أنقرة لا تقوم بما يكفي لإصلاح علاقاتها

أنقرة لا تقوم بما يكفي لإصلاح علاقاتها


16/03/2021

عمر علي البدوي

لا تكف أنقرة عن توجيه رسائل التودد إلى عواصم عربية لإصلاح العلاقات، وبدء ما وصفه المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن بـ”صفحة جديدة” بعد جولة خاسرة من العداء والسياسات المناهضة للأمن القومي العربي استغرقت عقداً كاملاً، وشهدت الكثير من المواقف العدائية الصريحة لتكتشف أنقرة أخيراً أن تحركاتها لم تجدِ نفعاً، ولم تصب في صالح الأحلام الجنونية التي حركتها وغذت سلوكها السلبي في المنطقة.

هل يعني ذلك تحميل أنقرة المسؤولية الكاملة عمّا آل إليه مستوى علاقاتها من صفر مشكلات مع الجيران إلى قائمة من الورطات في بؤر جغرافية مختلفة تربط بينها حالة الفوضى والاضطراب والتوتر، وكانت تركيا تنفذ من خلالها لتحقيق بعض المكاسب والخروج من نفق مشكلاتها واختناقاتها الاقتصادية؟

لم يكن هذا السلوك السلبي من تركيا نتيجة ردة فعل تتخذها تجاه حالة تسيب أمني حتم عليها التحرك لحماية أمنها الجيوسياسي، بل كان نتيجة فكرة غير واقعية بتوسيع نفوذها وتعويض إحجام الحضن الأوروبي عن تمكينها من الانضمام إليه باقتحام الجوار العربي، وإيذاء عواصم مركزية تسبب ثباتها في فشل المشروع التركي مثلما حدث لمشروع جارتها إيران.

ويعطي نموذج اقتحام تركيا للأزمة الخليجية صورة واضحة عن سياسات تدخلها السلبي وشق صف الوحدة الخليجية بعد تبني مواقف فجّة منها. وما أن طويت صفحة الأزمة القطرية حتى عادت رغبة أنقرة لترميم علاقتها مع الخليج وإصلاح ما يمكن إصلاحه منها.

ولعل التلاسن المؤسف بين سفراء إيران وتركيا على تقاسم العراق يكشف جانباً من هذا التنافس الذي تتعرض له المنطقة العربية التي عجزت عن التكتل لمقاومة تناوش عواصمها التاريخية. وحتى عندما عبرت جامعة الدول العربية في اجتماعها على المستوى الوزاري عن إدانتها للتدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية، داعية الجانب التركي إلى “الكفّ عن الأعمال الاستفزازية التي من شأنها تقويض بناء الثقة وتهديد أمن واستقرار المنطقة”، تحفظت أربع دول هي قطر وليبيا والصومال وجيبوتي.

كتب الخبير الإيراني – الأميركي في شؤون الشرق الأوسط ولي نصر مقالاً في “فورين بوليسي” يفضح الفكرة المركزية التي تتصرف على أساسها كل من أنقرة وطهران، وهي إضعاف المكون العربي في المنطقة وإنهاك العواصم المتمسكة برفض الاختراقات الإقليمية وتقويض المشاريع التوسعية، وعلى رأسها الرياض والقاهرة، وهو ما يفسر في جزء منه حالة العداء التي أبدتها إيران وتركيا إلى هذين البلدين العربيين خلال العقد الماضي.

ويبدو أن نخبة تعيش في الولايات المتحدة ذات أصول فارسية على الأغلب تحضّ واشنطن على دعم هذا التصور الذي يلغي اللحظة العربية بعد تراجعها وخفوتها حسب ولي نصر. وستكون ولاية الرئيس الديمقراطي جو بايدن فترة مناسبة لهذا الطرح الذي يحمل تصوراً مشوهاً عن المنطقة ويدفع للخروج منها بأفضل صفقة مربحة.

هل تتصرف تركيا بدافع نزيه يهدف إلى إصلاح علاقاتها مع الدول العربية، أم أن الأمر مجرد مناورة من رجب طيب أردوغان بعد أن انضم بايدن إلى قائمة التحديات التي يواجهها عازما على إزاحة من وصفه بالـ”المستبد”؟

اشتكى زعيم حزب المستقبل التركي أحمد داود أوغلو من تأثير علاقات أردوغان الشخصية في طريقة تنفيذ السياسة الخارجية وفق تصريحات لصحيفة “كاثي يريني” اليونانية، وأن جهوده المبذولة لخلق مناخ سياسي من الحرية فشلت، فاضطر للخروج من سيطرة أردوغان.

لقد انهارت نظرية “صفر مشاكل مع الجيران”، ووجدت تركيا نفسها اليوم في صراع مع الجميع، وما دار في البرلمان التركي الذي عقد جلسة عمومية طارئة بدعوة من حزب الشعب الجمهوري المعارض لمناقشة تبعات المقاطعة الشعبية السعودية للبضائع التركية يؤكد هذا الانهيار.

وشدد الحزب المعارض في مذكرة قدمها للبرلمان على أن “الأمر وصل إلى مرحلة لا يمكن تحملها” وذلك نتيجة لمعاناة الأتراك والشركات التركية المصدرة للمنسوجات والمواد الغذائية وغيرها من المنتجات.

تتخذ الدول العربية المركزية منها خصوصا سياسة عادلة تتمثل في إتاحة فرص متساوية لكل اللاعبين لخوض سياساتهم والعمل على تحقيق مصالحهم ضمن مجالهم الحيوي والجغرافي بالتعاون المتبادل، دون أن يمسّ ذلك باستقرارها، أو يعرقل حظوظها في التنمية والسيادة الوطنية، أو يسمح بالترويج لسردية أيديولوجية والانضواء تحت أجندة شعارات موتورة تتسبب في تفتيت النسيج المحلي للدول العربية.

لا تبدو تركيا مؤهلة حتى الآن لإجراء تغيير حقيقي ورفع العراقيل دون تحقيق علاقة مثمرة ومريحة مع جيرانها العرب. وقد أتيحت فرص للتعاون وللحوار انتهت دائماً بالفشل بسبب ما تتبناه تركيا وإيران من إستراتيجيات تتخذها قاعدة للانطلاق ومرجعاً لتوجيه السياسات العامة.

ولعل الخارطة الافتراضية عن نفوذ تركيا بحلول عام 2050 التي عرضتها قناة تلفزيونية تركية خاصة موالية للحزب الحاكم تكشف ما تضمره تركيبة الحكم في أنقرة.

أظهرت الخارطة ما أسمته مناطق النفوذ التركي بحلول عام 2050 من كازاخستان وتركمانستان شرقا مرورا بالسعودية ومصر وحتى ليبيا غرباً.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية