إشارات تصعيد مستمرة بين واشنطن وبكين... هل تبدأ الحرب من تايوان؟

إشارات تصعيد مستمرة بين واشنطن وبكين... هل تبدأ الحرب من تايوان؟

إشارات تصعيد مستمرة بين واشنطن وبكين... هل تبدأ الحرب من تايوان؟


26/09/2022

لم تنخفض حدة التصعيد بين واشنطن وبكين منذ زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان في 2 آب (أغسطس) الماضي، وبالرغم من اللقاءات الدبلوماسية التي تمّت بين البلدين مؤخراً على مستوى وزراء الخارجية؛ لمحاولة التوصل إلى تهدئة لحالة التوتر المتصاعد، إلا أنّ تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، بشأن الدفاع عن تايوان حال تعرضها لهجمات من جانب بكين، قد أشعلت غضب الصين مجدداً، ليشهد الأسبوع الماضي مستوى غير مسبوق من الاتهامات والتراشق بين البلدين، مصحوباً بمخاوف دولية من احتمال اندلاع حرب بين القوتين الدوليتين الكبريين، حرب لن تضع أوزارها قبل أن تغير الواقع العالمي سياسياً، وستصل بالأزمة الاقتصادية إلى حد "الكارثة"، على حد وصف مراقبين.

وقال بايدن في مقابلة بثتها محطة "سي بي إس" الأحد الماضي: إنّ القوات الأمريكية على استعداد للدفاع عن تايوان في حال تعرّضها للهجوم من جانب الصين، واعتبر مراقبون التصريح خروجاً للمرة الأولى عن سياسة "الغموض الإستراتيجي"، التي لطالما تبنّتها واشنطن تجاه تايوان.

إشارات خطيرة

من جانبها، اتهمت الصين الولايات المتحدة بإرسال "إشارات خاطئة وخطيرة للغاية" إلى تايوان، بعد أن أبلغ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن نظيره الصيني وانغ يس خلال اجتماع لهما يوم الجمعة الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنّ الحفاظ على السلام والاستقرار في تايوان أمر بالغ الأهمية.

تجاهلت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، تحذيرات الصين وتهديداتها ووصلت إلى تايوان في إطار جولتها الآسيوية

وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان أعقب الاجتماع: إنّ الولايات المتحدة ترسل "إشارات خاطئة وخطيرة للغاية" في شأن تايوان، وإنّه كلما زاد نشاط استقلال تايوان، قلّ احتمال التوصل إلى تسوية سلمية، ونقلت صحفة "الإندبندنت" بالعربية عن البيان قوله: إنّ "قضية تايوان شأن صيني داخلي، ولا يحق للولايات المتحدة التدخل في الطريقة التي يتم استخدامها لحلها".

وقد تحدث مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية للصحافيين حول الأمر، وقال: إنّ "تايوان كانت محور حديث صادق ومباشر استمر بين الوزيرين مدة (90) دقيقة، مؤكداً أنّ "السلام والاستقرار عبر المضيق أمر مهم للغاية للحفاظ على السلام والاستقرار، وفقاً لسياسة صين واحدة التي تنتهجها الولايات المتحدة منذ زمن ولم تتغير".

هل تنزلق الولايات المتحدة والصين إلى حرب في تايوان؟

على الرغم من تنامي التوتر على كافة المستويات بين الصين والولايات المتحدة، لا ترجح غالبية التقديرات أن تقع حرب بين الطرفين، وبحسب الكاتب والمحلل السياسي مايكل أوهانلون في صحيفة "ذا هيل": "يستحيل وقوع الصراع المسلح بين القوتين النوويتين لعدة أسباب، سياسية واقتصادية وجيوسياسية، ويعتبر أنّ قرار الحرب خطأ كارثي، لا تسعى إليه كل من واشنطن وبكين".

وفي تعليقه على تصريحات الرئيس الأمريكي، يطرح الكاتب والمحلل السياسي المصري إميل أمين سؤالاً محورياً حول الهدف منها، وهل جاءت زلّة لسان أم أنّها عبّرت عن إستراتيجية أمريكية واضحة ومؤكدة قوامها الصدام مع الصين في لحظة بعينها وبغرض قطع الطريق أمام صعودها المنتامي؟

خبير في العلاقات الدولية: التوتر حول تايوان يفيد أمريكا وحلفاءها، حيث يرفع التوتر أسعار الشحن والتأمين على كل البضائع الصينية التي تمر في بحر الصين الشرقي وبحر اليابان وخليج تايوان وصولاً إلى مضيق ملقا

 

ويقول أمين في مقاله المنشور في صحيفة "الشرق الأوسط" تحت عنوان: "بايدن ـ تايوان... وكعب أخيل الصيني": إنّه "قبل مباشرة الجواب، ربما يتعين علينا التطلع إلى المشهد العسكري الصيني، الذي يشي بأنّ الصينيين يستعدون بالفعل لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا كان حديث القوة النووية الصينية يملأ الأرجاء في الآونة الأخيرة، فإنّ ما لم يطرح كثيراً هو شأن القوى البحرية الصينية التي باتت تقلق الجانب الأمريكي، الذي اعتبر أنّ سيطرته على البحار، تكفل له تلقائياً السطوة على اليابسة".

ويضيف: "في منتصف حزيران (يونيو) المنصرم دشنت الصين ثالث حاملة طائرات، وسط اهتمام لافت من غرمائها الغربيين والآسيويين على حد سواء، وهي الحاملة الأكثر تقدّماً بشكل كبير مقارنة بالحاملتين السابقتين، ويُعتقد أنّها مزودة بأنظمة قتالية جديدة، يقول الخبراء إنّها تلحق بالولايات المتحدة بسرعة".

ويشير الكاتب إلى تنامي القوة العسكرية والاقتصادية للصين، وفي المقابل القلق الأمريكي، باعتبارها عاملاً محورياً في تأجيج الصراع بين الدولتين، لكنّه يبقي الاحتمالات الخاصة بوقوع الحرب مفتوحة.

إميل أمين: ما لم يطرح كثيراً هو شأن القوى البحرية الصينية التي باتت تقلق الجانب الأمريكي

وبحسب أمين، أوردت قراءة أخيرة نشرتها صحيفة "ذا ديبلومات" لـ "جوشوا كورلانتزيك"، زميل أول في مجلس العلاقات الخارجية والمختص في شؤون جنوب شرق آسيا، أنّ هناك نوايا غربية عامة وأمريكية خاصة لجهة وقف هيمنة الصين، واستغلال اللحظة الآنية بما فيها من إشكاليات سواء اقتصادية أو عسكرية أو اجتماعية في الداخل الصيني، لبدء إدخال الصين في دوامة من القلاقل تفقدها تركيزها على الصعود عالياً".

هل ثمة أهداف أخرى للتحركات الأمريكية؟

يرى الخبير المختص في العلاقات الدولية الدكتور أيمن سمير أنّ نظرية "الغائية" تجيب عن السؤال الذي يطرحه الكثير من الباحثين والخبراء حول أهداف التحركات الأمريكية الأخيرة، وأيضاً التصريحات الخاصة بتايوان.

وفي تحليل مطول نشره "المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية" يقول سمير: إنّ  "نظرية "الغائية" تجيب عن هذا السؤال ، فلا يمكن أن تقوم واشنطن بكل هذه الإجراءات دون أهداف قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى".

وبحسب سمير تأتي أول هذه الأهداف فيما يُعرف باسم "إدارة التوتر"، موضحاً أنّه "يبدو للوهلة الأولى أنّ الولايات المتحدة تقوم بخطوات متعارضة ومتضاربة مع الصين، لكنّ هذه السياسة ليست كذلك؛ فالخطوات الأمريكية محسوبة تماماً ودقيقة جداً، وينفذها المسؤولون التنفيذيون بالتزام كامل، وتهدف هذه السياسة إلى "استمرار التوتر" قرب أبرز المنافذ البحرية للصين.

سمير: يرى البيت الأبيض أنّ نشر التوتر حول الصين يكفي جداً لتحقيق الأهداف الأمريكية بمنع الصين من الوصول إلي مكانة الدولة الأولى عالمياً من حيث الناتج القومي والقوة الاقتصادية.

 

ويضيف: "في الوقت نفسه تعمل هذه السياسة على "إدارة التوتر"، بمعنى عدم الانزلاق من "التوتر" إلى "الصراع المباشر"؛ لأنّه طبقاً لأرقام عام 2019 قبل جائحة كورونا فإنّ الناتج القومي الصيني يصل إلى نحو (13.4) تريليون دولار، بينما الناتج الأمريكي وصل وقتها إلى نحو (20.5) تريليون دولار، ونظراً لإدراك واشنطن أنّ الحرب المباشرة مع الصين لن تكون في صالح الجميع، يرى البيت الأبيض أنّ نشر التوتر حول الصين يكفي جداً لتحقيق الأهداف الأمريكية بمنع الصين من الوصول إلى مكانة الدولة الأولى عالمياً، من حيث الناتج القومي والقوة الاقتصادية التي هي أبرز عناصر "القوة الشاملة" في صراع الدول.

 ولهذا تعتقد واشنطن، بحسب الخبير المصري، أنّ التوتر حول تايوان يفيد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الغربيين؛ حيث يرفع التوتر أسعار الشحن والتأمين على كل البضائع الصينية التي تمر في بحر الصين الشرقي وبحر اليابان وخليج تايوان وصولاً إلى مضيق ملقا،  وهو ما يؤدي إلى رفع أسعار البضائع والحاويات الصينية، وهو الأمر الذي سوف يقود إلى نتيجتين في صالح الولايات المتحدة؛ بحث المستهلكين عن بضائع من مناطق أكثر استقراراً، أو التحول إلى البضائع الغربية التي سيصبح سعرها أقرب إلى البضائع الصينية التي زاد عليها ثمن الشحن والتأمين بفعل عامل التوتر، وعملياً نجحت هذه السياسة الأمريكية في تراجع النمو الصناعي الصيني بداية من عام 2022 وفق الحكومة الصينية نفسها.

مواضيع ذات صلة:

الحكمة الصينية.. آن أوان الالتفات شرقاً

"جزر سليمان".. حلقة جديدة من الصراع الأمريكي الصيني.. ما السيناريوهات المرتقبة؟

ما مستقبل الانفتاح الصيني على دول الشرق الأوسط؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية