أين تقف أفريقيا من الحرب الأوكرانية؟

أين تقف أفريقيا من الحرب الأوكرانية؟


07/03/2022

منى عبدالفتاح

قبل التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، كانت قد ثارت تكهنات باحتمال قيام حرب باردة بين الشرق والغرب مستعيدة تاريخ اتكاء النظام العالمي على الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والتجاذب بين القطبين. وبعد اندلاع الحرب الأوكرانية، انقسم العالم إلى غالبية بقيادة دول حلف "الناتو" مدافعة عن أوكرانيا، وأقلية مؤيدة لروسيا، وكان في القارة الأفريقية من هو ضمن القلة، ولم تخلُ دول القارة من انقسامات طفيفة غير مرئية. وعلى الرغم من اتجاه روسيا نحو أفريقيا، فإن تأثيرها ظل محدوداً ومصنفاً في التعاون السياسي والعسكري والأمني، بينما تحتاج القارة إلى التعاون في الجانب الاقتصادي وإدارة مواردها الكثيفة. وقد مثل مجال التركيز الروسي في التعاون العسكري جدلاً كبيراً من الغرب.

ولأن الدول الأفريقية جربت الاستعمار، يقف معظمها إلى جانب روسيا التي تصفها بالدولة غير الاستعمارية. ويفسر ترحيب الدول الأفريقية بالدول غير الاستعمارية سر علاقتها الوثيقة مع روسيا والصين. فقد نجحت القوتان الدوليتان في استغلال مشاعر شعوب القارة المناهضة للاستعمار للاستفادة من ذلك سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً، إضافة إلى التصريحات والممارسات العنصرية التي تصدر بين حين وآخر في بعض الدول الأوروبية تجاه اللاجئين الأفارقة والمقارنة بينهم وبين اللاجئين الأوكرانيين. وهذا، ربما يحفز بعض أفريقيا على اتخاذ موقف ضد أوكرانيا. هناك أيضاً ما ينعكس من العقل الباطن الأفريقي مع كل ما هو ضد الغرب.

وعلى الرغم من ذلك، تحضر في هذا المجال الازدواجية النابعة من كون أوكرانيا دولة مستضعفة، في حين تعيش روسيا على ذكرى الاتحاد السوفياتي، وتتعامل مع العالم على أساسه. فحرص روسيا على إقامة علاقات وطيدة مع دول القارة نابع من أن الدول الأفريقية تشكل الكتلة التصويتية الجغرافية الأكبر في المنظمات الدولية، خصوصاً مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي والجيوسياسي المهم.

أسس جديدة

بدأت القيصرية الروسية التوجه التوسعي نحو أفريقيا منذ القرن الثامن عشر محققة طموح القيصر الخامس، بيوتر ألكسييفيتش رومانوف، في تحويل بلاده إلى إمبراطورية إلى جانب الإمبراطورية العثمانية التي عرقلت توسعها جنوباً. وعليه، استمر التعاون الاقتصادي والدبلوماسي على رأس العلاقات التي انتعشت في الستينيات من القرن العشرين مع تكون قطبيين دوليين أحدهما اعتمد على الأيديولوجية الشيوعية والآخر على الرأسمالية الليبرالية. وفي الثمانينيات، تميزت مواقف الاتحاد السوفياتي تجاه الدول الأفريقية بالثبات، على الرغم من اتخاذ بعض دول القارة مواقف ضمن "حركة عدم الانحياز". وهنا، استغلت الولايات المتحدة الفرصة وشجعت هذه الدول على "حركة عدم الانحياز" ثم استقطبت عدداً منها بوسائل الدعم الاقتصادي والعسكري. وهو ما أسهم فيما بعد في تأرجح دول القارة بين القطبين الدوليين سياسياً واقتصادياً.

وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أعادت هذه الدول صوغ علاقاتها مع روسيا على أسس جديدة غير متجاهلة الماضي. ثم عادت روسيا إلى المنافسة الإقليمية، ووجدت لاعبين جدداً مثل الصين. وعلى الرغم من ذلك فإن عودتها لم تكن بالزخم السوفياتي في الستينيات. بيد أنها حافظت على توطيد العلاقات مستفيدة من بحث أفريقيا عن شركاء جدد. ولكن منذ وصول فلاديمير بوتين إلى الرئاسة، خلفاً لبوريس يلتسن، لم يُخفَ نقده انهيار الاتحاد السوفياتي، وبدا طموحه في استعادته واضحاً، وقد فسر الغرب تحركاته بأنها إمعان في توسيع نفوذه. ما زاد من حدة التوتر بينه وبين الغرب عموماً.

إعادة التقارب

الدول الأفريقية ليست على قلب رجل واحد، ومع أنه يراود بعضها ولاؤها القديم للاتحاد السوفياتي، فإن الغالبية ستكون مع موسكو بناء على المعرفة التاريخية بالاتحاد السوفياتي عندما كانت أوكرانيا جزءاً منه، وأقلية مع أوكرانيا لاعتبارات المصالح مع الغرب. وانحياز الدول إلى روسيا ليس أيديولوجياً كما كان سابقاً، وإنما هو عاطفي مبني على العداء للغرب وممارساته في أفريقيا. إضافة إلى أن تأييد أوكرانيا قد يؤسس لواقع انفصالي تتهرب منه معظم الدول الأفريقية. أما الدول التي تقف مع أوكرانيا فتحكمها مصالحها التي ربما تكون مؤقتة أكثر من حرصها على علاقاتها مع الغرب.

ونجد أن هناك أسباباً استراتيجية لإعادة التقارب مع روسيا، وهي أولاً تلاشي كثير من الآمال بالوقوف مع المستعمرين السابقين نسبة للانقسامات في الغرب نفسه بخروج فرنسا التدريجي من مستعمراتها السابقة التي كانت تدعمها عسكرياً وتتعاون معها في مكافحة الإرهاب وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وثانياً، تركيز الدول الأوروبية على قضايا الهجرة والأمن ومكافحة الإرهاب العابر للحدود الأفريقية من غير أن تُسهم الدول الأوروبية في حل المشاكل الداخلية للقارة.

وثالثاً، يفضل الأفارقة علاقاتهم مع روسيا على خلق علاقات مع أوكرانيا المدعومة من الغرب باعتبار أن قوتها غير أصيلة. وأكدت الحرب الأوكرانية عدم جدوى الدعم الغربي لها، على الرغم من الإعلام القوي بوقوفه معها.

بين قطبين

كانت روسيا تراقب عن كثب ولمدة طويلة الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، لاستعادة النظام الدولي القائم على قطبين، تحل فيه بكين محل الاتحاد السوفياتي، وبدلاً من أن يكون صراع روسيا مع الصين لمنع تكون قطبين، تواصل تحديها النظام الدولي وصراعها مع عدوها اللدود الولايات المتحدة وتحاول إزاحة فرنسا وبريطانيا أيضاً من حضورهما في القارة. هذا الوضع من شأنه أن يساعدها على إعادة هندسة نظام دولي جديد قائم على قطبين حليفين من خلال وجودها إلى جانب الصين بدلاً من قطبين متنافرين في مواجهة الولايات المتحدة.

ولتحقيق هذا الهدف تحركت روسيا في المناطق الاستراتيجية، ومن ضمنها تمكنت من تثبيت دورها كفاعل دولي مهم في أفريقيا خلال العقد الماضي بتأسيس شبكة من العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية من خلال التعاون الاقتصادي وتصدير الأسلحة والطاقة والغاز والمشاركة في عمليات حفظ السلام ومكافحة الإرهاب والتدريب العسكري والوقوف إلى جانب الدول الأفريقية في الأمم المتحدة بمواجهة القرارات الغربية باستخدام الفيتو في مجلس الأمن. وكان اللافت هو زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى عدد من الدول الأفريقية عام 2018، وهي "أنغولا، وموزمبيق، وزيمبابوي، وناميبيا، وإثيوبيا". وتزامنت تلك الزيارة مع زيارة وزير الخارجية الأميركي الأسبق ريكس تيلرسون. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2019، عُقدت القمة الأفريقية- الروسية في سوتشي، وشهدت توقيع عشرات الاتفاقيات. وصوبت هذه التحركات نحو هدف مشترك هو "الأهمية الاستراتيجية للدول الأفريقية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والخلاف بين روسيا والولايات المتحدة فيه". وتعمل روسيا على هذا الهدف من خلال وجودها كقوة دولية مكونة من الاتحاد الروسي وليس كدولة واحدة.

أما أمنياً فقد انتشرت قوات "فاغنر" في عدد من دول القارة وعلى الرغم من إنكار الكرملين علاقته بها، فإنها تنشط في عدد من الدول الأفريقية منها أفريقيا الوسطى والسودان وليبيا وموزمبيق وغيرها. واتُهمت روسيا بأنها أسهمت من خلال هذه القوات في تفاقم الصراعات في أفريقيا بتنشيط تجارة الأسلحة والتدريب للمجموعات المسلحة التابعة للحكومات في المنطقة، مما قوض الحكم الديمقراطي، وربما أسهم في الانقلابات المتكررة.

ساحة تنافس

تمثل روسيا بالنسبة لأفريقيا الحليف الذي يتصدى للغرب، وهو هدف سياسي تضعه الدول الأفريقية في الاعتبار بشكل موازٍ لتحالفها مع الصين التي تعتمد على التعاون الاقتصادي ولا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية عملاً بمبادئ باندونغ 1955، بينما تقل الشراكة الاقتصادية الروسية مع أفريقيا مقارنة بالصين.

عليه، حاولت القمة الروسية- الأفريقية في سوتشي تدارك التعاون الاقتصادي العسكري فوقعت اتفاقيات ذات صبغة سياسية اقتصادية، ويتوقع إذا انسحبت الولايات المتحدة من أفريقيا جزئياً فإن القارة ستكون ساحة للتنافس الصيني الروسي، خصوصاً في تجارة الأسلحة والتعاون العسكري.

قد تُضطر الدول الأفريقية إلى الانقسام بين روسيا وأوكرانيا، أو إذا طال أمد الحرب ربما تتنقل بين الدولتين تبعاً لمصالحها، إذ إنه لن تتمكن من الاستغناء تماماً عن الغرب، متجسداً في "الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا"، على الرغم من انصرافه الحالي عنها.

هناك أيضاً المنافسة الدولية على موارد القارة الأفريقية التي يمكن أن تؤدي إلى صراعات طويلة وشائكة، وما يثبت أن موقف الدول الأفريقية سياسي أكثر مما هو اقتصادي هو إدراكها ما قد تفعله العقوبات بروسيا من عرقلة تعاونها الخارجي.

كذلك نجد أنه على الرغم من أن روسيا قد دعمت من قبل الدول الأفريقية وعطلت كثيراً من القرارات في مجلس الأمن في ما يتعلق بحقوق الإنسان وحرية التعبير والديمقراطية، إلا أنها بعد تسليط الأضواء وفرض مزيد من العقوبات عليها لن تكون في وضع دفاع عن الدول الأفريقية.

عن "اندبندنت عربية"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية