أوكرانيا "تعاقب" إيران بسبب تحالفها الاستراتيجي مع روسيا

أوكرانيا "تعاقب" إيران بسبب تحالفها الاستراتيجي مع روسيا

أوكرانيا "تعاقب" إيران بسبب تحالفها الاستراتيجي مع روسيا


04/06/2023

في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، ومواصلة الهجمات الروسية بالطائرات المسيّرة على كييف، فإنّ العلاقات بين موسكو وطهران تتخذ منحى استراتيجياً وتبعث بمخاطر جمّة، وتداعيات سياسية مختلفة، خاصة مع انخراط المسيّرات الإيرانية في هذا الصراع المحتدم. ووفق مدير مكتب الرئيس الأوكراني، أندريه يرماك، فإنّ فولوديمير زيلينسكي، قدم مشروع قانون للبرلمان في كييف لفرض عقوبات على إيران لمدة 50 عاماً، فضلاً عن منع الأخيرة من استغلال المجال الجوي لنقل البضائع الإيرانية، وتجميد التعاون التجاري بين البلدين.

وقال زيلينسكي، إنّه قام بفرض عقوبات على نحو 220 شركة و51 فرداً، غالبيتهم من المواطنين الروس. وتابع: "سنواصل إجراءاتنا الخاصة بالعقوبات، ويجري التخطيط لحزم عقوبات جديدة على نطاق أوسع".

تحالف استراتيجي بين موسكو وطهران

تزامن إعلان الرئيس الأوكراني فرض عقوبات تصل لنصف قرن على إيران، بعدما تم شنّ هجمات عنيفة من قبل روسيا بالطائرات المسيرة على كييف، والتي ذكر الجيش الأوكراني أنّها مسيّرات إيرانية من نوعية "شاهد". بيد أنّ أنظمة الدفاع الجوية الأوكرانية نجحت في تدمير "52 طائرة مسيرة من أصل 54 تم إطلاقها ضد أوكرانيا. كما جرى الهجوم  بأكثر من 40 طائرة مسيّرة على كييف".

وتأتي هذه العقوبات، التي تشرع أوكرانيا في تنفيذها ضد إيران، وفرض مجموعة قيود على الأخيرة، مع الإعلان عن مشروع تعاون اقتصادي وتجاري بين إيران وروسيا. فمن المرجح تدشين اتفاقية منطقة التجارة الحرة بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وإيران، كما أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي، أليكسي أوفيرتشوك.

ديمتري بريجع: روسيا وإيران تشتركان في وجهات نظر مماثلة

ونقلت وكالة الأنباء الروسية عن نائب الرئيس الوزراء الروسية قوله: "نتطلع إلى أن يتم توقيع اتفاقية منطقة التجارة الحرة بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وجمهورية إيران الإسلامية قبل نهاية العام الحالي. ستكون هذه الاتفاقية وثيقة شاملة تحل محل الاتفاقية المؤقتة التي تم إبرامها حالياً والتي تهدف إلى إنشاء منطقة التجارة الحرة".

العلاقات بين موسكو وطهران تتخذ منحى استراتيجيا وتبعث بمخاطر جمّة، وتداعيات سياسية مختلفة، خاصة مع انخراط المسيّرات الإيرانية في هذا الصراع المحتدم

وفي حديثه لـ"حفريات" يقول الباحث في جامعة الصداقة بين الشعوب في روسيا، ديمتري بريجع، إنّ روسيا وإيران لديهما علاقات قوية تطورت على مر السنين، ويبدو أنّها تتجه نحو "تحالف استراتيجي" في الفترة الأخيرة. ويردف: "يتسم هذا التحالف بتعاون شامل في مختلف المجالات بما في ذلك الشؤون السياسية والاقتصادية والعسكرية. فيما ترى روسيا وإيران مصالح مشتركة بينهما في مجالات مثل الحفاظ على النظام الدولي المتعدد الأطراف، وتعزيز تأثيرهما الإقليمي، ومواجهة التدخلات الخارجية، وتعزيز قدراتهما الدفاعية".

هل تدعم موسكو طهران في مشروعها النووي؟

وبسؤال بريجع عن تأثير هذا المستوى المتطور من العلاقات بين طهران وموسكو على الملف النووي الإيراني، يجيب: "فيما يتعلق بالتدخل الروسي لخدمة إيران في تطوير ملفاتها النووية، فإنّ الأمر صعب التنبؤ به بدقة. روسيا تعتبر إيران شريكاً استراتيجياً مهماً في المنطقة، ولكنها أيضاً ملتزمة بالقوانين والاتفاقيات الدولية، بما في ذلك الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في عام 2015. إذا تم تطوير الملف النووي الإيراني بما ينتهك هذا الاتفاق، فمن المحتمل أن تواجه إيران ضغوطاً دولية من قبل العديد من الدول بما في ذلك روسيا. إذا قامت موسكو بالتدخل، فمن المرجح أنّها ستسعى لحل النزاع عبر الوساطة والدبلوماسية، بدلاً من تقديم دعم مباشر لإيران".

وحول تداعيات التحالف الإيراني الروسي على الحرب في أوكرانيا، يؤكد الباحث الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب في روسيا، أنّ "روسيا وإيران تشتركان في وجهات نظر مماثلة بشأن العديد من القضايا الإقليمية والدولية، ولعبت إيران في الماضي دوراً نشطاً مع روسيا في الأزمة الأوكرانية، حيث قدمت الدعم العسكري والسياسي للانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا. قد يكون للتحالف الإيراني الروسي تأثيرات متعددة في الصراع. فمن الممكن أنّ تدعم روسيا وإيران بعضهما البعض على المستوى السياسي والدبلوماسي، وربما تزود إيران ببعض التكنولوجيا العسكرية من روسيا".

الباحث في جامعة الصداقة بين الشعوب في روسيا، ديمتري بريجع لـ"حفريات": لدى روسيا وإيران علاقات قوية تطورت على مر السنين، ويبدو أنّها تتجه نحو تحالف استراتيجي

بالنسبة لموقف أوروبا والولايات المتحدة، فإنّهما "تعارضان بشكل عام السياسات الإقليمية العدوانية والتدخلية لروسيا وإيران". كما قد يتسبب التحالف الإيراني الروسي في تعقيد الوضع الإقليمي وزيادة حدة التوترات في مناطق مثل الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية. بالتالي، قد يتعين على الدول الأوروبية والولايات المتحدة إتخاذ إجراءات إضافية للتصدي للتهديدات المحتملة والحفاظ على استقرار المنطقة، حسبما يقول بريجع.

ومع ذلك، يجب توضيح أنّه من الصعب تحديد تأثير هذا التحالف بدقة، حيث تتأثر "الديناميات الإقليمية" بعوامل عديدة ومتشابكة. ويتعين متابعة جميع التطورات الجديدة على الساحة الدولية والإقليمية، وكذا التوجهات السياسية لروسيا وإيران لتقييم تأثير التحالف الإيراني الروسي في المستقبل، وفق المصدر ذاته.

سياسة حافة الهاوية

الغموض حول مدى انفتاح روسيا (في تحالفها مع إيران) على مجالات تسليحية وعسكرية ونووية، قد يبدو صعب التنبؤ به كما يقول المصدر الروسي، لكن آنا بورشفسكايا وهي زميلة "آيرا وينر" في معهد واشنطن، ومختصة بسياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط، تقول إنّه "لن تنفصل روسيا عن إيران - سواء في سوريا أو في أي مكان آخر. ومن جهته، سيستمر بوتين في الاعتماد على الانقسام الطويل الأمد في الغرب، الذي لم يعرف قادته حرباً على الأراضي الأوروبية بالحجم والضخامة التي تشهدها أوكرانيا اليوم. وما كان ينبغي لأحد أن يتفاجأ من مهاجمة القوات الروسية لميناء أوديسا بعد يوم واحد فقط من توقيع موسكو اتفاقاً كان من المفترض أن يرفع الحصار الروسي على البحر الأسود، ويخفف من أزمة الغذاء في العالم. فهكذا تخوض روسيا الحرب".

روسيا وإيران تشتركان في وجهات نظر مماثلة بشأن العديد من القضايا الإقليمية والدولية

وفي غضون ذلك، يتقدّم برنامج طهران النووي بسرعة، وفقاً لرئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي. ويقول كمال خرازي، مستشار خامنئي في السياسة الخارجية، إنّ إيران أصبحت الآن بلداً بلغ العتبة النووية. فيما يواصل القادة الغربيون طوال الوقت الاعتماد على روسيا في المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، على الرغم من غزو بوتين لأوكرانيا، حسبما توضح بورشفسكايا.

وتضيف: "حين يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، يؤدي التغاضي عن روسيا وإيران باعتبارهما جهتين فاعلتين ضعيفتين إلى السماح للبلدين باتخاذ مبادرة استراتيجية في بعض الأماكن مثل سوريا. ومعاً، لا يزال بإمكانهما عرقلة المصالح الغربية وتهديد الأمن الإقليمي. وتشكل روسيا وإيران، أكثر من السابق، جزأين لا يتجزآن من المجموعة الاستراتيجية نفسها".

يتفق والرأي ذاته، الباحث المتخصص في العلوم السياسية، الدكتور عبد السلام القصاص، والذي يرى أنّ التعاون الروسي الإيراني يكشف عن دوافع استراتيجية عديدة، وينطلق من هذه الدوافع لمواجهة عدو أو بالأحرى خصم سياسي يتمثل في الولايات المتحدة وحلفائه الغربيين، خاصة مع العقوبات العنيفة التي تؤدي إلى أزمات اقتصادية وعزلة دبلوماسية.

ورغم أنّ حدود هذا التعاون لا يمكن تحديدها بدقة أو توضيح آفاقها، إلا أنّ الأكيد هو التشابك في المجال الاقتصادي والتجاري، فضلاً عن المساعدات في ما يخص السلاح والمسيرات. ويبقى الملف النووي والاستفادة من العلماء الروس في تطوير المشروع النووي من بين الأمور "الشائكة والعبور لها يعني سياسة حافة الهاوية"، وفق ما يقول القصاص لـ"حفريات".

ويمضي القصاص في القول: "بات من المعروف أنّ هناك دوراً إيرانياً مباشراً في الحرب الأوكرانية، حيث يتم نقل المسيّرات الإيرانية عبر بحر قزوين، رغم محاولات التعتيم من روسيا وإيران".

مواضيع ذات صلة:

هل أردوغان مصلحة للغرب؟.. ما علاقة أوكرانيا؟

باحثون لـ"حفريات": لن تستعيد أوكرانيا أراضيها ولن يتقدم الروس أكثر

يوميات حرب الجليد: الوضع الميداني الراهن على جبهات القتال في أوكرانيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية