إلى أين تمضي إيران تحت قيادة إبراهيم رئيسي؟

إلى أين تمضي إيران تحت قيادة إبراهيم رئيسي؟


28/06/2021

بدا فوز إبراهيم رئيسي، في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي وصفت بأنّها "غير تنافسية"، على خلفية استبعاد العديد من الأسماء المهمة، في التيارين؛ الإصلاحي والمعتدل، يطابق كافة التوقعات والتحليلات، التي رجحت وصول المرشح المحافظ والأصولي، البالغ من العمر 60 عاماً، إلى قصر سعيد آباد في طهران بـ"التزكية"؛ إذ إنّ هندسة الانتخابات نجحت في تحقيق أهداف المرشد الإيراني، والكتلة الصلبة داخل النظام، رغم نسبة التصويت المتدنية، والتي بلغت 48.8%، مقارنة بانتخابات العام 2017؛ حيث بلغت نحو 73% ومن المفارقات القائمة في الاستحقاقين الانتخابيين، أنّ رئيسي خسر أمام روحاني قبل نحو أربعة أعوام، بفارق أصوات كبير؛ حيث لم يحصل سوى على 16 مليون صوت، في حين نجح في الاستحقاق الأخير بأكثر من 17 مليون صوت و800 ألف.

ماض ملطخ بالدم

وبمجرد إعلان إسماعيل موسوي، المتحدث باسم لجنة الانتخابات الرئاسية الإيرانية عن فوز رئيسي، تعددت السيناريوهات والتكهنات، بخصوص الاتجاهات الجديدة والمحتملة لسياسة طهران الخارجية، وتأثيرات وصول المرشح القريب من المرشد الإيراني على الملفات الإقليمية الساخنة؛ في اليمن والعراق وسوريا، واللافت أنّ فوز رئيسي، تزامن مع تصريحات أوروبية، تشير إلى تعثر، أو بالأحرى، وجود تعقيدات في المفاوضات في فيينا، التي تهدف إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي، خاصّة مع الجولة السادسة المرتقبة، كما أنّ الرئيس الإيراني الجديد مصنف على لائحة العقوبات الأمريكية؛ بسبب اشتراكه في "لجنة الموت"، التي نفذت فتوى الإمام الخميني، التي قضت بإعدام آلاف المعارضين في السجون الإيرانية، خلال ثمانينيات القرن الماضي.

وعقبت منظمة العفو الدولية على نتيجة الانتخابات الإيرانية، مؤكّدة أنّ "وصول رئيسي إلى الرئاسة، بدلاً من إخضاعه للتحقيق في جرائم ضد الإنسانية، وجرائم قتل وإخفاء قسري وتعذيب، هو تذكير قاتم بأنّ الإفلات من العقاب يسود في إيران، خاصّة وأنّه انخرط في (لجان الموت)، كما كان يحتل منصب معاون المدعي العام للمحكمة الثورية في طهران، العام 1988، وقد تورّط في تنفيذ عمليات قمع واسعة، بحق آلاف المعارضين المعتقلين، تراوحت بين إخفاء قسري، وإعدامات خارج نطاق القضاء، بشكل سري".

كمال الزغول: فوز رئيسي، في هذا التوقيت، يعتبر علامة فارقة؛ حيث تشهد المنطقة توتراً هائلاً، خاصّة في اليمن وسوريا والعراق

في هذا السياق، يشير الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور كمال الزغول، إلى أنّ فوز ابراهيم رئيسي، في الانتخابات الرئاسية الإيرانية في هذا التوقيت، يعتبر علامة فارقة في هذا العقد من الزمن؛ حيث تشهد المنطقة توتراً هائلاً، خاصّة في اليمن وسوريا والعراق، ما يعطي مؤشراً أنّ السياسة الإيرانية، ستكون بين متشدد يريد الانتقام لسليماني، والعالم النووي زاده، وبين فريق تفاوض يريد التهدئة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ملفات عاجلة في انتظار رئيسي

ويضيف الزغول لـ "حفريات": "فوز رئيسي، يجعل أولويات السياسة الإيرانية، تبدأ من "ملف الاتفاق النووي؛ حيث نجد أنّ المفاوضات تمضي قدماً في فيينا، وبالتالي يتعين عليه متابعة التفاوض، حتى التوقيع على اتفاق نووي لرفع العقوبات عن إيران، ثم إعطاء حرية تجارية خاصّة فيما يتعلق ببيع النفط للخارج؛ لتأمين الوضع الاقتصادي الداخلي، وسيرجع قرار المفاوضات إلى المرشد الأعلى، وفي حال تم التوقيع على الاتفاق، سينعكس ذلك على المنطقة برمّتها، بما فيها سوريا واليمن، لكن ليس من المتوقع أن تضع إيران سلاحها في سوريا واليمن والعراق ولبنان".

من ناحية السياسة الإيرانية المتوقعة في اليمن، نجد أنّ الأمر في هذا الملف الساخن سيمضي بحسب نتائج ومسارات المفاوضات المتعلقة بالملف النووي، وكذا تغيير سلوك إيران في المنطقة، وهو الأمر الذي أفصح عنه وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، وقد شدّد على ضرورة "تغيير طهران سلوكها العدائي والخبيث في المنطقة"، ولذلك يقول الزغول: "وهنا ركز على اتفاق الرياض لوقف إطلاق النار، ومن المتوقع أن تحدث مفاوضات حول اليمن؛ كأولوية بعد توقيع الاتفاق النووي، لكن التهدئة في اليمن تعتمد على قبول الحوثيين مبدأ التفاوض، والرضوخ لشروط ما بعد الاتفاق النووي، وبالنسبة لسياسة الرئيس الإيراني الجديد في اليمن، سيلتزم بشروط المفاوضات باليمن، لكنّه سيبقى داعماً رئيسيّاً للحوثيين، وسيطبق نموذج دعم حزب الله في لبنان على الحوثيين، بحيث يمتلك هذه الورقة متى أراد، في حال انسلخت الولايات المتحدة الأمريكية عن الاتفاق النووي، أو فرضت عقوبات لاحقة على الصواريخ الباليستية".

اقرأ أيضاً: لماذا يسود اعتقاد بأنّ حماس وإيران جعلتا غزة مقبرة للأطفال؟

وفي ما يتصل بالملف العراقي، فإنّ بغداد تعد بمثابة الحديقة المالية الأمامية لسياسة رئيسي؛ حيث سينخرط بشكل مباشر في جني الأموال؛ من نتاج تزويد الطاقة والكهرباء للعراق، كون رئيسي لديه تاريخ طويل في المؤسسة الدينية (آستاذ قدس رضوي) في إيران، والتي تمتلك مصانع ومناجم وشركات أدوية، وبالتالي سيعمد إلى الحفاظ على نفس الوتيرة من جني الأموال، عن طريق ملف الطاقة والمياه في العراق، من خلال عقد صفقات تجارية بين العراق والصين، تلعب فيها طهران دور الوسيط، كما أنّه من المرجح حضور الصين بقوة في مشاريع العراق، التي تسيطر عليها الميليشيات التابعة للحرس الثوري.

صلاح أبو شريف: يمثل انتخاب رئيسي ورقة محورية، للحفاظ على الوجود الإيراني في هذه الدول، وللدفع بالمزيد من نزيف الدم العربي بهذه المناطق، وتهديد واضح لاستقرار منطقة الخليج العربي

ويرى الباحث في العلاقات الدولية أنّه "من المحتمل أن تتجدد عقود التنقيب عن الغاز والنفط في المحافظات الجنوبية الشرقية للعراق، خاصّة ونحن نتحدث عن رفع العقوبات، في حال تم توقيع الاتفاق النووي، قبل شهر آب (أغسطس) المقبل، ويضاف إلى ذلك دعم الرئيس الإيراني الجديد، زيادة سطوة الميليشيات للسيطرة على المشهد العراقي؛ للضغط على القوات الأمريكية للانسحاب من العراق"، لافتاً إلى أنّ تلك الخطوة ستكون نقطة خلاف مستقبلية، إذا شعرت الولايات المتحدة أنّ الصين ستحضر بالعراق، فيعود الصدام من جديد، وقد تؤسس إيران لتكتيك جديد؛ حيث من الممكن أن تتبنى جيشاً موازياً ثالثاً، الأول؛ الجيش العراقي، والثاني؛ قوات الحشد الشعبي، والثالث؛ هو الجيش السري المدني، والأخير كان واضحاً من خلال تنفيذ هجمات على القواعد الأمريكية في الآونة الأخيرة؛ حيث ظهرت حركات لا ترتدي الزي العسكري؛ مثل كتائب سرايا الدم وغيرها.

تفاقم أزمات إيران

من جانبه، يرى صلاح أبو شريف، المعارض الإيراني، وأمين عام الجبهة الشعببة الديمقراطية الأحوازية، أنّ الرئيس الإيراني المنتخب من قبل الولي الفقيه، أي عبر مسرحية مكشوفة الأهداف والنتائج، حيث تكشف سوابقه الدموية بوضوح، سياق اختياره من قبل علي خامئني؛ إذ تعاني إيران من أزمات عنيفة في الداخل والخارج، على مستوى فشل النظام على كل المستويات؛ داخليّاً وإقليميّاً، وعلى الصعيد الدولي، ما يتطلب ضرورة المجيء بشخصية أكثر شدة وتشدداً، في ارتكاب الجرائم، وأكثر قسوة فى إراقة الدماء؛ للحفاظ على النظام، وهذا ينطبق تماماً على مناطق نفوذ إيران، المتمثلة في المناطق التي تحتلها إيران، وأصبحت تهيمن على قرارها السياسي، بعد أن شهدت المظاهرات الجماهيرية الواسعة، الرافضة للوجود الإيراني في العراق ولبنان، وصمود الشعب السوري، الذي كشف الوجه الحقيقي للسياسات الإيرانية التوسعية، وكذب ادعائها للدفاع عن الحريات وحقوق الشعوب والمستضعفين والمسلمين، كما لا يخفى على أحد الأزمة الوجودية التي تعيشها جماعة الحوثي، بسبب تبعيتها للدولة الإيرانية، وعدم تمكنها من إدارة شؤون اليمن، بسبب جرائمها بحق الشعب اليمني، مع رفض الدول الإقليمية للدور المشبوه الذي تمارسه طهران عبر الحوثيين، وإدانته من قبل المؤسسات الدولية، بسبب الانتهاكات الواسعة لحقوق الانسان، وزعزعة الأمن والاستقرار والملاحة الدولية.

ويتابع صلاح أبو شريف، حديثه لـ"حفريات"، بقوله "على هذا الأساس يمثل انتخاب ابراهيم رئيسي ورقة محورية، للحفاظ على الوجود الإيراني في هذه الدول، وللدفع بالمزيد من نزيف الدم العربي بهذه المناطق، وتهديد واضح لاستقرار منطقة الخليج العربي، التي تشهد ازدهاراً خلال العقدين الماضيين، خلافاً لإيران التي تشهد تراجعاً على كل المستويات، وتخلفت عن سير التقدم، بسبب سياساتها التوسعيّة، ودعمها للإرهاب، وعدم احترامها للقانون الدولي"، وتوقع أبو شريف أن يشهد عصر إبراهيم رئيسي، أزمات داخلية كبيرة، يمكن أن تطيح بالنظام، لافتاً إلى أنّ هناك في الأفق تقديرات، تذهب نحو تصاعد وتفاقم أزمات إيران الإقليمية  والدولية، الأمر الذي سيكشف خطأ حسابات المرشد، في اختيار رئيسي، كرجل النظام للمرحلة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية