أي تداعيات يحملها التوقيع على منظمة غاز شرق المتوسط؟

أي تداعيات يحملها التوقيع على منظمة غاز شرق المتوسط؟


23/09/2020

أحمد عبد الحكيم

في خطوة من شأنها إضافة بعد جديد لمعادلة النفوذ والحركة في منطقة شرق المتوسط الغنية باكتشافات الغاز، وقع ممثلو ست دول تطل على ساحل البحر المتوسط اليوم الثلاثاء في القاهرة اتفاق تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة إقليمية مقرها العاصمة المصرية، ما يضفي طابعاً رسمياً على مجموعة تسعى إلى ترويج صادرات الغاز الطبيعي من منطقة شرق المتوسط.

وبعد مراسم استضافتها القاهرة، حوّلت كل من مصر وإسرائيل واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن منتدى غاز شرق المتوسط الذي كان أنشئ مطلع العام 2019، إلى منظمة إقليمية حكومية، بهدف إنشاء سوق إقليمية للغاز، وترشيد كلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، لتوحد تلك المجموعة الغرماء الإقليميين لتركيا، وهي في خلاف مرير مع عضوي الاتحاد الأوروبي اليونان وقبرص على خلفية حقوق التنقيب عن الغاز في المنطقة.

وبحسب تصريحات رسمية من أطراف مؤسّسة في المنظمة، فقد تنضم دول أخرى للكيان الجديد مثل فرنسا كعضو، كما تطالب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالانضمام في صفة مراقب، بينما اعتبرت اليونان، أن "الباب مفتوح أمام تركيا حال تخليها عن سياساتها العدائية، والتزامها بالقانون الدولي".

ما هي مكاسب الدول المشاركة؟

في الوقت الذي تزخر فيه منطقة شرق المتوسط بالاكتشافات الغازية الضخمة، تأمل الدول المشاركة في منظمة غاز شرق المتوسط إنشاء سوق غاز على المستوى الإقليمي، وتأمين العلاقات التجارية، وضمان تلبية العرض والطلب من الدول المكونة للمنتدى، وترشيد كلفة البنية التحتية وتقديم أسعار تنافسية.

وبالنسبة إلى مصر، فيأتي انضمامها في إطار سعيها للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة في المنطقة، بعد أن زاد الاهتمام بسوق الطاقة في مصر إبان اكتشاف حقل "ظهر" البحري العملاق في 2015، ما شجع القاهرة للترويج لنفسها كمركز إقليمي.

وتمتلك مصر حالياً منشأتين للغاز الطبيعي المسال، جرى تعليق العمل فيهما أو تعملان بأقل من طاقتهما الاستيعابية، ويمكن استخدامهما في التصدير. وقال وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا، الذي استضاف التوقيع عبر تقنية "فيديوكونفرانس" وحضره وزراء البترول والطاقة في الدول الأعضاء، فضلاً عن حضور سفراء بلادهم في مقر التوقيع بالقاهرة ، إن "المنتدى أصبح رسمياً منظمة دولية حكومية كبيرة في منطقة المتوسط مقرها القاهرة، وأن ذلك يمثل انطلاقة كبيرة في رحلة تأسيس هذا الكيان الذي تطور تدريجياً ليصل إلى هذه المكانة"، موضحاً أن هذه المنظمة تهتم بتعزيز التعاون، وتنمية حوار سياسي منظم ومنهجي في شأن الغاز الطبيعي إسهاماً في الاستغلال الاقتصادي الأمثل لاحتياطات الدول من هذا المورد الحيوي، باستخدام البنية التحتية الحالية، علاوة على إقامة بنية تحتية جديدة عند الحاجة، من أجل المنفعة المشتركة ورفاهية الشعوب.

وبحسب الملا، فإن الدول الأعضاء لعبت دوراً حاسماً في سرعة الانتهاء من إعداد ميثاق التأسيس في وقت قياسي لم يتجاوز 20 شهراً، علاوة على تشكيل أجهزة المنتدى وتنفيذ أنشطته، مشيراً إلى أن المنتدى يتطلع لعضوية دول أخرى بالمنطقة، طالما أنها تتماشى مع أهدافه وتتشارك الأهداف نفسها لتحقيق الغاية المشتركة من أجل رفاهية دول المنطقة وشعوبها، مع التأكيد على رفض أي أعمال عنف تشكل عائقاً أمام تحقيق رخاء المنطقة، في إشارة للتحركات التركية.

وعن إسرائيل، فتأمل الدولة العبرية أن تعزز الروابط مع الجيران العرب، وقال وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز في بيان إن السلطة الفلسطينية جزء أيضاً من المنتدى. وأضاف شتاينتز أنه بالنسبة لإسرائيل، فإن المنتدى "يوفر تعاوناً إقليمياً مع دول عربية وأوروبية، وهو الأول من نوعه في التاريخ، مع عقود لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى الأردن ومصر بقيمة 30 مليار دولار، وهذه مجرد بداية". وبدأت مصر استيراد الغاز الإسرائيلي مطلع العام، مع احتمال إعادة تصديره إلى أوروبا وآسيا.

من جانبهما، تسعى اليونان وقبرص إلى توحيد جهودهما في مواجهة "المطامع التركية" في المنطقة. وأكدت رئيسة اليونان كاترينا ساكيلاروبولو وحدة وتضامن اليونان وقبرص في مواجهة الاستفزازات التركية، وذلك خلال زيارتها للعاصمة القبرصية نيقوسيا أمس الإثنين.

وبحسب تصريحات سابقة لوزير البيئة والطاقة اليوناني كوستيس هاتزيداكيس، فإن تركيا يمكن أن تنضم إلى المنتدى في نهاية المطاف "إذا احترمت القانون الدولي"، وأن أعضاء منظمة غاز شرق المتوسط سيلتزمون بحل أية خلافات تنشأ نتيجة خرق القانون الدولي، مشيراً إلى أن تلك هي الرسالة التي يبعثها المنتدى إلى الأتراك، الذين يواصلون تصعيد التوترات في المنطقة من خلال محاولات التنقيب عن الغاز من طرف واحد، وبشكل غير مشروع في المياه القبرصية الاقتصادية الخالصة.

في المقابل، لا تعترف أنقرة بالتجمع الإقليمي، وتعتبره "مبادرة غير واقعية من بعض الدول ذات الدوافع السياسية، وبأوهام من استبعاد تركيا من معادلة الطاقة في شرق البحر المتوسط".

هل يهدئ التجمع الإقليمي وتيرة التوتر؟

في ضوء اكتشافات الغاز الضخمة في شرق المتوسط، والمطامع التركية المستمرة بمواصلة التنقيب عنه في مناطق تعتبرها تحت سيادتها، فيما تقول الدول المشاطئة لها إنها تنتهك القانون الدولي وتضرّ باستقرار وأمن شرق المتوسط، تتباين أراء مراقبين تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" حول قدرة التجمع الإقليمي الجديد على إبعاد "شبح التوتر" المخيم على شرق المتوسط طوال السنوات الأخيرة، لاسيما وأن آفاق استغلال ونقل الغاز من المنطقة تتعقد بسبب السياسة الإقليمية، وتكاليف البنية التحتية والنقل، والشقاق بين تركيا وجيرانها، في الوقت الذي يري فيه آخرون أن أبعاد التجمع الاقتصادية، ويقظة المجتمع الدولي لمواجهة "الاستفزازات التركية"، والتي قادت إلى تراجع في الأيام الأخيرة، تعكس مستقبلاً أكثر تعاوناً لدول شرق المتوسط.

ويقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير جمال بيومي، إن "التضامن والتعاون اللذان ظهرا في تأسيس منتدى غاز المتوسط وتحويله إلى منظمة مع انضمام أغلب الدول الفاعلة في المنطقة باستثناء تركيا، تعكس مؤشرات إيجابية من شأنها تهدئة التوتر والتصعيد في شرق المتوسط". ووفق بيومي، فإن "الأبعاد الاقتصادية التعاونية للمنظمة تظهر مدى إمكان استفادة الجميع من المضي قدماً في التحاور والنقاش وحل القضايا الخلافية العالقة، كما أن المصالح الأوروبية المتوافقة مع أهداف المنظمة والساعية بالأساس إلى تنويع مصادر طاقاتها، وعدم الاعتماد الكلي على الغاز الروسي عبر إمدادها بغاز المنطقة، تضعها في مواجهة الدول الساعية لخلق اضطرابات أو توترات كما هو الحال بالنسبة لتركيا"، متوقعاً "تشكيل تعاون من أجل تصدير الغاز بشكل مشترك إلى أوروبا في المستقبل القريب".

من جانبه، يرى الباحث المتخصص في الشؤون التركية محمد حامد، أن "انضمام تركيا إلى المنظمة مسألة وقت، فالسبيل الوحيد لحل الخلافات العالقة في منطقة شرق المتوسط في الحوار، والتقاسم العادل لثرواته، وفق ما يحدده القانون الدولي".

وبحسب حامد، "فبالرغم من حدة الخلافات والتصدعات بين أنقرة وكل من مصر واليونان وقبرص، إلا أن الأهداف التي تأسست عليها منظمة غاز شرق المتوسط تبعث رسالة واضحة إلى دول المنطقة الساعية لإثارة أية اضطرابات بضرورة الحوار والتعاون وتحقيق السلام في تلك المنطقة الاستراتيجية، والتي تمثل أهمية محورية كذلك لقوى الاقتصاد العالمي، وقد تدفعها إلى الضغط على تركيا للتحاور في حال التصعيد أو رفض التعاون". وتابع، "في ضوء التصريحات الرسمية الصادرة من القوى الدولية بخصوص ثروات شرق المتوسط، هناك إجماع على أن التعاون والحوار يبقى أكثر أهمية ومحورية للمنطقة ومستقبلها عن الصراع والتناحر".

وبعد نحو عام من اتفاق مصر واليونان وقبرص على تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط خلال قمة عقدت في اليونان عام 2018، مقره القاهرة، تم الإعلان عن تأسيس المنتدى في يناير (كانون الثاني) 2019، وعقد ممثلو الدول المشاركة اجتماعهم الثاني في يناير 2020، وتضمن الإعلان التأسيسي عزم وزراء الطاقة من الدول المشاركة على إنشاء منظمة تحترم حقوق الأعضاء في شأن مواردهم الطبيعية، بما يتفق ومبادئ القانون الدولي، بهدف تأمين حاجات الأعضاء من الطاقة لمصلحة رفاهية شعوبهم.

ويشار إلى أن الاهتمام بمنطقة شرق المتوسط باعتبارها منطقة غنية بالنفط والغاز بدأ أواخر القرن الـ 20، ويقدر تقرير لهيئة المسح الجيولوجية الأميركية عام 2010 وجود 122 تريليون متر مكعب من الغاز، و1.7 مليار برميل من النفط في هذه المنطقة، تراوح قيمتها بين 700 مليار و3 تريليونات دولار، بحسب أسعار الخام المتغيرة. وخلال السنوات الأخيرة بدأت الدول المحيطة بتشكيل تحالفات واتفاقات من أجل ضمان حصتها في الثروة المكتشفة، كان آخرها الاتفاق بين إسرائيل والأردن لتزويد الأخيرة بالغاز.

وبخلاف الثروة الطبيعية، تمثل هذه المنطقة أبرز نقاط عبور النفط والغاز من الشرق الأوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي، حيث تطل على ثلاث قارات.

عن "اندبندنت عربية"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية