إرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا يتمدد ولا ينحسر

إرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا يتمدد ولا ينحسر

إرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا يتمدد ولا ينحسر


29/03/2023

يتضح من خلال سير العمليات الإرهابية خلال الشهور الماضية انتقال الجماعات الإرهابية في أفريقيا إلى مواطن جديدة، وأنّها ما تزال تتركز وفق استراتيجيات "حرب الاستنزاف" و"الحرب الاقتصادية" التي تهدف إلى إضعاف العدو من خلال استراتيجية تشمل: هجمات بارزة ضد رجال أو مؤسسات حكومية أو رمزية، بما في ذلك الخلايا النائمة التي تقوم بهجمات قليلة ولكنّها تستهدف المؤسسات، الكمائن، نقاط التفتيش المؤقتة، عمليات الخطف، العبوات الناسفة، الهجمات الصغيرة على حقول النفط والمناجم.

خريطة الانتشار الداعشية بأفريقيا

تراجعت الحالة الصدامية بين داعش والقاعدة التي كانت نشطة في الصحراء الكبرى (جنوب ليبيا - مالي - النيجر - بوركينا فاسو) إلى أدنى مستوياتها، وأدى ذلك إلى انتقال قوة العمليات الإرهابية إلى أماكن جديدة عن الأعوام الماضية مثل؛ بحيرة تشاد، وموزمبيق، والكونغو، التي تم الهجوم فيها على سجن "كاكوانجورا" العام الماضي، ووسط أفريقيا بشكل خاص، واستمرار النشاط الإرهابي في غرب أفريقيا بالمعدل نفسه.

وبالنظر إلى التنظيمات في أفريقيا سنجدها على الأرض عبارة عن مجموعات وكتائب وجماعات كبرى مختلفة التوجهات والولاءات والإيديولوجيات، وتتغير تحالفاتها وولاءاتها كل فترة، وبعضها في حالة انتماء شكلي للقاعدة أو داعش، على سبيل المثال كتيبة (طارق بن زياد) التي رفضت في مالي التبعية للقاعدة، لكنّها بعد أعوام أعلنت بيعتها بعد تعيين (نبيل أبو علقمة) أميراً لها، وأيضاً جماعة (أنصار الدين) التي تشكّلت في مالي لأسباب دينية وقومية وعرقية وأعلنت بيعتها للقاعدة.

يتشكّل تنظيم داعش من مجموعة من الفروع التي يطلق عليها ولايات، وهي كالتالي:

 أ) ولاية الصحراء الكبرى التي تضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد: تراجع نشاط ولاية الصحراء عقب مقتل أبو الوليد الصحراوي العام الماضي، إلا أنّ نشاطه عاد مؤخراً، خاصة عقب انضمام أفراد التنظيم من جنوب ليبيا إليه، وفرارهم شمال النيجر وتشاد وهي مناطق حدودية غير مسيطر عليها.

تراجعت الحالة الصدامية بين داعش والقاعدة التي كانت نشطة في الصحراء الكبرى إلى أدنى مستوياتها

وأصبح عناصر داعش، وفرعه (ولاية غرب أفريقيا)، يفضلون استخدام الأماكن التي يسيطر عليها فرع ولاية الصحراء في الانتقالات، وهو طريق "ليبيا - الجزائر - مالي - النيجر ـ نيجيريا"، بدلاً من الممر المباشر (والأقرب) بين ليبيا والنيجر ونيجيريا، وفي غياب أيّ تنسيق أمني ليبي جزائري وضعف النيجر وتشاد، وجد عناصر تنظيم داعش هامش مناورة كبيراً في هذه المنطقة الصحراوية الشاسعة والصعبة.

وتشير مصادر إعلامية متنوعة إلى أنّ بلدة  (أزواغ) على الحدود بين النيجر ومالي يتواجد فيها التنظيم، وهي مدينة تقطنها غالبية من الطوارق (الأزواد) والعرب، كما أنّه وفق تقديرات معهد الدراسات الأمنية (ISS) فإنّ عناصر التنظيم ينتشرون في أغاديس، وأندريامبوكاني الواقعة على الحدود (مالي والنيجر).

ب) ولاية ليبيا، حيث عاد نشاط داعش في البروز من جديد في المدن الجنوبية مثل سبها، وفي آذار (مارس) 2022 تم نشر المواد الفوتوغرافية لقسم الولاء لزعيم داعش الجديد، ثم ظهر مقطع فيديو مدته حوالي (4) دقائق مع محاور غير ليبي، وهو أبو ثابت المهاجر، حيث ظهر بين (3) خلايا مسلحة مختلفة (تتألف كل واحدة من 16إلى 20 مسلحاً) ، مسلحين بشكل خفي ببنادق AKM من النوع 56 وAK-103، وسترات واقية من الرصاص، وسترات مموهة مع ناقلات ذخيرة، وما لا يقل عن (12) سيارة تويوتا، وفي 24 نيسان (أبريل) نشرت وسائل الإعلام الرسمية لداعش صوراً لمسلحين في المحافظة الليبية خلال فترة رمضان.

وينتشر تنظيم داعش الآن في مرزق ومناطق أم الأرانب وتجرهي، وفي المناطق الصحراوية الشاسعة والجبال العالية في جنوب القطرون، ومدينة فزان.

ج) ولاية موزمبيق، وتعتبر هي والكونغو من أكبر مسارح عمليات تنظيم داعش في أفريقيا الآن، بعد أن نجح في تكوين وتشكيل شبكات له، باتت قادرة على تنفيذ عمليات إرهابية واسعة النطاق، وتحالف مع حركة الشباب الموزمبيقية.

ويقوم التنظيم بعمليات شبه يومية الآن، بل كشف الجيش الموزمبيقي عن استخدام التنظيم لطائرات مسيرة كانت تستخدم أنظمة RF Technologies MCTECH الإسرائيلية، وكان الغرض من تلك الطائرات جمع المعلومات الاستخباراتية، وأيضاً شن هجوم على الجيش في شمال البلاد.

لا ينشط تنظيم داعش كثيراً في دول المغرب العربي، لكنّه مؤخراً قام بعمليات متزامنة في تونس والجزائر والمغرب

ومعضلة القضاء على التنظيم في موزمبيق تتمثل في عدم القدرة على التمييز بين الجماعات والسكان الأصليين، لأنّهم من سكان المدن في شمال البلاد، وأيضاً بسبب سهولة اندماج الجماعات المتشددة مع السكان. وتستغل الجماعات الإرهابية المزارعين والصيادين في تجنيدهم والانخراط كمقاتلين في صفوفهم، مستفيدة في ذلك من العداوة والغضب اللذين يشعر بهما هؤلاء السكان نتيجة عدم استفادتهم من الاستثمارات الأجنبية الضخمة في مناطقهم منذ أن اكتشفت شركة توتال الفرنسية في مياه البحر احتياطيات ضخمة من البترول والغاز الطبيعي (المسال) منذ أكثر من (5) أعوام، خاصة في شبه جزيرة (أفونجي) التي تبعد (80) كم إلى الشمال.

د) ولاية الكونغو، وقد وصل التنظيم إلى مدينة بوزن بوتمبو، وقام بالهجوم على أحد السجون، وسيطر على بعض المناجم، ووفق المصادر الإعلامية ففي الـ (15) يوماً الماضية سقط (21) قتيلا في (12) هجوماً لداعش، حيث ينشط بشكل كبير جداً في الكونغو، التي تعتبر الآن هي وموزمبيق من أكبر الأماكن التي ينشط فيها الإرهاب.

هـ) ولاية المغرب العربي، يتواجد تنظيم داعش في الحدود الغربية الليبية الملتصقة بجبل الشعانبي الوعر في تونس، حيث يضمن طرق تهريب الأسلحة والمتفجرات التي تمتد من الشمال إلى الجنوب، من البحر الأبيض المتوسط إلى الحدود الليبية مع النيجر.

ولا يمر أسبوع دون القبض على عناصر من القاعدة وداعش في تونس، مثل الإرهابيَّيْن حمزة بن سالم العائب، والهادي بن ضو الغويل، المطلوبَين في تونس، ومحمد التواتي.

ولا ينشط تنظيم داعش كثيراً في دول المغرب العربي، لكنّه مؤخراً قام بعمليات متزامنة في تونس والجزائر والمغرب، ولربما ذلك يوحي بأنّ داعش ربما تمكن من جمع بعض شتاته، ويستعد لتوسيع دائرة نشاطه، خارج مناطق تمركزه في شمال شرق نيجيريا وبحيرة تشاد، وليس من المستبعد أن تكون هذه العمليات المتزامنة في المنطقة المغاربية جاءت من جهة مركزية واحدة، وفي الجزائر يغيب داعش لصالح تنظيم القاعدة المتواجد في الجنوب، وكذا في المغرب الذي فكّك خلية (الموحّدون) التابعة لداعش مؤخراً.

و) ولاية الصومال: يعتبر فرع داعش في الصومال أقل قوة من حركة شباب الإسلام التابعة للقاعدة، ووفق مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022، فإنّ حركة الشباب نفذت 89% من إجمالي الهجمات الإرهابية في الصومال خلال العام الماضي، بينما نفذ داعش أقل من 10% من الهجمات في الفترة نفسها، وقد حاول الفرع المحلي لداعش في الصومال أن يُحاكي حركة الشباب في نمط العمل، لا سيّما في ما يتعلق بفرض الضرائب والزكاة على الأنشطة المختلفة في مناطق نشاطه بشمال شرقي الصومال، واستفاد أيضاً من الروابط العشائرية في الصومال، خاصة مع عشيرة (الماجرتين) التي ينحدر منها غالبية مقاتلي التنظيم.

داعش غرب أفريقيا، هو من أكبر الفروع نشاطاً في أفريقيا

وحرص الفرع الداعشي على إظهار ارتباطه بالتنظيم المركزي في مناسبات عدة، كان آخرها إعلانه بيعته لزعيم خليفة التنظيم الجديد، أبو الحسن الهاشمي، الذي أدى مقاتلو داعش في الصومال يمين الولاء له، بمجرد الإعلان عن اختياره وتنصيبه أميراً جديداً خلفاً لسلفه (أبو إبراهيم الهاشمي القرشي).

ز) داعش غرب أفريقيا، هو من أكبر الفروع نشاطاً في أفريقيا، وقد لقي نائب الأمير أمينو دني، المسؤول عن هجمات استهدفت عدة دول بدول الساحل والصحراء، مصرعه خلال اجتماع لعناصر التنظيم في قصف جوي نفذه الجيش النيجيري في ولاية بوسط البلاد.

وقد اكتسب فرع داعش في غرب أفريقيا وزناً داخل التنظيم الأم في الأعوام الأخيرة، لدرجة أنّ مقتل زعيمه أبو إبراهيم الهاشمي القرشي حدث في 3 شباط (فبراير)الماضي، وفي العاشر من الشهر نفسه، عُلِم أنّ زعيم داعش في غرب أفريقيا، حبيب يوسف، الملقب أبو مصعب البرناوي، قد سافر إلى سوريا، لأنّه عضو في مجلس شورى داعش عن أفريقيا.

القاعدة على النسق الداعشي نفسه

يتركز نشاط القاعدة في المناطق الحدودية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو أو وسط الساحل، والذي يطلق عليه (مثلث ليبتاكو غورما)، في منطقة أصبحت مركز نشاط المجموعات المتطرفة العابر للحدود حالياً، ويُعتبر هذا النشاط خليطاً بين ميليشيات متعددة، أهمها القاعدة ممثلة في جماعة نصرة الإسلام، وداعش.

ويعتقد أنّ مقتل قيادات التنظيمات الإرهابية وارد بشكل مستمر، إلا أنّه لا يعني انتهاء التنظيم، وفي حالة دول الساحل يزداد الأمر تعقيداً أمام الحلول العسكرية أيضاً، وهو أنّ هناك أسباباً متعددة تمنع ذلك وأهمها الخريطة المعقدة للتنظيمات الإرهابية.

ويتواجد أحد المرشحين لخلافة الظواهري إياد أغ غالي في شمال مالي، وهو زعيم قبلي ورئيس لجماعة أنصار الدين، وعادت جماعة بوكو حرام الآن إلى القاعدة، وهي تنشط الآن في شمال الكاميرون والنيجر وتشاد.

كما تبرز مجموعة أنصار الإسلام كمجموعة من المقاتلين في بوركينا فاسو، ولها نشاط كبير خلال الشهور الماضية، التي تتداخل فيها عملياتها مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، خاصة في بعض المناطق المحيطة بتمبكتو بمالي.

وتنشط مؤخراً (جبهة تحرير ماسينا التابعة للقاعدة) التي تضم مختلف مكونات أزواد العرقية، وانضم إليها مجموعة من مقاتلي الأقلية الفولانية المتمردين على الحكومة المالية والراغبين في الانفصال عن الدولة المركزية في العاصمة باماكو مالي، لكن سرعان ما حدث انفصال مع حركة تحرير أزواد، فانضموا إلى حركة أنصار الدين ذات التمدد المحلي والعرقي، ذات  "التوجه الجهادي"، وانقسمت حركة أنصار الدين التي كانت تسيطر على المشهد إلى عدة حركات كان أبرزها (كتيبة تحرير ماسينا) بقيادة أمادو جالو، وانضم إليها آلاف من المقاتلين الفلانيين الذين كانت حركة أنصار الدين تعتمد عليهم في السابق، وتطورت صلاتهم مع مرور الوقت مع أبناء أقليتهم الذين يشعرون بالتهميش، وهو ما مكّن الكتيبة بعد عدة مواجهات مع الجيش المالي من إقناع العشرات من أبناء الفلانيين بالالتحاق بها .

كما تنشط القاعدة الآن في بنين وتوغو، ممّا يشكّل أبرز تهديد من إمكانية نقل التنظيم نشاطاته من منطقة الساحل الجافة إلى دول خليج غينيا ذات المناخ الرطب والغابات الكثيفة.

ويعتبر أكبر فروع القاعدة في أفريقيا في الصومال (حركة شباب الإسلام)، واللافت أنّ حركة (الشباب) تمكنت من الوصول إلى العمق الأثيوبي، ونفذت العام الماضي عملية نادرة، حيث قتلت أكثر من (100) عنصر من الأمن.

تنشط القاعدة الآن في بنين وتوغو

أمّا في السودان، فيوجد عدد من المؤشرات المهمّة التي تكشف عن تصاعد أنشطة تنظيمي داعش والقاعدة في البلاد، ومن أبرزها ما يلي: إعلان القيادي في تنظيم (حراس الدين) التابع لتنظيم القاعدة بسوريا والملقب بـ (أبو حذيفة السوداني)، منذ 3 شهور، عن تطلع التنظيم لتمديد نفوذه داخل السودان، حيث قام بتأليف كتاب له تحت عنوان "الأمير المنسي"، دعا لتشكيل خلايا جهادية وكتائب وتشكيلات عسكرية وتأسيس جبهة قتال داخل السودان خلال الفترة القادمة، وإضعاف القوات المسلحة داخل السودان، واستهداف المؤسسات الاقتصادية التابعة للجيش السوداني.

وتزامنت دعوة (أبو حذيفة السوداني) لتشكيل تشكيلات عسكرية تابعة لتنظيم القاعدة داخل السودان مع عدد من التطورات السياسية والأمنية المهمّة؛ من أبرزها: إفراج السلطات السودانية عن أحد قادة تنظيم القاعدة ويُدعى (محمد سليمان النافع) الملقب بـ (أبو مصعب السوداني) الذي كان متهماً بتنفيذ تفجيرات وأعمال إرهابية، من بينها ضلوعه في إسقاط طائرة (البلاك هوك) الأمريكية في الصومال.

وتوجد جملة من الأسباب التي تمثل دافعاً لتنظيمي القاعدة وداعش للتواجد بالسودان، ومن أبرزها ما يلي: عدم الاستقرار السياسي، واضطراب الأوضاع الأمنية، وتراجع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

ومما سبق، فإنّ التنظيمين الإرهابيين الكبيرين ليس من المرجح تراجع عملياتهما في أفريقيا، بل إنّهما يتمددان بشكل لافت بسبب جملة من العوامل الاقتصادية والأمنية والسياسية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية