إنجاز حضاري يمني: "مملكة سبأ" في قائمة التراث العالمي

إنجاز حضاري يمني: "مملكة سبأ" في قائمة التراث العالمي

إنجاز حضاري يمني: "مملكة سبأ" في قائمة التراث العالمي


12/02/2023

نجم الدين قاسم

في أواخر كانون الثاني (يناير) المنصرم، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) إدراج معالم مملكة "سبأ" في محافظة مأرب اليمنية ضمن قائمتها للتراث الإنساني العالمي المعرض للخطر، وذلك بعد سنوات من مطالبات الحكومة اليمنية بضم آثار مأرب للقائمة، بالنظر إلى كون ذلك يُعد اعترافاً بالتاريخ الحضاري لليمن، مع التأكيد على أهمية التراث الأثري لمملكة سبأ في التاريخ الإنساني، ويشكل حافزاً للتحرك الجاد من أجل صون وحماية هذه المواقع من التلف والنهب والتدمير.

تتكون المعالم اليمنية التي تم إدراجها حديثاً في قائمة التراث العالمي من 7 مواقع أثرية، من ضمنها معبد أوام المعروف بـ"محرم بلقيس" أو معبد الإله "المقة" إله القمر عند السبئيين القدماء، إضافة إلى معبد برّان وهو الموقع الأثري الأشهر في محافظة مأرب، والمعروف بـ"عرش بلقيس" وأنقاض سد مأرب القديم، ومدينة أرض الجنتين التاريخية، ومدينة صرواح ومعابدها.

وبهذا، تكون أدرجت 5 أماكن يمنية ضمن القائمة وهي: مدينة صنعاء القديمة ومدينة شبام حضرموت التاريخية ومدينة زبيد وجزيرة سقطرى، إضافة إلى معالم وآثار مملكة سبأ مؤخراً، ومن المؤسف أن كل هذه المواقع مهددة بالخطر بسبب الحرب أو السيول أو الإهمال البشري، في ظل عدم وجود اهتمام حقيقي من السلطات الحكومية.

وتفاعل العديد من السياسيين والناشطين اليمنيين مع هذا الإنجاز الذي اعتبروه انتصاراً لليمن وتاريخها، وأنه يبعث بارقة أمل في ظل الحرب الدائرة في البلاد منذ انقلاب جماعة الحوثي مطلع العام 2015، والتي دمرت العديد من المواقع الأثرية والمعالم التاريخية.

ميراث ثقافي وهندسي

تاريخياً، كانت مملكة سبأ مركزاً تجارياً مهماً يتحكم في طريق البخور، الذي يربط عالم البحر الأبيض المتوسط بالشرق، كما اشتهرت المملكة بتقنياتها المتقدمة وإنجازاتها المعمارية، بما في ذلك أنظمة الري المتطورة والهياكل الضخمة مثل سد مأرب العظيم، الذي لا تزال أنقاض أسواره موجودة حتى اللحظة، وهو خير شاهد على الإنجازات الهندسية والفنية لمملكة سبأ.

🎞

في العصر الذهبي لـ"سبأ"، كان سد مأرب أعجوبة هندسية بالمقارنة مع إمكانات وتقنيات ذلك التاريخ، فقد تم بناؤه باستخدام تقنيات ومواد كانت متطورة وسابقة لعصره، كما كانت أيضاً رمزاً مهماً لثروة المملكة وقوتها وتطورها، ولعب دوراً مهماً في دعم الأنظمة الزراعية والاقتصادية للمملكة. وبالرغم من انهيار السد قبل 1600 سنة، إلا أنه في عام 1986 تم بناء سد جديد تبلغ مساحته 30 كيلومتراً مربعاً ويتسع لـ 400 مليون متر مكعب من الماء، ويعتبر السد الجديد جزءاً بسيطاً من السد القديم.

يقول عالم الآثار والمؤرخ اليمني الدكتور خالد النشيري: "إن سد مأرب القديم هو موقع أثري مهم وجزء حيوي من تراث اليمن الثقافي والتاريخي، ويعتبر السد رمزاً للإنجازات الهندسية والتكنولوجية لمملكة سبأ، وهو قطعة أثرية ثقافية مهمة توفر رؤى قيمة في تاريخ وثقافة تلك الحضارة القديمة وتقدم لمحة عن الحياة اليومية والمعتقدات والإنجازات لليمنيين قديماً".

يمنية لا حبشية

منذ 3 سنوات تقوم ‏‏‏البعثة الدائمة اليمنية لـ"يونسكو" ببذل جهود مضاعفة لتوثيق آثار مملكة سبأ، خصوصاً في ظل ادعاء الجانب الإثيوبي أن مملكة سبأ كانت إثيوبية عاصمتها أكسوم، وهي مدينة تقع في إثيوبيا الحديثة، حيث يجادل الإثيوبيون بأن ملكة سبأ كانت إثيوبية حكمت من أكسوم وأن المملكة كانت قوة رئيسية في العالم القديم، إلا أن الاعتراف الحالي من اليونسكو بأن مملكة سبأ كانت يمنية قد حسم الجدل الذي استمر لعقود.

يقول السفير اليمني الدائم لدى "اليونسكو" محمد جميح: "لقد طال انتظار إدراج هذه المواقع التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي، وكانت آثار سبأ تستحق أن تُدرج منذ زمن طويل نظراً للدور المهم الذي لعبته المملكة في النشاط الاقتصادي للحضارة القديمة" مضيفاً أن القائمة شددت على الحاجة إلى "إرسال بعثة على وجه السرعة لدراسة واقع تلك الآثار وإعداد خطط لحمايتها ودعمها".

ويؤكد المدير العام للهيئة العامة للآثار والمتاحف في حضرموت رياض باكرموم، أن إدراج آثار مملكة سبأ في قائمة التراث العالمي إنجاز كبير لليمن وهو "اعتراف بالتراث الثقافي الغني لمملكة سبأ بإسهاماتها في العالم القديم، كما أنه سيوفر الاعتراف الدولي والحماية للتراث الثقافي لبلدنا، ويساعد في تعزيز السياحة والتنمية الاقتصادية مستقبلاً".

تحرك إيجابي

منذ سنوات، بدأ اليمن يتوجه بشكل أكثر فاعلية للالتفات إلى صون التراث الأثري للبلاد، حيث تم إحراز تقدم لا بأس به في السنوات الأخيرة في توثيق وترميم العديد من مواقعها القديمة، ففي عام 2016 اعترفت "اليونسكو" بمدينة شبام القديمة، الواقعة في حضرموت كموقع للتراث العالمي، ويعمل حالياً فريق متخصص من البعثة اليمنية لـ"اليونسكو" بتوثيق مواقع أثرية أخرى، قد يتم إدراجها في المستقبل القريب بحسب وزارة الثقافة والسياحة والإعلام اليمنية.

🎞

والجدير بالذكر، أن إدراج "اليونسكو" لأي موقع في قائمة التراث العالمي (الإنساني أو الطبيعي)، يسهم في زيادة الوعي بأهمية هذه المواقع، ويوفر أيضاً موارد قيمة للحفاظ عليها وحمايتها، حيث تقدم "اليونسكو" الدعم الفني والمالي للبلدان التي لديها مواقع للتراث العالمي، ويمكن أن يساعد هذا الدعم في ضمان الحفاظ على هذه المواقع للأجيال القادمة.

عن "النهار العربي"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية