أين وصلت الإمارات في مكافحة غسل الأموال؟.. دراسة جديدة تجيب

أين وصلت الإمارات في مكافحة غسل الأموال؟.. دراسة جديدة تجيب

أين وصلت الإمارات في مكافحة غسل الأموال؟.. دراسة جديدة تجيب


15/12/2022

تناول مركز "تريندز للبحوث والدراسات"، في دراسة جديدة صادرة عنه، جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في مواجهة جريمة غسيل الأموال التي تعصف بمعظم دول العالم، بعد التمهيد لمفهوم هذه الجريمة ونشأتها وتداعياتها الاقتصادية المحلية والدولية وخارطتها العالمية.

واستعرض المركز في دراسته التي جاءت بعنوان "التداعيات الاقتصادية لجريمة غسل الأموال وجهود مواجهتها.. الإمارات نموذجاً"، أبرز جهود دولة الإمارات في هذا الشأن، عبر تقييم أداء الاقتصاد الإماراتي من قبل مجموعة العمل المالي (FATF) لتنطلق منها في هذا السياق.

وقدّمت الدراسة قراءة متعمقة لجهود الاقتصاد الإماراتي في مكافحة هذه الجريمة الاقتصادية، تبرز أهمية التنسيق بين الجهود المحلية والجهود الدولية لمكافحة أنشطة غسل الأموال.

وأضافت الدراسة أنّ نقطة الارتكاز التي تنطلق منها الجهود الحثيثة للاقتصاد الإماراتي لمكافحة جريمة غسل الأموال تتمثل في دعم المكانة الرائدة التي يحتلها في النظام الاقتصادي الدولي الراهن، لافتاً إلى الارتقاء المستمر بمؤشرات الأداء المؤسسي، ومراعاة المتطلبات والتوصيات الدولية التي تستهدف مكافحة الجرائم الاقتصادية، وتطوير الأنظمة والتشريعات والقوانين الوطنية، وكلها تفيد في المحافظة على هذه الريادة الدولية.

واستعرض المركز في دراسته ملامح الجهود الإماراتية في محاصرة هذه الجريمة من خلال العمل على محاور تخطيطية وتنظيمية متعددة: وهي المستهدفات الوطنية، وتطوير الإطار التنظيمي، بالإضافة إلى تطوير الاستراتيجية الوطنية.

وذكرت الدراسة أنّ الخطوة الأولى التي سار فيها الاقتصاد الإماراتي مستهدفاً ترقية مؤشراته الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب كانت رسم خارطة طريق واستراتيجية واضحة المعالم للأعوام الـ (10) 2020-2030، مشيراً إلى الاستراتيجية الإماراتية التي انطوت على عدة عناصر لتطوير السياسات الوطنية، استهدفت هذه الاستراتيجية العمل على الفهم العميق للمخاطر المولَّدة من جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتحديث المستمر للإطار القانوني بما يواكب المستجدات في بيئة الاقتصاد الدولي.

وأضاف الدراسة أنّ ضمن الأهداف الرئيسية لهذه الاستراتيجية، إعطاء دفعة قوية لإنفاذ القانون، وتطوير القدرات الاستخباراتية في المجال المالي، وتعزيز التدابير المانعة لهذه الجريمة والزاجرة لمرتكبيها، وارتكزت الاستراتيجية على تعزيز الدور الإشرافي على الأنشطة المالية، ولا سيّما التحويلات المالية الدولية، مع تطوير عمليات الرصد للمعاملات المالية المشبوهة والتنفيذ الآني والفعال للعقوبات المالية المستهدفة، والاستمرار في دعم التعاون الإماراتي مع الجهات الدولية ذات الصلة.

نقطة الارتكاز التي تنطلق منها جهود الاقتصاد الإماراتي لمكافحة غسل الأموال تتمثل في دعم المكانة الرائدة التي يحتلها في النظام الاقتصادي الدولي

 

وأوضحت أنّه لوضع الاستراتيجية السابقة موضع التنفيذ، وفيما يخص المحور التنظيمي لمكافحة جريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في الاقتصاد الإماراتي، فقد تأسس المكتب التنفيذي لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في عام 2021 بمرسوم من مجلس الوزراء الإماراتي. وكان منوطاً بهذا المكتب تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب 2020-2030 ورسم خارطة طريق لخطة العمل الوطنية.

وأثارت الدراسة تساؤلاً منطقياً حول علاقة الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الإماراتي لمكافحة جريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالمكانة التي احتلها في مؤشر بازل لمكافحة غسل الأموال. والواقع أنّ حصول الاقتصاد الإماراتي على درجة مخاطرة تبلغ (5.07) درجة في آخر التقديرات التي أجريت لهذا المؤشر قد مثّل حافزاً إضافياً للاستمرار في تطبيق التوصيات التي أقرها التقرير الصادر عن مجموعة العمل المالي FATF ، بالتعاون مع مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENAFATF؛ تلك الحوافز التي تجلّت في تطوير الاستراتيجية الوطنية الإماراتية 2020-2030، والمشار إليها آنفاً؛ إذ مثلت هذه الاستراتيجية خطوة رئيسية ضمن خطوات عديدة قطعها،  وما يزال،  الاقتصاد الإماراتي، وهو في طريقه للوصول إلى مصافّ الاقتصادات الرائدة في مكافحة جريمة غسل الأموال، وفق الخارطة الدولية.

وبيّنت الدراسة أنّه رغم حداثة تطبيق بنود الاستراتيجية الوطنية لمكافحة جريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فإنّ الملاحظ أنّها قد حققت نتائج إيجابية على صُعُد عدة؛ فقد نجح الاقتصاد الإماراتي في الآتي: إجراء تقييم شامل ودقيق للمخاطر القطاعية للسلطات الإشرافية الـ (4) في الاقتصاد الإماراتي، وبما يحدد المستويات المطلوبة والمستهدفة في تطوير دور هذه السلطات في تحقيق الرقابة الفاعلة والمستمرة، ونجح في التوسع بالتعاون والتنسيق وتبادل المعلومات على المستوى الدولي، باعتبار ذلك متطلباً أساسياً لدعم المكانة الدولية للاقتصاد الإماراتي في البيئة الدولية لمكافحة جريمة غسل الأموال.

هذا، إلى جانب الارتقاء برأس المال البشري في الجهات الإشرافية والرقابية على أنشطة غسل الأموال، نوعياً عبر التوسع في أنشطة التدريب على المهارات الرقابية المتقدمة، وكمياً عبر التوسع في توظيف الكوادر الوطنية المؤهلة. وليس أدلّ على ذلك من توسيع وحدة الاستخبارات المالية قوتها العاملة بنسبة 170% منذ العام 2019، وفق ما أوردته الدراسة.

وعزت الدراسة نجاح الإمارات أيضاً في مكافحة غسيل الأموال إلى ترشيد المعاملات المالية عبر البنوك الوطنية، وبما تمخض عنه تحصيل نحو (74) مليون درهم غرامات متعلقة بانتهاكات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب خلال العام 2022، مع زيادة مطردة في عمليات التفتيش والرقابة الإجمالية المخطط لها بنسبة تنفيذ تناهز 70% حتى نهاية الربع الثالث من عام 2022، لينخفض على أثر ذلك العدد الإجمالي لمقدمي خدمة الحوالة المسجلين من (61) إلى (42)، وبالتزامن مع ذلك، تمّ تدعيم العلاقة بين القطاعين العام والخاص في جهود التصدي والمحاصرة لجريمة غسل الأموال داخل الاقتصاد الإماراتي.

الاستراتيجية الإماراتية استهدفت العمل على الفهم العميق للمخاطر المولَّدة من جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتحديث المستمر للإطار القانوني

 

واعتبرت الدراسة أنّ ريادة التكنولوجيا الفائقة التطور ستكون هي مفتاح الاقتصاد الإماراتي للوصول نحو غاياته في مجال مكافحة الجريمة الاقتصادية بكافة صورها، وخصوصاً جريمة غسل الأموال. ولذلك، وباعتبار أنّ الاقتصاد الإماراتي يُعدّ مركزاً مالياً دولياً وإقليمياً رئيسياً، ومركزاً تجارياً يجذب الأنشطة المالية والتجارية لقطاع البنوك الوطنية ولسوق العقارات في دبي ولتجارة الذهب والمعادن النفسية والحوالات الشخصية.

وأورد المركز في دراسته أنّ تحفيز القدرات التكنولوجية للقطاع الخاص الوطني، ودعم التنويع في الهيكل الاقتصادي الإماراتي، هما أيضاً من الركائز شديدة الأهمية، ومن المسرِّعات الفعالة لضبط الأداء المالي الإماراتي مستقبلاً.

وخلصت الدراسة إلى أنّ "الاقتصاد الإماراتي في طريقه ليصير نموذجاً دولياً يُحتذى في مكافحة هذه الجريمة شديدة الوطأة على الاقتصاد العالمي والاقتصادات الوطنية"، مشيرة إلى أنّ الاقتصاد الإماراتي لا تقتصر قدراته الحالية على توليده مجموعة واسعة وشديدة التنوع من الأنشطة الاقتصادية بناتج محلي إجمالي يدور سنوياً حول (400) مليار دولار، ولا على كون هذا الاقتصاد ذا مكانة رائدة في سلاسل الإمداد العالمية للنفط والمعادن النفيسة؛ بل إنّ الموقع الجغرافي الاستراتيجي، وتنوع الأنظمة الاستثمارية المحلية، وعمق وشمول التحول الرقمي في الأنشطة المالية، مع اتساع رقعة الشمول المالي، كلها روافع جعلت الاقتصاد الإماراتي يمتلك مراكز مالية صارت قِبلة إقليمية رائدة. ومن البديهي أن تكون المحافظة على هذه المكانة في ظل احتدام المنافسة الإقليمية والدولية هي أهم الضمانات والمحفزات الوطنية لنجاح الاستراتيجية الإماراتية في مكافحة غسل الأموال ومستهدفاتها بحدود العام 2030.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية