل التّواصل الاجتماعيّ للمجتمعات المسيحيّة واليهوديّة في إسطنبول، لكنّ سائر كبار السّياسيين في تركيا، بمن فيهم أردوغان، أرسلوا تحيّات مماثلة بمناسبة الأعياد.

وحتّى قبل تولّيه منصبه، بدأ إمام أوغلو في إظهار جانب أكثر قتامة. في المقابلة الأوّلى له بعد فوزه، في حزيران (يونيو)، وصف اللاجئين بأنّهم صدمة نفسيّة شديدة بالنّسبة إلى السّكان المحلّيين، وقال إنّ السّوريين الذين يعملون في وظائف غير مسجّلة يهدّدون سبل عيش السّكان المحلّيّين. قال العمدة القادم: "علينا حماية مصالح شعبنا". وأضاف: "لا يمكنهم تغيير لون إسطنبول باستهتار".

اقرأ أيضاً: أكرم إمام أوغلو يعيد فتح ملف قناة إسطنبول... هل يكشف فساد أردوغان وعائلته؟

كان هذا بالتّأكيد إيماءة للمشاعر المعادية للسوريين المتزايدة التي لعبت دوراً رئيساً في انتصاره وانتصار منصور يافاس، عن حزب الشّعب الجمهوري، في العاصمة التركيّة أنقرة. لكن بالنّسبة إلى مرشّح تحدّث عن الوحدة الاجتماعيّة وتعهّد بأنّ "كلّ الأصوات والألوان والمعتقدات المختلفة" سيُنظَر إليها على أنّها فرص وليس مخاطر، كان ذلك بمثابة تحوّل كبير، بل وحتّى خيانة.

بعد أن تغلّب أوغلو على خصمه، بن علي يلدريم، أحد مؤسّسي حزب العدالة والتّنمية الحاكم ورئيس الوزراء السّابق في عهد أردوغان، ألغت أعلى هيئة انتخابيّة في البلاد النّتيجة

بعد أيّام، وبسبب إشاعات كاذبة عن قيام سوريّ بالاعتداء على فتاة محليّة، هاجم سكّان حيّ بغرب إسطنبول سوريّين وحطّموا محلّات يديرها سوريّون. جلس العمدة الجديد لإجراء مقابلة أخرى، ولكن بدلاً من إخماد الاضطّرابات، قام بتأجيج النّيران.

في البداية، شجب كل الّلافتات العربيّة الموجودة في المدينة. قال: "لا يمكنك قراءة اللافتات في بعض الأماكن". وأضاف: "هذه تركيا". عند سؤاله عن العنف النّاجم عن كراهية الأجانب، بدا أنّه يدافع عن السّكان المحلّيين بالقول إنّهم قلقون. وأضاف أنّ السّوريين قد يحتاجون إلى العزلة في المخيّمات أو "إعادة تعليمهم".

أخبر المحاور إمام أوغلو أنّ تعليقاته خطيرة، وحتّى أنصار رئيس البلديّة أشاروا بسرعة إلى أنّ العديد من المدن الكبرى بها مناطق مهاجرين مليئة في الغالب باللافتات الأجنبيّة. ومن المعروف أن تركيا قد استضافت منذ سنوات أكثر من أربعة ملايين لاجئ، أي أكثر من أيّ بلد في العالم.

هيمن السّوريون وغيرهم من العرب والمهاجرين على أجزاء من عدّة مدن، بما في ذلك إسطنبول، ممّا أدّى إلى اشتباكات عرضيّة. وخلال فترة تتّسم بالصّراع الاقتصاديّ على وجه الخصوص، من المفهوم أن يشعر السكّان المحلّيون ببعض الاستياء تجاه أولئك الذين ينتزعون الوظائف منخفضة الأجر.

هذا الصّيف، عندما شوهد آلاف الأفغان يتدفّقون عبر الحدود الشّرقيّة لتركيا، أعرب العديد من الأتراك عن غضبهم على وسائل التّواصل الاجتماعيّ. تعهّد زعيم حزب الشّعب الجمهوريّ، كمال كيليجدار أوغلو، بأنّه إذا وصل حزبه إلى السّلطة، فسوف يعيد جميع السّوريين إلى ديارهم. هذا الموقف المناهض للهجرة هو من بين الانتقادات المعارضة الرّئيسة لحزب العدالة والتّنمية الحاكم، الذي يشهد انخفاض شعبيّته إلى مستويات قياسيّة في الأشهر الأخيرة.

اتّهم أحد أعضاء البرلمان عن حزب الشّعب الجمهوريّ الحكومة بتسليم الجنسيّة لمقاتلي داعش، في حين أنّ عمدة "حزب الخير" المعارض سنّ قوانين مناهضة للهجرة علانية، وربما تعجّلت "الإيكونوميست" عندما أعلنت، عام 2018، إسطنبول ملاذاً ناشئاً للعرب.

اقرأ أيضاً: انتخابات إسطنبول: أكرم إمام أوغلو يتحدى رجل أردوغان

ومع ذلك، أصبح أكثر من 100 ألف سوريّ مواطنين أتراكاً وولد نصف مليون طفل سوريّ في تركيا. في منتصف عام 2020، كتب إمام أوغلو مقالاً بالّلغة الإنجليزيّة يدعو إلى تبنّي التّنوّع في إسطنبول وإلى إدماجٍ أفضل للّاجئين. عزّزت هذه الجهود من مكانته الدّولية. وقد زار العديد من العواصم الأوروبيّة، العام الماضي، بحثاً عن استثمارات في البنية التّحتيّة، وفي الشّهر الماضي، تحدّث في قمة المناخ في غلاسكو كخبير في الاستدامة.

كما استمرّ إمام أوغلو بهدوء في موقفه المنحاز للسّكان المحليين على نحو قد لا يُراعي اللاجئين. قبل عام، وبفضل دعم رئيس البلديّة جزئيّاً، قامت إسطنبول بتسمية حديقة على اسم حسين نهال أتسيز، أحد أكثر القوميّين عنصريّة ومعاداة للسّاميّة في التّاريخ التركيّ. كتب أتسيز ذات مرّة: "لا يمكن أن يكون اليهوديّ تركيّاً مهما حاول جاهداً".

سيكون من الحكمة أن يقوم أولئك الذين هم من خارج تركيا وداخلها، ويميلون إلى رؤية عمدة إسطنبول على أنّه مجرّد نظير تقدّميّ لرئيس الدّولة المحافظ، بإلقاء نظرة فاحصة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال، 19 كانون الأوّل (ديسمبر) 2021

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2021/12/19/the-mayor-of-istanbul-and-his-attitude-towards-immigrants/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية