"إخواني" من "حماس" في القصر الجمهوري ينقض سردية دمشق حول الجناح المقاوم

"إخواني" من "حماس" في القصر الجمهوري ينقض سردية دمشق حول الجناح المقاوم

"إخواني" من "حماس" في القصر الجمهوري ينقض سردية دمشق حول الجناح المقاوم


20/10/2022

عادت دمشق بعد عقد ونيف من الحرب إلى تبنّي الخيارات نفسها التي كانت تنتهجها قبل اندلاع الأزمة عام 2011. وثمّة من بدأ يخشى أن تكون العاصمة السورية قد وقعت في فخّ "تجريب المجرَّب"، وخصوصاً في ظل موافقتها على توقيع المصالحة مع حركة "حماس"، ودخول ممثل عن الحركة إلى القصر الجمهوري ضمن وفد من الفصائل الفلسطينية لمقابلة الرئيس السوري بشار الأسد.

وقد حاولت دمشق التخفيف من وقع قرارها ملاقاة مبادرة "حماس" العودة إليها، عبر اتخاذ بعض الإجراءات الشكلية التي يغلب عليها الطابع الإعلامي، وأهمها أن اللقاء الأول مع "حماس" لم يكن ثنائياً، ندّاً لندّ، بل انضم القيادي في "حماس" خليل الحية إلى وفد من الفصائل الفلسطينية الأخرى المقربة من دمشق لتلبية دعوة وجهت إلى هذه الفصائل الى زيارة دمشق، الأربعاء. 

وحاولت دمشق كذلك الإيهام بأنها عبر استقبالها القيادي خليل الحية لا تستقبل حركة "حماس" بل ممثلاً لما أطلقت عليه "الجناح المقاوم" في الحركة، وهي تتوخى من ذلك -على ما يبدو- احتواء الاستياء الداخلي من عودة العلاقات مع حركة كان لها دور بارز في الوقوف إلى جانب التنظيمات المتطرفة خلال المعارك التي شهدتها سوريا عموماً وريف دمشق والجنوب السوري خصوصاًَ. 

وكذلك توخت دمشق التعبير عن عدم استعجالها عودة العلاقات مع حركة "حماس" إلى سابق عهدها، من خلال التمييز بين جناح مقاوم وجناح غير مقاوم، واعتبار أن استقطاب ما سمّته الجناح المقاوم في هذه المرحلة يصب في خدمة الدور السوري في دعم القضية الفلسطينية وليس لحسابات خاصة، وذلك في محاولة واضحة لعزل الجناح الثاني ضمن الحركة، والعمل على إضعافه أو الضغط عليه لتقديم مزيد من التنازلات.

والمفارقة أن التمييز السابق بين جناح مقاوم وآخر غير مقاوم ضمن حركة "حماس"، جاء متعارضاً مع جردة حساب أعلنتها الرئاسة السورية سابقاً للتعبير عن سياستها الرافضة لعودة العلاقات مع "حماس". وقد أعادت صفحة الرئاسة السورية الرسمية عام 2019 نشر تصريحات أدلى بها الرئيس بشار الأسد، لمناسبة تسريب معلومات عن احتمال عودة العلاقات بين الطرفين، وجاء فيها: "كنا ندعم حماس ليس لأنهم إخوان، كنا ندعمهم على اعتبار أنهم مقاومة، وثبت في المحصلة أن الإخونجي هو إخونجي في أي مكان يضع نفسه فيه". ومقتضى هذه الجردة القديمة أن دمشق لم تعد تؤمن بأن يكون لأي فرع من فروع "الإخوان المسلمين" أيّ دور مقاوم.

وتأكيداً لذلك صرح، في حينه، مصدر إعلامي -لم يذكر اسمه- لوكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، بأنه لا صحة لكل ما يتم تداوله من إشاعات حول عودة العلاقات مع حركة "حماس". كما أكد أن كل ما يتم تداوله من أخبار، لم ولن يغير موقف سوريا ممن قال إن الشعب السوري لفظهم منذ بداية الحرب ولا يزال، لافتاً الى أن "الموقف السوري لا يزال مبدئياً وبني في السابق على أن "حماس" هي حركة مقاومة ضد الاحتلال، غير أنه في ما بعد تبيّن أن الدم الإخواني هو الغالب لديها حين دعمت الإرهابيين -على حد وصفه- في سوريا وسارت في المخطط نفسه الذي أراده الاحتلال الإسرائيلي".

وقد تناست دمشق "غلبة الدم الإخواني" وأن "الاخونجي يبقى إخونجياً" ولا يمكن أن يصبح مقاوماً، وقررت أن تستقبل خليل الحية الذي يشغل منصب رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية في حركة "حماس"، ولكن ألا يحمل الحيّة دماً إخوانياً؟

تشير السيرة الذاتية لخليل الحية أنه ولد في مدينة غزة في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1960، ونال درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من الجامعة الإسلامية في غزة عام 1983، ودرجة الماجستير في السنة وعلوم الحديث من الجامعة الأردنية عام 1986، ودرجة الدكتوراه  وعلوم الحديث من جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية في السودان عام 1997. عمل محاضراً في الجامعة الإسلامية عام 1984، وعميداً لشؤون الطلبة في الجامعة عام 2001.

وتؤكد السيرة التي نشرها "مركز رؤية للتنمية السياسية" أن الحية انتمى إلى جماعة "الإخوان المسلمين" مطلع ثمانينات القرن الماضي خلال دراسته في الجامعة الإسلامية، وانخرط في فعالياتها الدعوية والتربوية والاجتماعية والنقابية، ونشط في الكتلة الإسلامية الإطار الطلابي للجماعة، وأصبح نائباً لرئيس مجلس اتحاد الطلبة عام 1982، وانتخب نائباً لرئيس نقابة العاملين في الجامعة الإسلامية عام 1985، وترأس النقابة عام 1999.

واصبح الحية كذلك عضواً في رابطة علماء المسلمين. ولا تخفي هذه الرابطة ميولها الإخوانية الواضحة. فقد شاركت في تأبين الشيخ يوسف القرضاوي في غزة قبل أسبوعين. وقال رئيسها نسيم ياسين في كلمة التأبين: "نقف اليوم لنتحدث عن العلامة د. يوسف القرضاوي هذا العالم الذي ليس كأي عالم، حيث تميز بشخصيته وسمته وعطائه، وبرز واشتهر على مستوى العالم، وكان له أثر في كل بقعة من أرض مكث فيها، وترك ثروة هائلة من العلم والفقه وشتى ضروب المعرفة والثقافة".

ومن نافلة القول أن القرضاوي يعتبر الأب الروحي لجماعة "الإخوان المسلمين"، بل كان يشار إليه باعتباره رئيس التنظيم الدولي لجماعة "الإخوان"، وقد كانت له مواقف قاسية ضد النظام في سوريا، حتى أنه أفتى بجواز قتل أي شخص يقف إلى جانب النظام حتى لو كان مدنياً أو عالماً أو غيره.

وكان الحية كذلك من أبرز مسؤولي "حماس" الذين دافعوا عن علاقة الحركة بدولة قطر التي لا تزال تحافظ على مواقفها السياسية المتشددة إزاء دمشق ونظام الحكم فيها.

ومع ذلك، لعب الحية أدواراً بارزة في الجهود التي بذلتها حركة "حماس" من أجل إعادة إحياء علاقاتها مع دمشق، وقد كان من بين الشخصيات القيادية النادرة التي صرحت في وقت مبكر بضرورة اتخاذ قرار العودة إلى دمشق.

بيد أن الجذور الإخوانية لحركة "حماس"، رغم محاولاتها تمويه هذه الجذور وإخفائها في بعض المراحل، والدماء الإخوانية التي تسري في شرايين خليل الحية بحكم انتسابه القديم إلى جماعة "الإخوان المسلمين في فلسطين" وانتسابه أيضاً إلى رابطة علماء فلسطين، من شأنها أن تطرح تساؤلات عديدة حول مدى جدية دمشق في التمييز بين جناح مقاوم وآخر غير مقاوم، وما إذا كان ذلك مجرد سرديّة جاهزة لذرّ الرماد في عيون الرأي العام السوري الذي ما زال واعياً لأدوار "حماس" التخريبية في عدد كبير من المناطق السورية. فهل تعلمت دمشق من دروسها السابقة مع "الإخوان" الذين يرتدون لباس المقاومة، أم أنها سوف تُلدغ من الجحر ذاته مرتين؟

عن "النهار العربي"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية