إخوان المغرب والقضية الفلسطينية.. مزايدات لا تنتهي

إخوان المغرب والقضية الفلسطينية.. مزايدات لا تنتهي


18/08/2022

على الرغم من أنّه الحزب الذي وقّع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، فإنّ حزب "العدالة والتنمية" (المصباح)، الذراع السياسية للإخوان في المغرب، يحاول في ظل رئاسة عبد الإله بنكيران أن يغسل يديه من الاتفاقية الثلاثية، في محاولة لاستعادة شعبية الحزب، الذي خسر كلّ حظوظه الانتخابية، وبات خارج المشهد السياسي.

حزب "العدالة والتنمية" انتهز توتر الوضع مؤخراً في قطاع غزة، محاولاً المزايدة على موقف حكومة عزيز أخنوش، عبر انتقاد بيان الخارجية المغربية، والظهور أمام الرأي العام في دور الحزب الممانع والمناهض للعدوان، في مزايدة مكشوفة.

بيان واقعي... ومزايدة مكشوفة

كان بيان الخارجية المغربية قد أكد أنّ الرباط تتابع "بقلق بالغ ما تشهده الأوضاع في قطاع غزة من تدهور كبير، نتيجة عودة أعمال العنف والاقتتال، وما خلّفته من ضحايا وخسائر في الأرواح والممتلكات". ولفت البيان إلى ضرورة تجنيب المنطقة المزيد من الاحتقان والتوتر، وإلى أهمية القضية الفلسطينية ومركزيتها ضمن أولويات السياسة الخارجية للمغرب، باعتبار أنّ العاهل المغربي محمد السادس يرأس لجنة القدس، وجدد البيان بشكل مباشر مواقف المملكة "الثابتة والداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني"، وأضاف: "الحل المستدام للصراع بين الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، يكمن في إقامة دولة فلسطينية مستقلة".

الأمانة العامة لـ"العدالة والتنمية" أصدرت بياناً شعبوياً حمل توقيع الأمين العام عبد الإله بنكيران، استخدم كلّ مفردات التعبئة الشعبية، وبنبرة حماسية ردّد فيها مقولات مكررة، على شاكلة مخاطبة المجتمع الدولي التدخل لوقف الهجوم الهمجي.

الأمانة العامة لـ"العدالة والتنمية" أصدرت بياناً شعبوياً حمل توقيع الأمين العام عبد الإله بنكيران، استخدم كلّ مفردات التعبئة الشعبية

الحزب الإخواني الذي وقّع اتفاقية التطبيع في عهد حكومة سعد الدين العثماني، الأمين العام السابق للمصباح، وبرّر أمينه العام الحالي عبد الإله بنكيران توجهات حزبه آنذاك بأنّها تخدم "مصالح الدولة العليا"، عاد ليناقض مواقفه، زاعماً أنّه يرفض التطبيع لكونه "يشجع الاحتلال الإسرائيلي على المضي في سياسته الإجرامية والعنصرية والتوسعية، ويوفر له الشعور بالمناعة لارتكاب المزيد من الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، ويعطل حلّ القضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس".

ولم يَفُت "المصباح" أن يزايد على موقف الخارجية المغربية، فقد انتقد بيان وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية بشأن التصعيد العسكري الإسرائيلي، ووصف موقف الخارجية المغربية بأنّه "غريب ولا يُشرّف المغرب".

السقوط في التناقضات

لجنة العلاقات الدولية لحزب العدالة والتنمية أعربت عن أسفها لما وصفته بـ "اللغة التراجعية لبلاغ وزارة الخارجية الذي خلا، على غير العادة، من أيّ إشارة إلى إدانة واستنكار العدوان الاسرائيلي، ومن الإعراب عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، والترحم على شهدائه، بل خلا أيضاً، بحسب البيان، من أيّ إدانة لاقتحام الصهاينة لباحات المسجد الأقصى".

بيان "المصباح" زعم أنّ بيان الخارجية المغربية "ساوى بين المعتدي الإسرائيلي المحتل وبين الضحية الفلسطيني"، ووصف لغة البيان بأنّها نوع من "الهروب من إدانة المعتدي، وهو موقف غريب لا يُشرّف بلدنا"، مشيراً إلى "خطورة الانزلاق في هذا المنحى الذي عبّرت عنه لغة بلاغ وزارة الخارجية، والذي لا يليق ببلادنا ومواقفها المشرفة، ولا ينسجم مع مواقف الشعب المغربي الراسخة في دعم القضية الفلسطينية".

 

محمد الفرجاني: القضية الفلسطينية كانت دوماً وسيلة الإخوان وأحزابهم للمتاجرة وجني مكاسب سياسيّة، واقتصادية أيضاً عن طريق التبرعات الطائلة

 

الباحثة المغربية في العلوم السياسية بجامعة الرباط شريفة لموير قالت في تصريحات لصحيفة "العرب" اللندنية: إنّ موقف المصباح هو محاولة مكشوفة للعزف على وتر المشاعر القومية للقضية الفلسطينية، واصفة بيان وزارة الخارجية المغربية بـ"الواقعي"، مستدركة "إلا أنّ قيادة العدالة والتنمية المهووسة بالسلطة، وبالعودة إلى الحكم وذراعها الدعوية، حركة التوحيد والإصلاح، أظهرت مواقف صدامية ومزايدة غير مسبوقة"، لافتة إلى أنّ هذا الموقف يبدو مختلفاً عن مواقف الحزب من الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، طيلة العشرية التي كان فيها الحزب الإخواني مهيمناً على السلطة، وممسكاً بزمام الأمور، حيث كان خطابه أقلّ صدامية.

وأضافت الباحثة لموير: "موقف العدالة والتنمية، رداً على بلاغ وزارة الخارجة، لا يعدو أن يكون محاولة للعزف على وتر المشاعر القومية للقضية الفلسطينية، لجذب تعاطف المغاربة داخلياً؛ بعد التراجع الذي سجله الحزب سياسياً وانتخابياً، وأيضاً بعث رسالة لحركات الإسلام السياسي خارجياً، يلفت فيها الانتباه إلى أنّه، حزبياً، ما يزال موجوداً، وله مواقف خاصة".

شريفة لموير: موقف حزب المصباح هو محاولة مكشوفة للعزف على وتر المشاعر القومية للقضية الفلسطينية

وفي تصريحاته لـ"حفريات" علّق الدكتور محمد الفرجاني الباحث المصري في الشؤون العربية، على الموقف الأخير لحزب العدالة والتنمية، مؤكداً أنّه لا ينفصل عن مواقف بنكيران الأخيرة، التي تتصف بـ"الارتباك السياسي الشديد، والتناقض الفج مع مواقفه السابقة" منوهاً إلى أنّ الخارجية المغربية "أصدرت بياناً متوازناً، في ظل وجود اتفاقيات مع إسرائيل، صدّق عليها حزب العدالة والتنمية نفسه، والذي أسهم بدوره في انتهاج تلك اللغة التي راعت في الوقت نفسه التأكيد على المواقف الثابتة للرباط من القضية الفلسطينية، وطالب البيان بشكل واضح بدولة فلسطينية مستقلة، باعتبار أنّ ذلك أمراً غير قابل للمناقشة".

 

الفرجاني: اللغة التي استخدمها "المصباح" في هجومه على بيان الخارجية المغربية لا تختلف عن جملة السياسات الانتهازية للحزب الإخواني، في محاولة يائسة لاستعادة شعبيته المنهارة

 

ويلفت الفرجاني إلى أنّ القضية الفلسطينية كانت دوماً وسيلة الإخوان وأحزابهم للمتاجرة وجني مكاسب سياسية، واقتصادية أيضاً عن طريق التبرعات الطائلة، وهو الأمر الذي استفاد منه إخوان المغرب جيداً، ونجحوا في استثماره، لكنّ حزب العدالة والتنمية أصبح مكشوفاً على ساحة القضية الفلسطينية، بعد أن جمّدت الأحزاب العربية في كانون الثاني (يناير) 2020 عضوية الحزب، حين أعلن الأمين العام للمؤتمر العام للأحزاب العربية قاسم صالح انّ "تجميد عضوية الحزب المذكور آنفاً، تمّ عملاً بالميثاق والنظام الداخلي"، ووفقاً للأمانة العامة للمؤتمر العام للأحزاب العربية فإنّ "تجميد عضو مؤتمرها وأمانتها العامة، حزب العدالة والتنمية في المغرب، ممثلاً بسعد الدين العثماني، الوزير الأول في المغرب، جاء بسبب انخراطه في مسار التطبيع، وذلك في خرق واضح وصريح لميثاق مؤتمر الأحزاب العربية، وفي موقف أدانته بشدة؛ لأنّه يفرّط بالحقوق العربية عامة، والفلسطينية خاصة".

وعليه، فإنّ اللغة التي استخدمها "المصباح" في هجومه على بيان الخارجية المغربية "لا تختلف عن جملة السياسات الانتهازية للحزب الإخواني، في محاولة يائسة لاستعادة شعبيته المنهارة".

مواضيع ذات صلة:

إخوان المغرب بعد الانتكاسة: الهروب إلى الخطاب الدعوي

بنكيران الباحث عن دور جديد يصطدم باليسار المغربي

إخوان المغرب يتحيّنون الفرصة للانقضاض على الحكومة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية