أمير الإخوان هدّد بفتحه.. ما هو صندوق باندورا الذي ربما يشعل باكستان؟

أمير الإخوان هدّد بفتحه.. ما هو صندوق باندورا الذي ربما يشعل باكستان؟

أمير الإخوان هدّد بفتحه.. ما هو صندوق باندورا الذي ربما يشعل باكستان؟


19/01/2023

يحكي هسيودوس عن أسطورة باندورا، المرأة الأولى التي شغلت حيزاً كبيراً في الحكايا الإغريقية القديمة، والتي أعطاها زيوس صندوقاً وضع فيه كل الشرور، وأمرها ألّا تفتحه، لكنّ صفة الفضول التي منحتها إياها هيرا، دفعتها إلى فتح الصندوق؛ لاكتشاف ما بداخله، وما هي إلّا ثوان معدودة، حتى خرجت منه كل الآلام والضغائن التي أفسدت حياة الإنسان مثل: الموت، الحروب، الأوبئة، الطمع، الكراهية، الكذب، وغير ذلك من الآثام، التي انتشرت كلّها بين البشر.

في معرض هجومه المعتاد على الحكومة والأحزاب السياسيّة، قال سراج الحق، أمير الجماعة الإسلاميّة، الذراع السياسيّة للإخوان في باكستان، إنّ الثورة حتمية ضدّ المافيا التي تحكم البلاد منذ عقود، وأنّ جماعته لن تتوانى في مواجهة هؤلاء، وهي مواجهة سوف تؤدي إلى فتح صندوق باندورا، بحسب تعبيره. في دلالة على استخدام العنف والإرهاب، خاصّة وأنّ سراج الحق استخدم قبلها بأسابيع مصطلح الجهاد، وأبرز أهميته في مواجهة حكومة شهباز شريف.

علاقات تاريخية مع القاعدة وطالبان

في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2013، اتهم زعيم الحركة القومية المتحدة، ألطاف حسين، الجماعة الإسلاميّة الباكستانيّة، بوجود روابط وثيقة بينها وبين تنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية، وطالب الحكومة بحظر الجماعة وذراعها الطلابي.

من جهته، وصف أمين عام الجماعة الإسلامية، لياقت بالوش، مزاعم الحركة القومية، بأنّها ملفقة، ولا أساس لها من الصحة، وقال إنّ مثل هذه التصريحات لا تستند إلى الواقع.

تقارير أمنية عديدة أشارت إلى وجود روابط قوية، بين الجماعة الإسلامية الباكستانية وتنظيم القاعدة وطالبان، وأنّ طلاب الجماعة تورطوا في اختطاف وقتل جنود باكستانيين، بالإضافة إلى التحريض على الشيعة

جدير بالذكر أنّ سيد منور حسن، أمير الجماعة الإسلامية الراحل، أدان مقتل حكيم الله محسود، زعيم طالبان باكستان، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، على يد الجيش الباكستاني، واعتبره شهيداً.

كانت تقارير أمنية عديدة أشارت إلى وجود روابط قوية، بين الجماعة الإسلامية الباكستانية وتنظيم القاعدة وطالبان، وأنّ طلاب الجماعة تورطوا في اختطاف وقتل جنود باكستانيين، بالإضافة إلى التحريض على الشيعة. بينما اتهم زعيم الحركة القومية المتحدة، الجيش الباكستاني، بغض الطرف عن أنشطة الذراع الإخوانية، من أجل استخدامها كأداة للضغط على الأحزاب السياسية.

زعيم الحركة القومية المتحدة ألطاف حسين

وكانت تقارير لجنة التنسيق، التابعة للحركة القومية المتحدة، استناداً إلى معلومات أمنية، كشفت أنّ اثنين من الإرهابيين الذين قُتلوا في هجوم طائرة بدون طيار، في وزيرستان، في أواخر العام 2013، ينتمون إلى الجماعة الإسلامية.

وبحسب صحيفة (اكسبريس نيوز) المحلية، فإنّ الأمير السابق للجماعة الإسلامية، منور حسن، حرّض صراحة في تجمع لأنصاره في لاهور، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، الأمة الباكستانيّة على القتال، وأبدى تعاطفاً كبيراً مع تنظيم القاعدة وحركة طالبان.

بنية العنف وحتمية التحالف

تحكي الأسطورة الإغريقية، أنّ زيوس كان يعلم مسبقاً أنّ باندورا، بما لديها من فضول، سوف تقدم على فتح صندوق الشرور، وأنّه أراد عقاب بني الإنسان، بسبب إقدام بروميثيوس على سرقة نار الآلهة من جبل الأوليمب؛ ليمنحها للبشر.

في أعقاب وصولها إلى السلطة، في آب (أغسطس) الماضي، هنأ سراج الحق، أمير الجماعة الإسلامية الباكستانية، حركة طالبان الأفغانية على فتح كابول، وقال إنّ أمة أفغانستان تحت قيادة طالبان غدت أمة لا تقهر.

كشف سراج الحق عن الدور الخفي للإخوان في باكستان، كنقطة اتصال بين حركة طالبان، والأذرع الجهادية والإسلاموية حول العالم

في حوار له، في الشهر نفسه، مع صحيفة" جاسرات صنداي" الناطقة بالأردية، قال سراج الحق إنّ انتصار طالبان أثبت أنّ قوة الإيمان أكثر فاعلية من التكنولوجيا. وأضاف: "من الواضح أنّه كان هناك من جهة إيديولوجيا وشغف بالاستشهاد، ومن جهة أخرى كان هناك نار السلاح والبارود وأمطار الحديد، وهكذا هزمت الأيديولوجيا نار الحديد والبارود، ومثلما أصبحت النار برداً على النبي إبراهيم، كرر الله نفس المشهد مع حركة طالبان".

من الواضح هنا أنّ الغطاء الديني الذي يستخدمه زعيم الإخوان في باكستان، يتفق بشكل يكاد يكون متطابقاً، مع مفاهيم الحركات الجهادية التقليدية، التي تتعالى بالدين، وتمتلك يقيناً نهائياً بحتمية الانتصار، حتى أنّه طالب الرئيس الأمريكي جو بايدن بدفع فدية حرب للشعب الأفغاني!

أمير الجماعة الإسلامية أكد على انفتاح الإخوان على طالبان، وناشد الجميع الوقوف إلى جوار الحركة، وأبدى ثقته في إجراءات حكومة طالبان تجاه النساء، في حدود الشريعة الإسلامي. مضيفاً: "هذه المرة مزاجهم إيجابي للغاية، ولديهم رغبة في أن يقولوا للعالم: نستطيع أن نعمل معاً".

حكيم الله محسود زعيم طالبان

وكشف سراج الحق صراحة، عن وجود اتصالات بين الجماعة الإسلامية وحركة طالبان، حيث قال رداً على سؤال حول طبيعة الاتصالات بينه وبين النظام الجديد في أفغانستان قائلاً: "لدينا اتصالات معهم، ومع قيادتهم المركزية ومجلس شورى الحركة، ومع جميع الأشخاص المسؤولين هناك". واستطرد: "من الواضح أنّ أفغانستان ملك للأفغان، ونحن سند لهم، المبدأ هو أنّه إذا كانت هناك أيّ قدرة للتنسيق المشترك بيننا، فيمكن استخدام هذه القدرة لدعم الحركة الإسلامية في أيّ بلد من دول العالم، وقد حاولنا دائماً الحفاظ على علاقتنا بهم، والنضال هو هدفنا المشترك؛ لأنّ أمريكا ليست مجرد دولة، بل هي نظام استعماري، إنّها إغراء الدجال الموجود في العالم كله".

الجماعة الإسلامية أعلنت على لسان أميرها، أنّ طالبان حليف استراتيجي، بداعي وجود روابط مشتركة، لغاية واحدة هي النضال والقتال من أجل النظام الإسلامي، ولأن هدفهم هو تفوق النظام الإسلامي والثورة على الكفر، ونصرة القرآن والسنة، كان التحالف بينهما حتمياً.

واعتبر سراج الحق أنّ انتصار طالبان، يعني أيضاً هزيمة الهند، التي اتهمها بالاستثمار ضد المجاهدين في أفغانستان، وطالب باكستان بضرورة الاعتراف بالإمارة الإسلامية في كابول، قائلاً: "إذا تمّ إنشاء حكومة إسلامية مجاورة في أفغانستان، فإنّ حدودنا التي يبلغ طولها 1400 كم ستكون آمنة، صداقة أفغانستان ستكون مفيدة جداً لنا أيديولوجياً واقتصادياً أيضاً". وتابع: "أعتقد أنّ باكستان يجب أن تكون شريكاً جيداً للحكومة الأفغانية الحالية".

لا يمكن إغفال تزايد شعبية الجماعة الإسلامية، في أعقاب كارثة الفيضانات، ولا يمكن إنكار فاعلية الشعارات الدينية، في مجتمع يحاصره الفقر، وتهدده الفوارق الكبيرة بين الطبقات

وكشف سراج الحق كذلك عن الدور الخفي للإخوان في باكستان، كنقطة اتصال بين حركة طالبان، والأذرع الجهادية والإسلاموية حول العالم، حيث قال إنّ "الحركات الإسلامية العالمية، بعثت برسائل إلى طالبان، ووصلت إليها عبر الجماعة الإسلامية، ونحن على اتصال بجميع الحركات الإسلامية العالمية، ونعمل على تقويتها".

ندم لا يفيد

يحكى أنّ زيوس ندم على عقاب بروميثيوس، والذي كان جندياً مخلصاً في صفوف آلهة الأولمب، إبان القتال ضد العمالقة في الحرب العظمى، كما أنّ الشرور التي خرجت من صندوق باندورا، أرّقت ضمير زيوس كثيراً، لكنّ ندمه لم يكن أبداً ليفيد.

لا أحد يعلم الكيفية التي تمّ من خلالها استدعاء الجماعة الإسلامية، إلى المشهد السياسي في باكستان، في أعقاب وصول سراج الحق إلى منصب أمير الجماعة، لكن الصمت المريب تجاه أنشطتها، وتجاه عشرات التظاهرات والاعتصمات التي دشنتها، حتى في ذروة انتشار الحالة الوبائية في البلاد، وكذا الأموال الطائلة التي أنفقتها من أجل الدعاية وتجنيد أبناء الأحياء الفقيرة، يجعلنا نطرح المزيد من التساؤلات، حول الدور الوظيفي الذي أريد لها أن تؤديه.

لربما كانت الجماعة الإسلامية أداة للتخلص من حكومة عمران خان، خاصّة بعد تأييده للرئيس الروسي، واتخاذه مواقف مناوئة لواشنطن منذ اليوم الأول لرئاسته للحكومة. لكنّ السحر انقلب على الساحر، وفشل شهباز شريف في السيطرة على سراج الحق، الذي واصل هجومه على الجميع، ليواصل أنشطته الميدانية المكثفة، باستخدام غطاء ديني مؤدلج، وأموال لا حصر لها، ظهرت جلياً إبان نكبة الفيضانات التي ضربت البلاد.

لا يمكن إغفال تزايد شعبية الجماعة الإسلامية، في أعقاب كارثة الفيضانات، ولا يمكن إنكار فاعلية الشعارات الدينية، في مجتمع يحاصره الفقر، وتهدده الفوارق الكبيرة بين الطبقات، والنتيجة هي ذلك التقدم المفاجئ والمباغت الذي حققته الجماعة في الانتخابات البلدية الأخيرة، حيث حلّت في المرتبة الثانية في كراتشي، بنحو 86 مقعداً، ما يعني أنّ صندوق باندورا قد انفتح أخيراً في باكستان.

مواضيع ذات صلة:

باكستان: سناريوهات إلغاء "تحريك طالبان" للهدنة

حركة طالبان باكستان تعلن إلغاء اتفاق وقف إطلاق النار.. بماذا أمرت مقاتليها؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية