إسرائيل تغيّر أسماء الشوارع في القدس: الباب والحرّاس والأجراس لي

إسرائيل تغيّر أسماء الشوارع في القدس: الباب والحرّاس والأجراس لي


28/10/2021

في سياق فرض روايتها الصهيونية، وتزوير هوية المدينة العربية والإسلامية، ومحاولة تزييف طابعها الثقافي والحضاري، تعمل سلطات الاحتلال على تغيير الأسماء العربية والإسلامية لشوارع القدس المحتلة وأزقّتها، واستبدال هذه الأسماء بأخرى يهودية، لإضفاء الشرعية على وجودها في فلسطين، ونفي الرواية الفلسطينية، وتوثيق الرواية الإسرائيلية. لكن ذلك لا يمكن أن يغيّر التاريخ مهما تغطرس الاحتلال، فكما قال الشاعر محمود درويش في "الجدارية":

"هذا البحرُ لي
هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي
هذا الرصيفُ وما عَلَيْهِ
من خُطَايَ وسائلي المنويَّ... لي
ومحطَّةُ الباصِ القديمةُ لي. ولي
شَبَحي وصاحبُهُ. وآنيةُ النحاس
وآيةُ الكرسيّ، والمفتاحُ لي
والبابُ والحُرَّاسُ والأجراسُ لي
لِيَ حَدْوَةُ الفَرَسِ التي
طارت عن الأَسوار... لي
ما كان لي. وقصاصَةُ الوَرَقِ التي
انتُزِعَتْ من الإنجيل لي
والمْلحُ من أَثر الدموع على
جدار البيت لي...".

ويمتدّ تاريخ البلدة القديمة في قلب مدينة القدس المحتلة إلى آلاف السنين، وفيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وهي تتعرض منذ احتلالها من قبل الإسرائيليين، عام 1967، لحملات تهويد متعاقبة تأخذ أشكالاً مختلفة وتستهدف كلّ معالمها، بما فيها المقدسات.

 

اقرأ أيضاً: هل ينجح "الإرباك الليلي" في اقتلاع المستوطنين من جبل صبيح؟

وتبلغ مساحة البلدة القديمة نحو 900 دونم (الدونم ألف متر)، أي ما نسبته 0.71% من المساحة الكلية للمدينة بشقيها الغربي المحتل عام 1948، والشرقي المحتل عام 1967، وفي حال إتمام إسرائيل خطتها القاضية بتوسيع حدود القدس لتصبح 600 كيلومتراً مربعاً، ستتقلص مساحة البلدة إلى أقل من 0.15% من المساحة الكلية.

ويصل عدد الأماكن التي غيرت سلطات الاحتلال أسماءها منذ تأسيس الدولة الصهيونية قبل 73 عاماً إلى نحو 80 ألف مُسمّى في مختلف المناطق الفلسطينية المحتلة، بحسب رئيس مؤسسة بيت الذَّاكرة للتراث في مدينة الناصرة، البروفيسور مصطفى كبها، وتشمل الأماكن التي غيّر الاحتلال أسماءها مدناً وأودية وجبالاً وسهولاً وشوارع ومبانيَ وحواريَ وجاداتٍ وغيرها.

وأطلقت بلدية الاحتلال حملة لتهويد أسماء عددٍ من شوارع البلدة القديمة كان آخرها ما صدر عن قرارات "لجنة الأسماء" التابعة للبلدية، في 4 أيلول (سبتمبر)2021، بتغيير اسم طريق الوادي التاريخي إلى اسم تهويدي هو "ميدان هجفورا"، وللطريق أهمية تاريخية كبيرة، إذ يمرّ بمحاذاة السور الغربي للمسجد الأقصى.

استهداف الاحتلال الإسرائيلي للثقافة والتاريخ والهوية الفلسطينية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعمليات التهويد والتهجير والاستيطان بالقدس المحتلة، لتحويل المدينة المقدسة إلى أغلبية يهودية مقابل أقلية عربية

كما غيرت البلدية اسم طريق باب الأسباط إلى شارع "موطه"، نسبة إلى اسم الشهرة لشخصٍ يدعى "مردخاي غور"، الذي اقتحم البلدة القديمة من جهة باب الأسباط بالدبابات إبان احتلالها عام 1967، وتغيير اسم طريق رأس العمود إلى "معاليه هزيتيم"، وأقيمت في هذه المنطقة بؤرة استيطانية تحمل الاسم نفسه، وتبديل اسم الشارع الممتد من باب الخليل إلى باب العمود، إلى "طريق المظليين"، نسبة إلى المظليين الذين شاركوا في احتلال القدس عام 1967، واقتحموا المسجد الأقصى على أثر احتلال المدينة مباشرة.

يصل عدد الأماكن التي غيرت سلطات الاحتلال أسماءها منذ تأسيس الدولة الصهيونية قبل 73 عاماً إلى نحو 80 ألف مُسمّى

كما قامت البلدية بإطلاق أسماء حاخامات صهاينة على شوارع في قرية سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، وشملت 5 أزقة وشوارع صغيرة في حي بطن الهوى في سلوان، وصودق على إطلاق الأسماء الآتية: "عزرات نداحيم" و"هراف مدموني"، و"هراف أفراهام ألنداف"، و"هراف يحيى يتسحاك هليفي"، و"هراف شالوم ألشيخ هليفي".

 

اقرأ أيضاً: هل تتراجع إسرائيل حقاً عن إقامة مستوطنة على جبل صبيح في الضفة الغربية؟

وكانت اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)، قد أضافت مدينة القدس القديمة وأسوارها على قائمة التراث العالمي بناءً على طلب الأردن، وفي عام 1982 أدرجت على قائمة التراث المهدد، وبهذا الصدد نددت المنظمة بمحاولات التهويد وطالبت "إسرائيل" بعدم المساس بمعالم هذه البلدة.

جريمة خطيرة

ويرى نائب رئيس مجلس الأوقاف الإسلامية بالقدس، الدكتور ناجح بكيرات؛ أنّ "الاحتلال الإسرائيلي ماض في مخططاته الصهيونية ليس فقط بتهويد الأرض وتهجير السكان بمدينة القدس، بل تمتد سياساته العنصرية لتغيير أسماء أحياء البلدة القديمة إلى مسميات عبرية ويهودية"، موضحاً أنّ "3 آلاف و750 مسمى لأحياء وشوارع ومساجد ومعالم تاريخية، وغيرها، غُيِّرت مسمياتها من قبل الاحتلال على مستوى فلسطين كلها، بينما غيّر الاحتلال ألفاً و750 اسماً في مدينة القدس وحدها".

يرى نائب رئيس مجلس الأوقاف الإسلامية بالقدس، الدكتور ناجح بكيرات أنّ الاحتلال الإسرائيلي ماض في مخططاته الصهيونية ليس فقط بتهويد الأرض وتهجير السكان بمدينة القدس، بل تمتد سياساته العنصرية لتغيير أسماء أحياء البلدة القديمة

وتابع بكيرات: "ما ترتكبه بلدية الاحتلال هي جريمة خطيرة، تهدف لخلق روايات مزيفة للأجيال الفلسطينية والمقدسية الحالية والقادمة، بأنه لا توجد أيّة حضارة إسلامية بالمدينة، لتبدأ إسرائيل بحيز عبرنة الأسماء العربية، ومن ثم تنتقل لإحلال السكان اليهود والمستوطنين بدلاً من أصحاب الأرض الأصليين، بما يشكل خطورة على الميزان الديمغرافي، وعلى المشهد الحضاري والتاريخي للمدينة المقدسة".

تهويد وتزييف ممنهج

ولفت إلى أنّ "ما يجرى في مدينة القدس من تهويد وعمليات تزييف ممنهجة بحق السكان والأحياء العربية يأتي في ظلّ مرحلة من الانهزام تشهدها الأمة، وهو ما دفع السلطات الصهيونية لاستغلال هذه المرحلة في تنفيذ المزيد من عمليات التهويد والاستيطان والتهجير، وبثّ الروايات المزيفة بحقّ المدينة، وذلك لحسم الصراع الذي يمتد لسنوات طويلة على مدينة القدس، واعتبارها عاصمة لدولة الاحتلال".

 

اقرأ أيضاً: منزل عائلة فلسطينية في رام الله وحيداً في مواجهة المستوطنين

بكيرات أكّد أنّ "عبرنة الأسماء العربية أثّر بشكل سلبي على الأجيال الحالية بالقدس، وباتت المسميات اليهودية تتردد على ألسنة بعض الأشخاص الذين يجهلون الرواية التاريخية والإسلامية والحضارية للمدينة، وبات هناك نوع من الغباش أعمى بصيرتهم نحو الرواية الحقيقية، وهي سياسية صهيونية لضرب الذاكرة والثقافة لدى الأجيال الشابة"، مشيراً إلى أنّ "الرواية الصهيونية لم تقتصر على سكان القدس وحدهم، بل أصبحت تشمل مناطق واسعة بالضفة الغربية، من خلال تسمية بعض المحال والمنشآت التجارية التي يملكها فلسطينيون بمسميات عبرية، وهو ما عمّق الرواية الصهيونية، وأدّى إلى التأثير المتزايد على اللغة والثقافة العربية الفلسطينية".

وأشار بكيرات إلى أنّ "مواجهة الرواية الصهيونية المزيفة في حاجة إلى حاضنة سياسية وفكرية موحدة، ودعم عربي وإسلامي واسع، للمحافظة على اللغة العربية، حيث لا تكفي الشعارات والمشاريع وحدها في مواجهة السياسات الصهيونية، بل يتطلب الأمر وقوف جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي عند مسؤولياتها، لمحاكمة دولة الاحتلال على تغيير تلك الأسماء؛ لأنّ ما قامت به هو تحدّى واضح للأمتين العربية والإسلامية".

فرض رواية صهيونية مزيفة

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات، إنّ "الإجراءات التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية في مدينة القدس من خلال عمليات التهويد المستمرة، ومن بينها عبرنة الأسماء العربية، تأتي في سياق تغيير الطابع الجغرافي والديموغرافي والحضاري والتاريخي فيها، ونفي الرواية العربية الإسلامية والمسيحية بالمدينة، وتحويلها إلى مشهد تلمودي توراتي، بهدف محو الطابع الإسلامي والمسيحي الذي يميزها"، مبيناً أنّ "تغيير أسماء الشوارع والأزقة والأحياء  القديمة بالقدس بأسماء عبرية، هي سياسة صهيونية ليست بالجديدة، وتهدف إلى تزوير الحقائق والوقائع على الأرض، والاستمرار في مسلسل التهويد المنظم، لفرض الرواية الصهيونية المزيفة على المدينة المقدسة".

الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات:الإجراءات التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية في مدينة القدس من خلال عمليات التهويد المستمرة تأتي في سياق تغيير الطابع الجغرافي والديموغرافي والحضاري والتاريخي فيها

ويضيف عبيدات، لـ "حفريات": "الاحتلال الصهيوني يتبع أساليب وطرقاً مختلفة لتغيير أسماء الأحياء والشوارع العربية بالقدس، وتغيير المعالم المكانية بداخلها، من خلال إطلاق عدد من المسميات ذات الطابع اليهودي، مثل: شارع "السلطان سليمان القانوني"، والذي أطلق عليه الاحتلال اسم شارع "المظليين"، وتغيير اسم جبل الزيتون، إلى "هار هزيتيم، وغيرها من المسميات التي تهدف للسيطرة التاريخية والجغرافية على المدينة وتهويدها، وإضفاء صبغة دينية عليها".

وتابع: "استهداف الاحتلال الإسرائيلي للثقافة والتاريخ والهوية الفلسطينية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعمليات التهويد والتهجير والاستيطان بالقدس المحتلة، لتحويل المدينة المقدسة إلى أغلبية يهودية مقابل أقلية عربية ومتناثرة، لممارسة سياسة التطهير العرقي بحق سكانها، كما يظهر جلياً خلال الفترات الراهنة من عمليات تهجير ممنهجة لسكان أحياء الشيخ جراح وسلوان وبطن الهوى، لنفي الوجود العربي، وتغييب الهوية العربية الإسلامية للمدينة قسراً".

وبيّن الكاتب والمحلل السياسي؛ أنّ "المطلوب حالياً للحفاظ على الهوية التاريخية والثقافية والعربية للقدس هو ضرورة قيام كافة المؤسسات والقوى الشريفة بالأراضي الفلسطينية بعمل حملات توعوية وتثقيف للأجيال الشابة، بمشاركة المساجد والكنائس والمؤسسات التعليمية، للحفاظ على الهوية العربية والإسلامية للمدينة المقدسة، لمجابهة خطوات الاحتلال التصعيدية المتسارعة بحق القدس وسكانها".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية