إبراهيم بودربالة.. من عميد المحامين إلى رئيس البرلمان التونسي

إبراهيم بودربالة.. من عميد المحامين إلى رئيس البرلمان التونسي

إبراهيم بودربالة.. من عميد المحامين إلى رئيس البرلمان التونسي


18/03/2023

الحبيب الأسود

لم يمثّل انتخاب إبراهيم بودربالة لرئاسة البرلمان التونسي مفاجأة لمن يعرفون مثابرة الرجل وإصراره على تحقيق أهدافه، وهو الذي كان من قبل حتى تنظيم الانتخابات التشريعية يتهيأ لرئاسة مجلس نواب الشعب الجديد، ويرى في ذلك المنصب امتدادا لمواقفه الداعمة بقوة لمشروع الخامس والعشرين من يوليو الذي يتزعمه الرئيس التونسي قيس سعيد.

كانت هناك محاولات جدّية لإخراجه من السباق، ومن ذلك أن مبادرة “لينتصر الشعب” استبعدته من عضويتها بعد أن كان واحدا من أبرز قيادييها، وسحبت منه ثقتها كمرشح للبرلمان، وجرى في الكواليس العمل على إيجاد بديل له. لذلك كانت المنافسة حادة في الدور الثاني بينه وبين المرشح عبدالسلام دحمان، حيث فاز بـ83 صوتا مقابل 67 من أصل 150، فيما يبدو واضحا أن التجربة الشخصية لبودربالة في الصراعات الانتخابية حول عمادة المحامين وتعامله مع مفهوم الماكنة الانتخابية لمدة تتجاوز الثلاثين عاما ساعدته على تحديد طريقة الوصول إلى غايته المتمثلة في رئاسة المجلس.

مواقف واضحة

إذا كان حراك 25 يوليو قد قرر في اللحظة الأخيرة دعم بودربالة، فلأن حسابات سياسية عدة فرضت ذلك في ظل العمل على تشكيل توازنات مهمة لقيادة المرحلة القادمة، ولتوفير شروط النجاح في مواجهة التحديات التي لم يعد هناك من يجهلها أو من يستطيع أن يتجاهلها، ولاسيما تلك المتعلقة بالإصلاحات المالية والاقتصادية والصدام المرتقب مع جانب من قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل.

وقد كان لرئيس مجلس النواب الجديد مواقف واضحة من دور الاتحاد، حيث أكد في مناسبات عدة أنه ليس من صلاحياته الخروج من دوره النقابي والدخول في العمل السياسي، وهو بذلك يحسم موقفه من أي مواجهة قد تنشأ رسميا بين الحكومة والنقابات..

وعندما سئل عن المبادرة التي يقودها الاتحاد اعتبر بودربالة أنها لا تمثل كل الأطراف التي تدافع عن طموحات المجتمع، وأن هناك عدة فاعلين في البلاد غير ممثلين فيها، مشيرا إلى أنها لن تجد تجاوبا من رئيس الجمهورية، وأنها لن تجد صدى إيجابيا من جزء كبير من الشعب التونسي، معتبرا أنها اجتهاد ولن تمثل حلا للبلاد، وفق تقديره.

رجل يرى في منصب رئيس البرلمان امتدادا لمواقفه الداعمة لمشروع الرئيس

أبدى بودربالة مساندته الكاملة للتدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021، ورغم اختلاف المواقف وتعددها داخل قطاع المحاماة الذي يجمع بين مختلف التيارات الفكرية والسياسية في البلاد، إلا أن “العميد” تمسّك بمواقفه التي رأى فيها البعض تعبيرا عن ارتياحه للإطاحة بمنظومة الإخوان المسلمين وعن ثقته في رؤية “صديقه” الرئيس سعيد وإيمانه بضرورة العودة بالبلاد إلى منهج الدولة الوطنية بعد أن عصفت بها رياح الفوضى خلال السنوات الماضية.

وأعرب بودربالة بوضوح عن موقفه من حل جماعة الإخوان، حيث أكد أنّ إقحام الدين في السياسة هو أكبر خطر على السياسة وعلى الدين، واعتبر أن التديّن مسألة شخصية وسيحاسب كل فرد بما فعل وسيحاسب على أفعاله، أما أن يصبح استعمال الدين كأصل تجاري لاستخدامه، فهذا أمر مرفوض وتطبيقاته هي التي أدّت إلى المشاكل التي يمرّ بها الآن الوطن العربي ككل.

في يونيو 2022، تولى بودربالة رئاسة لجنة الشؤون الاجتماعية والاقتصادية ضمن اللجنة الوطنية للحوار حول الجمهورية الجديدة التي شكلها الرئيس سعيد وأسند رئاستها إلى العميد الصادق بلعيد، وقد كانت له مواقفه الواضحة في مواجهة محاولات عرقلة الإصلاح، وتم اعتباره الأقرب إلى رؤية الرئيس سعيد سواء في ما يتصل بالتوجهات السياسية العامة أو بمشروع الدستور الجديد أو بقراءة خصوصيات المرحلة وتحديد أولوياتها وتشكيل مؤسساتها وتفعيلها، حتى أن البعض يرى أن التوافق الكبير بين الرجلين يمكن أن يساهم خلال المرحلة القادمة في تيسير وتعجيل تنفيذ مشروع الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

 منذ الإعلان عن موعد الانتخابات التشريعية، قرر بودربالة الترشح لعضوية البرلمان الجديد عن دائرة رادس من ولاية بن عروس، إحدى ولايات إقليم العاصمة.

قال إن ترشحه يأتي خدمة لمصالح الوطن والشعب “بعيدا عن المحاصصة الحزبية والصفقات والمصالح الخاصة، وعن كل مظاهر التساهل والتلاعب بالمصالح العليا للبلاد”. وفي المجال الاقتصادي، أكد التزامه بمراجعة القوانين ذات العلاقة بمحاربة البيروقراطية الإدارية والتي قال إنها “تكبل المشاريع وإطلاق المبادرة الحرة”، وبدعم أصحاب المشاريع الصغرى من خلال الحوافز المالية والجبائية، والعمل على إدماج أصحاب الشهائد العليا في الدورة الاقتصادية، إلى جانب دعم التعايش بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع القطاع التضامني والتعاوني.

رجل مثابر

كما أكد حرصه أيضا على دعم المجالات الاجتماعية لاسيما من خلال مراجعة السياسة التربوية والعناية بالصحة العمومية، والمحافظة على القدرة الشرائية للمواطن، ودعم دور المرأة والتصدي لمحاولة النيل من حقوقها المكتسبة. وتعهد بالعمل على مكافحة التلوث والعناية بالشريط الساحلي وبالمناطق الخضراء وبعث فضاءات ترفيهية ورياضية، فضلا عن دعم الأنشطة الثقافية وإحياء دور الشباب.

وقد حصد بودربالة غالبية الأصوات في دائرته الانتخابية منذ الدور الأول الذي جرى في 17 ديسمبر 2022، وحصل على 3700 صوت، من مجموع الأصوات المصرح بها والمقدرة بـ6649 صوتا.

ويجمع المقربون من بودربالة على أنه رجل دؤوب ومثابر ولكنه لا يكشف عن أهدافه بسهولة، وهو ما يمكن قراءته بالخصوص من خلال سعيه لتولي عمادة المحامين، فقد ترشح في خمس مناسبات لينافس على منصب عميد المحامين، وكانت الحسابات والمساومات السياسية تحيّده في كل مرة عن الهدف، إلى أن جاءت المرة السادسة في يوليو 2019 لتحقق له أمله وتجعله في واجهة القطاع الحقوقي، وأحد أهم ركائز المشهد العام في البلاد.

كان بودربالة مؤمنا بأن منصب عميد المحامين لا يقل أهمية عن منصب رئيس وزراء نظرا لوجاهته الاجتماعية ولعلاقته الوطيدة بالواقع السياسي في بلد كان للمحامين على الدوام دور في تحديد مصيره وقيادة مساراته المختلفة ومنهم الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف ومحمد الناصر وفؤاد المبزع والهادي نويرة وأحمد المستيري والباجي قائد السبسي وغيرهم، حيث لا تكاد فترة من تاريخ تونس تمر دون أن تضع عليها المحاماة بصمتها من خلال المحامين الذين يتولون القيام بأدوار سياسية كبرى سواء في السلطة أو في المعارضة.

رجلان يجتمعان على مبدأ الدفاع عن السـيادة الوطنية والاعتزاز بالهوية

ولد بودربالة بنهج سيدي منصور بمنطقة الفلّة بالعاصمة في 7 أغسطس 1952 ليكون بذلك الابن الأصغر لأسرة وافرة العدد تتحدر من مدينة الحامّة من ولاية قابس، جنوب شرق البلاد، وهي المدينة التي عرفت بتأثيرها البالغ في تاريخ تونس الحديث من خلال العدد المهم من الزعماء المنحدرين منها كرمز المقاومة المسلحة محمد الدغباجي والمصلح والنقابي الطاهر الحداد صاحب كتاب “امرأتنا في الشريعة والمجتمع” وجلولي فارس أول رئيس للمجلس التأسيس إبان استقلال البلاد.

 في العام 1955، انتقل بودربالة مع أسرته إلى شوشة رادس في الضاحية الجنوبية التي كانت وقتئذ منطقة شبه زراعية معظم سكّانها من المستوطنين الإيطاليين، وهناك تلقى تعليمه الابتدائي إلى أن نال شهادة ختم الدروس الابتدائية ونجح في مناظرة الدخول إلى التعليم الثانوي، لينتقل إلى معهد ابن شرف بالعاصمة وبعد حصوله على شهادة الباكالوريا (الثانوية العامة) في يونيو 1972 التحق بكليّة الحقوق والعلوم الاقتصادية وتحصّل فيها على الإجازة في يونيو في الحقوق 1976. كما حصل على شهادة الكفاءة لممارسة مهنة المحاماة وجرى ترسيمه بجدول المحامين المتربّصين في 6 مايو 1977.

يمكن القول إن إبراهيم بودربالة كرّس حياته للمحاماة بتطلعه الدائم للقيام بدور قيادي، وقد انتخب في سنة 1979 عضوا بالهيئة المديرة لجمعية المحامين الشبّان ثمّ أعيد انتخابه في سنة 1981 وأسندت له خطّة أمين عام الجمعية قبل أن ينتخب رئيسا لها في سنة 1983.

وإثر ترسيمه بجدول المحامين المخوّل لهم الترافع أمام محكمة التعقيب في 8 مايو 1987، انتخب عضوا بالهيئة الوطنية للمحامين وكلّف بخطّة رئيس محاضرات التّربّص وأعيد انتخابه في سنة 1989 بالهيئة نفسها وحافظ على هذه الخطّة طيلة 5 أعوام، ثم في 5 يونيو 1992 تم انتخابه رئيسا للفرع الجهوي للمحامين بتونس وأعيد انتخابه في 1995 لعهدة ثانية امتدت إلى سنة 1998.

ويعرف عن بودربالة أنه بدأ حياته الطلابية قوميا ناصريا، وقد استمر يحمل تلك القناعات ويدافع عن القضايا العربية ولكن من منطلق الاستقلال عن الأحزاب والحركات السياسية، وبالتالي فإنه لم يعرف عنه الانتماء إلى أي تنظيم سياسي في البلاد، ولكنه كان صاحب حضور دائم في الدفاع عن القضايا العربية، فهو لا يترك فرصة تمر دون التعبير عن مساندته للقضية الفلسطينية، وكان مناهضا بقوة لغزو العراق في العام 2003 ولإعدام الرئيس الراحل صدام حسين، ورافضا وبقوة للتدخل الخارجي في القضايا العربية.

وقد يكون من دوافع دعمه لمشروع الرئيس سعيد أنهما يجتمعان على مبدأ الدفاع عن السيادة الوطنية والاعتزاز بالهوية ورفض التبعية للقوى الأجنبية.

بتوليه منصب رئيس لمجلس نواب الشعب، ستكون أمام بودربالة فرصة ملائمة للمساهمة في تشكيل صورة تونس الجديدة التي تتبلور في فكر الرئيس سعيد ومن خلال مشروعه الإصلاحي الذي سبق له التعبير عنه في مناسبات عدة.

وفي أول كلمة له من منصة رئاسة البرلمان، قال المحامي المثابر إنه في هذا اليوم الحاسم من تاريخ تونس، شرع المجلس في أعماله، مؤكدا “نحن كتلة واحدة، نعمل اليد في اليد وذلك لمواجهة التحدّي وهو أن يكون هذا المجلس محلّ رضا الشعب التونسيّ”.

وتابع “إن عملنا مع مؤسسات الدولة وفي مقدّمتها رئاسة الجمهورية والحكومة سيكون من أجل بناء تونس الغد التي يطمح كلّ واحد منّا أن تكون محلّ استقرار ومصداقيّة بالنسبة إلى الدول الشقيقة والصديقة ومختلف الوافدين على بلادنا وأخصّ الذين يأتون للسياحة أو للاستثمار، سيجدون مناخا ملائما للنجاح، حيث إنّنا سنعمل على إشاعة الطمأنينة بين الجميع”.

وأكد أنّ يوم افتتاح أشغال الدورة النيابية الأولى للبرلمان الجديد المنتخب يمثل انطلاقا فعليّا لبناء تونس الغد خاصة بعد التدابير التي وقع اتخاذها منذ 25 يوليو 2021 والتي أنقذت البلاد من الويلات التي كنّا نعيشها كلّ يوم، مردفا أن كافة المراحل تمّت بهدوء وكانت واضحة وشفّافة واحترمت فيها كلّ الآجال والانتخابات كانت ذات مصداقيّة وشفافيّة، ومن شارك في الانتخابات برهن على روح عالية من الوطنية.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية