أنبوب النفط "العراقي الأردني"... لماذا يُعتبر مشروعاً استراتيجياً على مستوى المنطقة؟

أنبوب النفط "العراقي الأردني"... لماذا يُعتبر مشروعاً استراتيجياً على مستوى المنطقة؟


22/02/2022

في 10 كانون الثاني (يناير) 2022 أعلن وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني صالح الخرابشة موافقة مجلس الوزراء العراقي على الاتفاقية الإطارية لمشروع مدّ أنبوب نقل النفط من البصرة إلى ميناء العقبة الأردني، وتبلغ طاقة الأنبوب مليون برميل يومياً، وهو بطول (1665) كيلو متراً، وتُقدر تكلفة المشروع بنحو (9) مليارات دولار. وبالنظر إلى هذه الأرقام تبرز التساؤلات حول القيمة والمنفعة التي يحملها المشروع لكلا البلدين؟ وما أهمّ الأبعاد المرتبطة به؟ وما الآفاق أمامه؟

الطرح لأوّل مرة... وإعادة التفعيل

فكرة مشروع الربط بين البصرة والعقبة ليست وليدة للظروف والمتغيّرات الجديدة، بل تعود إلى العام 1983، إبّان الحرب العراقية ـ الإيرانية، آنذاك اتّجه العراق إلى هذا الحلّ بعد تعرّض منشآته النفطية في الجنوب للقصف والتدمير، فضلاً عن تعرّض ناقلات النفط في الخليج - في وقت لاحق من الحرب - للاستهداف، وقد تسبب في تعطل جزء كبير من الصادرات النفطية للبلاد، ممّا دعا للبحث عن منفذ آخر لتأمين إمدادات النفط. وكانت الفكرة تتضمّن إنشاء أنبوب قادر على ضخ (1.5) مليون برميل يومياً. ومن ثم تحوّل تفكير العراق لاحقاً واتجه لإنجاز أنبوب عراقي ـ سعودي، يربط البصرة بمدينة ينبع على ساحل البحر الأحمر، ومن ثمّ أُوقف المشروع  بعد غزو العراق للكويت واندلاع حرب الخليج الثانية، وما حدث فيها من تهديد عراقي بغزو السعودية، فضلاً عن فرض العقوبات من قبل الأمم المتحدة على العراق والتزام السعودية بها.

رئيس الوزراء الأردني السابق عمر الرزاز مع نظيره العراقي عادل عبد المهدي... من زيارة الرزاز لبغداد في العام 2018 التي جرى فيها إعادة تفعيل المباحثات بشأن المشروع

بقي المشروع معطلاً حتى آذار (مارس) من العام 2013، حين عقد اجتماع عراقي ـ أردني لمناقشة إعادة تفعيل المشروع، وجرى توقيع اتفاق إطاري بين البلدين في مدينة العقبة، إلّا أنّ الاضطرابات التي عانى منها العراق خلال الأعوام اللاحقة، واجتياح تنظيم "داعش" مناطق غرب العراق، أدّى إلى تأجيل الخطوات التنفيذية للخط. ومع القضاء على تنظيم داعش وعودة الاستقرار إلى العراق تمّ التعجيل بعقد الاجتماعات من جديد، وعادت المحادثات الرسمية بشأن المشروع في العام 2018.

منفذ جديد للعراق

بالنسبة إلى العراق، فإنّ المشروع يعني تنويع طرق ومنافذ التصدير لديه، بحيث لا تبقى محصورة في خيار التصدير عبر الخليج العربي ومضيق هرمز، والتقليل بذلك من حجم النفط المنقول عبر مضيق هرمز، وتفادي التوترات التي قد تقع فيه وفي الخليج العربي، بما في ذلك التهديدات المستمرّة بإغلاقه. كما أنّ هذا الممر سيكون خياراً أفضل للتصدير باتجاه أوروبا وأفريقيا، وهو ما يتوافق مع التوجّه العراقي لزيادة حجم صادرات النفط العراقي نحو القارّة الأوروبية. ويُشار إلى أنّ هناك أنبوباً آخر يمكن أن يُستخدم للتصدير باتجاه أوروبا، وهو الأنبوب المنطلق من كركوك باتجاه ميناء جيهان في جنوب تركيا، إلّا أنّ هذا الأنبوب يمرّ عبر مناطق إقليم كردستان، وكثيراً ما تخضع الصادرات عبره للتجاذبات والخلافات السياسية بين بغداد وأربيل، بما في ذلك الاختلاف حول الأحقية بالعوائد المالية لتلك الصادرات.

مشروع الشام الجديد

إلّا أنّ المشروع لا يقف فقط عند حدود الربط بين منشآت النفط في العراق وميناء العقبة الأردني، بل هو يشمل كذلك مقترحاً للوصول إلى مصر، ليصبح بذلك مشروعاً أساسياً من مشاريع "الشام الجديد"، وهو المخطط الاستراتيجي الهادف لتعزيز الربط بين البلدان الـ3: العراق، والأردن، ومصر.

تعود  فكرة مشروع الربط بين البصرة والعقبة إلى العام 1983، حين طُرحت لأوّل مرّة إبّان الحرب العراقية ـ الإيرانية

وفي الأعوام الأخيرة عزّزت الدول الـ3 الخطوات الهادفة لبناء العلاقات الاقتصادية المشتركة، وفي عام 2017 بدأت مصر في تلقي النفط من العراق، وبحجم (12) مليون برميل سنوياً، في حين يستورد الأردن نحو (27%) من حاجياته النفطية من العراق وبأسعار تقلّ عن التسعيرة الدولية بـ (16)  دولاراً للبرميل الواحد.

مسار سير الأنبوب انطلاقاً من البصرة حتى العقبة

وقد دخل مشروع "الشام الجديد" مرحلة جديدة مع عقد القمة الـ3 الأردنية - المصرية - العراقية في حزيران (يونيو) 2021 في بغداد، بمشاركة ملك الأردن عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. ويبرز مشروع خط النفط بين البصرة والعقبة كواحد من أهمّ المشاريع المشتركة بين الدول الـ3.

اقرأ أيضاً: القضاء العراقي ينتفض في وجه الأكراد ويُبطل قانون النفط والغاز 

وفي آذار (مارس) 2021 استقبل وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار السفير المصري في بغداد أحمد إسماعيل، وأكّدا في اللقاء على التخطيط الثنائي بين مصر والعراق من أجل زيادة التعاون في مجال المشروعات النفطية، بما في ذلك مشروع خط أنابيب "البصرة ـ العقبة"، الذي يجري التخطيط لتوسعته، من أجل إضافة منفذ جديد للصادرات النفطية العراقية إلى شمال أفريقيا من خلال مصر.

الممرّ سيكون خياراً أفضل للتصدير باتجاه أوروبا وأفريقيا، وهو ما يتوافق مع التوجه العراقي لزيادة حجم صادرات النفط العراقي نحو القارّة الأوروبية

وحول أهمّ الأبعاد المرتبطة بالمشروع، تحدّث الباحث في الاقتصاد السياسي، المختص في شؤون الطاقة علي الحازمي لـ "حفريات": "يمكن رؤية المشروع من (3) زوايا: زاوية اقتصادية، وزاوية سياسية، وزاوية أمنية؛ في الزاوية الاقتصادية أرى أنّه مشروع مجدٍ؛ فالعراق يحتاج إلى منافذ لتصدير النفط، منافذ أخرى غير التي يعمل عليها الآن؛ نتحدث عن المنفذ التركي، والخليج العربي، بالنسبة إلى المنفذ التركي هو نوعاً ما خط قديم، يحتاج إلى إعادة صيانة من جديد حتى يستوعب ضخّ أكبر ممّا هو عليه الآن. وفيما يخصّ الخليج العربي ففي الحقيقة هناك تهديدات أمنية تهدد الكثير من ناقلات النفط هناك عبر المسار الذي يمرّ من مضيق هرمز ثمّ إلى خليج عُمان، ونتذكر الأوضاع الأمنية التي حدثت خلال الأعوام الأخيرة في هذا المنفذ، والتي ربما كان لها تأثير على صادرات بعض الدول النفطية، لذلك، ومن هذا المُنطلق، أرى أنّ وجود منفذ جديد على سواحل البحر الأحمر، ولاحقاً ربما يمتدّ مستقبلاً ليصل إلى البحر الأبيض المتوسط، وعلى الرغم من الكلفة المرتفعة للأنبوب، إلّا أنّه يعزز من صادرات العراق مستقبلاً؛ فالعراق الآن لا يُنتج بكامل طاقته النفطية، وربّما أحد الأسباب هو عدم وجود منافذ كافية للتصدير، لذلك أرى أنّه سيعطي العراق بُعداً آخر وإمكانيات أخرى، ليصل حجم صادرات النفط حسب ما هو مخطط له، حسب الحكومة العراقية، في العام 2026 إلى (7) ملايين برميل في اليوم".

اقرأ أيضاً: أسعار النفط ترتفع لأعلى مستوى في 7 أعوام... ما الأسباب؟

أمّا البعد السياسي، فيوضحه الحازمي: "أرى أنّ العراق والأردن حليفان استراتيجيان مهمّان، وهذا الأنبوب يعزّز هذا التحالف، وذلك امتداداً إلى جمهورية مصر، وسيكون له دور كبير في خلق شراكات مستقبلية؛ لأنّ مدّ أنبوب من البصرة إلى العقبة هو ليس أنبوب نفط فقط، ولكن سيتبعه مشاريع أخرى تتبعه، من خدمات لوجستية، وربما أيضاً مصفاة. لذلك أرى أنّه يعزز العلاقة ما بين العراق والأردن، ويزيد من التجارة البينية فيما بينهما، فيما يخصّ القطاع النفطي، وربما مستقبلاً القطاع البتروكيماوي".

من القمة: الأردنية ـ المصرية ـ العراقية، التي انعقدت ببغداد في حزيران (يونيو) 2021

وبالنسبة إلى الجانب الأمني، يقول: "بعض الذين يعارضون هذا الأنبوب الذي يمتدّ لمسافة نحو (1700) كم، يرون أنّه مكلف، والبعض يرى أنّ هناك أموراً أمنية، ويرون أنّه ما زال تنظيم "داعش" ينشط في بعض الأراضي التي يمرّ بها الأنبوب؛ ممّا قد يشكّل خطراً أمنياً، ولكن أعتقد أنّ هذه الأمور قد وُضعت في الحسبان، وأنّ الحكومتين الأردنية والعراقية قادرتان على حماية هذا الأنبوب مستقبلاً، وقادرتان على ضمان أن تكون الإمدادات مستمرة ومتدفقة بشكل انسيابي، لذلك لا أرى أنّ هناك دواعي أمنية تستوجب الخوف، وفي الحقيقة فإنّ المكتسبات وما سيحصل اقتصادياً عليه العراق والأردن اقتصادياً هو أكبر وأهمّ من المخاوف. في المجمل أرى أنّ الأنبوب ليس فقط له أهمية اقتصادية، وإنّما له بُعد استراتيجي يتمثل في خلق شراكات استراتيجية مستقبلاً، بحيث يخلق علاقات بين الدول المتجاورة، وربما تصل صادرات النفط مستقبلاً إلى دول أوروبا مروراً بالبحر الأحمر ووصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط عن طريق مصر. فضلاً عن ذلك، هناك مشروع للربط الكهربائي، ربما هذا الأنبوب سيسرّع ويعزز من عملية الربط بين الدول الـ3".

المشروع لا يقف فقط عند حدود الربط بين منشآت النفط في العراق وميناء العقبة الأردني، بل هو يشمل كذلك مقترحاً للوصول إلى مصر

ويختم الحازمي: "في المجمل أرى أنّ هذا المشروع سيكون مجدياً اقتصادياً بالنسبة إلى الدول الـ3، وسيكون له عوائد مالية وأمنية واستراتيجية مستقبلاً لكلّ الدول التي سيصل إليها هذا الأنبوب، أو ستصل إليها منافع هذا التصدير مستقبلاً".

علي الحازمي: وجود منفذ جديد على سواحل البحر الأحمر يعزّز من صادرات العراق مستقبلاً

بعد أعوام من الحروب والصراعات في المنطقة، باتت القناعة تتعزّز لدى الدول بضرورة بلورة رؤية جديدة للمنطقة، بحيث يكون أساسها الاتجاه نحو تعزيز مستويات التعاون المشترك والاعتماد المتبادل. وقد تكون مثل هذه المشروعات نواة البداية الجديدة في شراكة اقتصادية إقليمية، تُسْهِم في تفعيل مشاريع التعاون العربي من جديد، وذلك إلى جانب مشاريع أخرى جرى إطلاقها وتفعيلها مؤخراً، كمشروع خط نقل الغاز من مصر إلى لبنان عبر الأردن وسوريا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية