أين يتجه التصعيد العمالي في فرنسا ضد قانون التقاعد؟

أين يتجه التصعيد العمالي في فرنسا ضد قانون "التقاعد"؟

أين يتجه التصعيد العمالي في فرنسا ضد قانون التقاعد؟


26/03/2023

تتجه حركة الاحتجاج الراهنة في فرنسا اعتراضاً على تمرير قانون التقاعد، دون تصويت داخل الجمعية الوطنية (البرلمان)، نحو مزيد من التصعيد الذي يفرض تعقيداً سياسياً واجتماعياً كبيراً، خاصة بعد رفض البرلمان أيضاً مقترحات سحب الثقة من الحكومة التي تقدمت بها المعارضة خلال الأسبوع الماضي، وتأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تنفيذ القانون المثير للجدل قبل نهاية العام الجاري.

وقال ماكرون يوم الجمعة الماضي في بروكسل: إنّه "لن يرضخ للعنف" بعد المواجهات وأعمال الشغب التي تخللت المظاهرات العارمة ضد قانون إصلاح نظام التقاعد، مؤكداً أنّ حكومته "لن تتنازل عن أيّ شيء في مواجهة العنف". من جانبه، أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان أنّه تم الخميس توقيف أكثر من (450) شخصاً وتسجيل إصابة (441) من عناصر الشرطة والدرك خلال أخطر أعمال عنف منذ بداية الحراك في كانون الثاني (يناير) بحسب وكالة "فرانس برس".

تمرير بالقوة

بلغ الغضب ذروته حول القانون المثير للجدل في فرنسا نهاية الأسبوع الماضي، بعد أن لجأت الحكومة الفرنسية لاستخدام نص دستور المادة (49.3)، لتمرير القانون بالقوة، قبل ساعات من انعقاد جلسة البرلمان التي كان يفترض أن تشهد تصويتاً على القرار، الأمر الذي أثار غضب الشارع، وحشدت النقابات العمالية بعده بشكل غير مسبوق للتظاهرات، كما وسعت عدة قطاعات حيوية داخل الدولة في مقدمتها النقل والكهرباء وعمال النظافة، الإضراب، لتشهد باريس ومدن أخرى حالة أشبه بالشلل الكامل.

مزيد من التصعيد الذي يفرض تعقيداً سياسياً واجتماعياً كبيراً

وبالرغم من تصاعد وتيرة الاحتجاج التي تشمل كافة المدن الفرنسية والقطاعات العمالية في الوقت الراهن، إلا أنّ الحكومة لا تبدي حتى الآن أيّ مرونة بشأن التفاوض حول القانون، الذي يرفع سن التقاعد في البلاد من (62) إلى (64) عاماً.

وفي حين يرفض ماكرون وحكومته إجراء مفاوضات مع ممثلي النقابات العمالية، التي تجتمع تحت تكتل واحد للمرة الأولى منذ (12) عاماً، أبدى ماكرون الجمعة موافقة مبدئية على الحوار حول ظروف العمل ورواتب الموظفين، مشيراً إلى أنّ إصلاح نظام التقاعد غير الشعبي والمثير للجدل سيظل قائماً إلى أن يصدر المجلس الدستوري قراراً بشأنه.

باريس تغرق في القمامة

يؤثر الإضراب على كافة القطاعات الحيوية في العاصمة باريس وعدد من المدن الأخرى، ومنذ أيام تسبب إضراب عمال النقل، إضافة إلى الاحتجاجات الغاضبة، في قطع الطرق الرئيسية المؤدية إلى مطار شارل ديجول الدولي، أيضاً تعطلت حركة القطارات والمترو ووسائل النقل العام والمدارس وبعض المرافق الحيوية تأثراً بإضراب عمال الكهرباء.

بالرغم من تصاعد وتيرة الاحتجاج التي تشمل كافة المدن الفرنسية والقطاعات العمالية في الوقت الراهن، إلا أنّ الحكومة لا تبدي حتى الآن أيّ مرونة بشأن التفاوض حول القانون

لكنّ المشكلة الأخطر التي تهدد صحة الفرنسيين بشكل كبير خلال الأيام الماضية تتعلق بانتشار أكوام القمامة التي تكاد تغطي مناطق كاملة في قلب العاصمة، وقد وصلت بحسب آخر إحصاء لبلدية باري إلى (10) آلاف طن.

وحتى اللحظة، لم تنجح جهود السلطات المحلية في حل المشكلة، ففي حين تتكفل البلدية بجمع 50%، من المفترض أن يجمع العمال المضربون الباقي، كما استعانت الحكومة بشركات خاصة لتخفيف الأزمة منذ صباح الإثنين، لكنّها تعمل بشكل بطيء، على حدّ وصف المتابعين.

الملك تشارلز يؤجل زيارته

أعلن قصر الإليزيه يوم الجمعة الماضي، في بيان، إرجاء زيارة الملك تشارلز الثالث إلى فرنسا، التي كانت مقررة  من الأحد حتى الأربعاء، وذلك على خلفية الاحتجاجات التي تعيشها البلاد ضد إصلاح نظام التقاعد.

يؤثر الإضراب على كافة القطاعات الحيوية في العاصمة باريس وعدد من المدن الأخرى

وأضاف البيان، بحسب "فرانس 24"، أنّ القرار "اتُخذ من جانب الحكومتين الفرنسية والبريطانية بعد اتصال هاتفي بين الرئيس والملك"، وذلك "من أجل التمكن من الترحيب بجلالة الملك تشارلز الثالث في ظروف تعكس علاقاتنا الودية". من جهته، قال قصر باكينغهام: إنّ "صاحبي الجلالة يتطلعان لفرصة زيارة فرنسا فور إيجاد موعد لذلك".

تحذيرات من العنف المفرط

تظاهر نحو (3.5) ملايين شخص في أكثر من (300) مدينة في فرنسا الخميس وفق الاتحاد العام للشغل (سي جي تي)، و(1.8) مليون وفق وزارة الداخلية.

إلى ذلك، أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان الجمعة أنّه تم الخميس توقيف أكثر من (450) شخصاً وتسجيل إصابة (441) من عناصر الشرطة والدرك خلال أخطر أعمال عنف منذ بداية الحراك في كانون الثاني (يناير) بحسب "فرانس 24".

تظاهر نحو (3.5) ملايين شخص في أكثر من (300) مدينة في فرنسا الخميس وفق الاتحاد العام للشغل (سي جي تي)، و(1.8) مليون وفق وزارة الداخلية

وأعربت مفوضة حقوق الإنسان في مجلس أوروبا دنيا مياتوفيتش عن قلقها من الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين المحتجين على إصلاح نظام التقاعد.

وقالت في بيان: "وقعت حوادث عنف بعضها استهدف قوات إنفاذ القانون"، وتابعت: "لكنّ أعمال العنف المتفرقة من بعض المتظاهرين أو غيرها من المخالفات التي يرتكبها آخرون أثناء الاحتجاج لا يمكن أن تبرر الاستخدام المفرط للقوة من موظفي الدولة، ولا تحرم المتظاهرين السلميين من التمتع بالحق في حرية التجمع".

ما السيناريوهات المرتقبة؟

تعليقاً على أزمة استمرار الاحتجاجات الغاضبة في البلاد، يقول الصحافي والمحلل السياسي جوان سوز، عضو نقابة الصحافيين الفرنسية المعروفة اختصاراً بـ (SNJ): إنّ الشارع الفرنسي كان يتوقع أن يقدّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعض التنازلات، بالتراجع عن رفع سن التقاعد من (62) إلى (64) عاماً، لكن على العكس من كافة التوقعات، تمسك ماكرون بالقانون، وأصرّ على البدء بتنفيذه قبل نهاية العام الجاري.

 تمسّك ماكرون بتنفيذ القانون قبل نهاية العام أجج حركة الإضرابات

 ويقول سوز لـ "سكاي نيوز": إنّ تمسك الرئيس الفرنسي بالتعديلات على القانون أدى إلى تصعيد موجة الغضب في مختلف مدن البلاد، أبرزها باريس ومارسيليا.  

كما أنّ تمسّك ماكرون بتنفيذ القانون قبل نهاية العام أجج حركة الإضرابات، وقد تجاوزت أطنان القمامة في العاصمة باريس (10) آلاف طن.

 وتشهد عدة طرق رئيسية برية تعطلاً شبه كامل، كما هو الوضع في مارسيليا، وأول من أمس تمّ قطع طريق يؤدي إلى مطار شارل ديجول الدولي نتيجة الإضرابات، بحسب سوز.

 ويصف سوز التظاهرات في البلاد بأنّها عنيفة وفي حالة تزايد مستمر، على عكس توقعات الحكومة التي اعتقدت أنّ حركة الاحتجاج قد هدأت والأعداد قد انخفضت، لذلك مضت بإقرار القانون، على مدار الأسبوع الماضي.

سوز: تصعيد حركة الاحتجاجات والتوسع بالإضرابات قد يجبر الحكومة على تأجيل تنفيذ القانون لما بعد العام الجاري، أو ربما تدخل الحكومة في مناقشات مع النقابات العمالية خلال وقت قريب

ويرى سوز أنّ تصعيد حركة الاحتجاجات والتوسع بالإضرابات قد يجبر الحكومة على تأجيل تنفيذ القانون لما بعد العام الجاري، أو ربما تدخل الحكومة في مناقشات مع النقابات العمالية خلال وقت قريب.

ويشير سوز إلى أنّ الحكومة ترفض حتى اللحظة الدخول في مفاوضات مع النقابات أو ممثلي حركة الاحتجاج، ربما لأنّها تعتقد أنّ الاحتجاجات مماثلة لما حدث في عامي 2018 و2019، فيما عُرف بإضراب "السترات الصفراء".

ولكنّ العدد الهائل للمشاركين، فضلاً عن كمّ المؤسسات التي توقف موظفوها عن العمل، يؤشر إلى أنّ حركة الاحتجاجات الراهنة سوف تستمر ويتم تصعيدها بشكل كبير، ولا يمكن أن تنحل الأمور دون تدخل الحكومة للتفاوض قريباً مع النقابات وممثلين عن المحتجين.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية