أي تداعيات لـ "هجوم جربة" على المشهد التونسي؟

أي تداعيات لـ "هجوم جربة" على المشهد التونسي؟

أي تداعيات لـ "هجوم جربة" على المشهد التونسي؟


11/05/2023

في وقت تراهن فيه السلطات على نجاح الموسم السياحي، الذي تأمل أن يساعدها على تجاوز جزء من أزمتها الاقتصادية الخانقة، أعاد "هجوم جربة" الدموي الجدل حول التداعيات المحتملة على المشهد التونسي الذي لم يهدأ منذ 25 تموز (يوليو) 2021، بجميع مستوياته.

وتوفي أمس الأربعاء شرطي متأثراً بجراحه بعد إصابته في هجوم إطلاق نار وقع  الثلاثاء خارج كنيس يهودي في جزيرة جربة التونسية، ليرتفع بذلك عدد القتلى إلى (6)، بينهم المهاجم.

وقتل المهاجم، وهو من قوات الحرس البحري، زميلاً له في مركز للحرس بجربة، ثم توجه إلى الكنيس، حيث كانت تُقام احتفالات يهودية سنوية، وفتح النار على أفراد الشرطة والزوار، قبل أن يُقتل برصاص الشرطة، وخلال الهجوم قتل المهاجم ابني عم يهوديين، أحدهما فرنسي من أصل تونسي، والآخر إسرائيلي تونسي، إلى جانب ضابط شرطة توفي في مكان الحادث، وآخر في المستشفى يوم أمس الأربعاء.

وقالت مصادر طبية: إنّ (4) آخرين من رجال الشرطة أُصيبوا، أحدهم في حالة خطرة، إلى جانب (4) زوار. ولم تحدد السلطات بعد دافع الهجوم، كما لم تذكر ما إذا كان أيّ شخص آخر متورطاً في الهجوم الأكثر دموية منذ أعوام، والذي وقع في جزيرة تُعدّ مقصداً رئيسياً لصناعة السياحة في تونس.

ونُفّذ الهجوم في وقت كان فيه المئات من المصلين والسياح يشاركون في موسم الحجّ اليهودي السنوي في الغريبة، والذي كان يوشك على الانتهاء مساء الثلاثاء في هذا الكنيس.

السلطات التونسية تحتوي الهجوم وتطمئن

وسارعت السلطات إلى محاولة الحدّ من تأثيرات هذا الهجوم، عبر تطويقه وإعادة الحياة إلى طبيعتها في جزيرة جربة السياحية، وطمأنة زوار الكنيس اليهودي، والبعث برسالة واضحة لوسائل الإعلام الخارجية، التي شرعت في سرد تأويلات مختلفة ومتناقضة، بأنّ الوضع تحت السيطرة، وأنّ الزوار الأجانب لم يغادروا البلد، وأنّ مطار المدينة لم يشهد أيّ اكتظاظ.

ارتفع عدد القتلى إلى (6)، بينهم المهاجم

كما سارع وزير السياحة التونسي معز بلحسن إلى القيام بجولة بين فنادق الجزيرة، متحدثاً إلى السيّاح، ومطمئناً الجميع إلى أنّ الأوضاع تحت السيطرة.

وتوقّع الهنشيري، بحسب الإعلام التونسي، ألّا تؤثر العملية على الموسم السياحي في الجهة، نافياً نفياً قطعياً إلغاء أيّ حجوزات من جانب وكالات السفر، قائلاً: "ما حدث في جربة يحدث في كلّ مناطق العالم من دون استثناء".

وأضاف: ''لقد نجحنا في تأمين الزيارة، وأجمع الكلّ على أنّ هذا الاحتفال كان ناجحاً على كل المستويات بشهادة جميع السياح"، وقدّر عدد السياح الذين زاروا جربة للاحتفال بزيارة الغريبة بنحو (7) آلاف سائح.

تونس، التي تعاني من أزمة مالية واقتصادية مستعصية، تعوّل كثيراً على نجاح الموسم السياحي الذي يدرّ عائدات مهمّة عليها، بفضل ما توفره من العملة الصعبة

 وتوقع المتحدث تحقيق أرقام قياسية خلال الموسم السياحي الجديد، موضحاً أنّ كل المؤشرات تؤكد ذلك، وقال: "سجلنا عدداً مهمّاً من الحجوزات، ونتوقع أن نحقق الأرقام التي سجلناها خلال عام 2019، والذي يُعدّ عاماً قياسياً".

ويجتذب الحج إلى أقدم كنيس يهودي في أفريقيا بشكل منتظم مئات اليهود من أوروبا وإسرائيل إلى جزيرة جربة، الواقعة على بعد نحو (500) كيلومتر من العاصمة تونس. وقد فُرضت إجراءات أمنية مشددة على الاحتفالات اليهودية، منذ أن هاجم متشددو تنظيم (القاعدة) المعبد عام 2002 بشاحنة ملغومة، ممّا أسفر عن مقتل (21) سائحاً غربياً.

وتُعدّ تونس، ذات الأغلبية المسلمة، موطناً لواحدة من أكبر الجاليات اليهودية في شمال أفريقيا، وتضم زهاء (1800) شخص.

ضرب صورة تونس وزعزعة استقرارها

من جانبه، اعتبر الرئيس التونسي قيس سعيّد أنّ الهجوم الذي استهدف محيط كنيس الغريبة اليهودي بجزيرة جربة "عملية إجرامية غايتها زرع بذور الفتنة، وضرب الموسم السياحي، وضرب الدولة وزعزعة استقرارها".

وقال: "لن يقدروا على ذلك، هناك دولة ومؤسسات، والشعب التونسي يعلم جيداً مخططات هؤلاء المجرمين، هم يفضحون أنفسهم بأنفسهم كل يوم".

وتعهّد رئيس تونس في كلمة خلال إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي مساء الأربعاء بحفظ أمن واستقرار التونسيين والأجانب، مشدّداً على أنّ "الدولة قوية بمؤسساتها وبقواتها العسكرية والأمنية، ولن يقدر عليها أيّ أحد، وأنّ تونس أرض التسامح والتعايش السلمي".

يجتذب الحج إلى أقدم كنيس يهودي في أفريقيا بشكل منتظم مئات

وأضاف: "أطمئن العالم كلّه بأنّ تونس ستبقى آمنة، مهما حاول هؤلاء المجرمون زعزعة الاستقرار فيها، وسنعمل على حفظ الأمن داخل المجتمع، وهذه العمليات الإجرامية  يعاني منها الكثير من الدول".

وقد وصف يهود حضروا الاحتفالات مشهد الذعر بعد دوي طلقات الرصاص، بينما كان الناس يحاولون الاختباء في غرف مختلفة بالكنيس. وقال بيريز الطرابلسي، رئيس الجالية اليهودية في جربة، لـ "رويترز": "كان الناس سعداء ويرقصون، حتى سمعنا الكثير من إطلاق النار... هرب الجميع، واختبأ البعض في مكتبي والبعض الآخر في الغرف الأخرى. وكان هناك الكثير من الخوف والذعر".

مخاوف على الموسم السياحي

ووفق بيانات رسمية، قفزت عائدات القطاع السياحي في تونس حتى 20 نيسان (أبريل) الماضي 60.3%، لتبلغ نحو (389) مليون دولار، وتُعدّ جربة أحد أبرز المنتجعات السياحية في تونس التي يقصدها السياح من مختلف مناطق العالم، وتسعى السلطات التونسية لتسجيلها على قائمة التراث العالمي لليونسكو.

من جانبه، قال رئيس الجامعة المهنية المشتركة للسياحة حسام الدين بن عزوز: إنّ "أعضاء الجامعة لم يتلقوا في الوقت الحاضر أيّ طلبات لإلغاء حجوزات الموسم السياحي الجديد"، وأوضح في تصريح لـ (أصوات مغاربية) أنّ "الطلب على الوجهة التونسية في ارتفاع وهذا النوع من العمليات يحدث في أيّ بلد"، معبّراً عن أمله في "تجاوز تداعياتها في أقرب الأوقات".

الهجوم محاولة يائسة من "ذئب منفرد" استغل المناسبة الدينية اليهودية للتحرك من أجل إرباك حكم الرئيس التونسي قيس سعيّد

وكشف حسام الدين بن عزوز عن "تطور عدد الحجوزات في الفنادق والنزل هذا العام بنحو 40% مقارنة بالموسم السياحي الماضي"، مؤكداً أنّ "شركات الطيران رفعت عدد الرحلات الجوية".

وأشار إلى "عودة الأسواق التقليدية إلى الوجهة السياحية التونسية، من ذلك فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا".

وبحسب المصدر ذاته، اعتبر رئيس جامعة النزل بالجنوب الشرقي لتونس جلال الدين الهنشيري أنّه "ما يزال من المبكر تقييم تداعيات ما حدث في جربة على القطاع السياحي"، مؤكداً أنّه "لم يتم تسجيل طلبات مغادرة من السياح لجزيرة جربة".

وأفاد الهنشيري أنّ "القطاع حقق في الأشهر الـ (4) الأولى من العام الجاري نتائج أفضل من الموسم الماضي، كما تشير الحجوزات الأولية إلى أنّ الحصيلة ستكون مميزة".

بالمقابل، تحدثت شخصيات غير رسمية عن تضرر صناعة السياحة خلال الأسابيع المقبلة، كما حدث بعد الهجمات الكبيرة لعام 2015، التي قتل فيها عشرات السياح الغربيين، قبل أن تتعافى قليلاً بعد جائحة كورونا.

تحدثت شخصيات غير رسمية عن تضرر صناعة السياحة خلال الأسابيع المقبلة

وتعوّل تونس، التي تعاني من أزمة مالية واقتصادية مستعصية، كثيراً على نجاح الموسم السياحي الذي يدر عائدات مهمّة عليها، بفضل ما توفره من العملة الصعبة.

إرباك مسار قيس سعيّد

هذا، وذهب مراقبون للشأن التونسي إلى اعتبار أنّ الهجوم محاولة يائسة من "ذئب منفرد" استغل المناسبة الدينية اليهودية للتحرك من أجل إرباك حكم الرئيس التونسي قيس سعيّد، بعد الخطوات التي حققها لإنهاء حكم الإخوان، وكشف ألاعيبهم السياسية.

إلى ذلك، اعتبر المحلل السياسي باسل الترجمان أنّ عملية جربة لا تخلو من أبعاد سياسية، مشيراً إلى وجود مؤشرات على إعادة ما يعرف بـ "تحرير المبادرة" والرسائل التي بثتها حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي.

ويرى الترجمان في تصريحه لوكالة "سبوتنيك" أنّ عملية جربة هي إحدى نتائج الرسائل المشفرة التي بثها الغنوشي قبل إيقافه، وإحدى نتائج التراخي الدولي في التصدي للجماعات الإرهابية، مضيفاً: "حتى سفارات الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا التي تمتلك جهداً استخباراتياً واستعلاماتياً لم يكن لديها علم بهذا الهجوم، أو أيّ مؤشر على احتمال وقوع عملية إرهابية".

مواضيع ذات صلة:

الهجوم على معبد الغريبة التونسي: حادث أمني أم تدبير إخواني إرهابي؟

تونس: هل حركة النهضة الإخوانية وراء "هجوم جربة"؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية