إيرانيات في سجون الملالي: لسنا نادمات وسنواجه النظام المعادي للمرأة

إيرانيات في سجون الملالي: لسنا نادمات وسنواجه النظام المعادي للمرأة


20/10/2020

يمثل القمع الدموي الذي يمارسه النظام الإيراني ضد كافة الأصوات المعارضة، سواء الداخلية أو الخارجية، حالة ذات راهنية خاصة؛ إذ تكاد لا تتوقف آليات مصادرة الحريات، والقبض على مساحات التنوع، وغلق المجال العام أمام محاولات التغيير، الأمر الذي يحدث من خلال ماكينة التشريعات والقوانين الاستثنائية التي تعمد إلى تجريم الممارسات الديمقراطية، وتضع قيوداً في مختلف المجالات، في الصحافة كما في العمل السياسي، وكذا حقوق الأقليات الدينية والعرقية.

المعارضتان الإيرانيتان شهلا انتصاري، وشهلا جهان، وثقتا ملابسات القبض عليهن، وتفاصيل اعتقالهن داخل سجن إيفين، شمال طهران، من خلال رسالة حظيت باهتمام وسائل الإعلام العالمية

واعتبرت منظمة هيومان رايتس ووتش، في تقريرها الصادر، خلال العام 2020، أنّ القضاء الإيراني تواطأ ضد "المعارضة السلمية"، وذلك أثناء الاحتجاجات التي شهدتها طهران؛ حيث تم الحكم على عشرات الحقوقيين، بالسجن لفترات ومدد طويلة. ووصفت المنظمة الأممية الممارسات الأمنية، بأنّها "إحدى أكثر حملات القمع دموية، منذ ثورة 1979؛ حيث ردت السلطات على الاحتجاجات الواسعة، باستهداف مباشر للمحتجين، الذين لم يشكلوا خطراً وشيكاً على الحياة، بالقوة القاتلة".

ثورة على الملالي

وبينما بلغ العنف ضد المحتجين الإيرانيين حدوداً غير مسبوقة، إضافة إلى الاعتقالات الهائلة التي تعرض لها الناشطون، فإنّ التظاهرات كذلك رفعت من سقف مطالبها إلى الدعوة بـ"تنحي خامنئي"، وتغيير دستور الجمهورية الإسلامية، وقد اعتمدت في سبيل ذلك على جمع التوقيعات من المواطنين الإيرانيين، والاستعانة بأشكال تنظيمية، للحشد والتعبئة، غير تقليدية، عبر الوسائط الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي، وهو ما تسبب، مؤخراً، في استكمال دائرة القمع اللانهائية، واعتقال ناشطتين وقعتا على وثيقة تحض المرشد على الاستقالة، كما صدر ضدهما حكماً بالسجن لمدة عامين وثلاثة أشهر.

وبالتزامن مع هذه التحركات والتحركات المضادة، أخذت النداءات السياسية الموجهة ضد المرشد الاعلى للجمهورية الإسلامية بإيران، مسارات متصاعدة ومتفاوتة، تبنى المطالبة بها عدد من النخبة السياسية؛ حيث لم يقتصر الأمر على مجموعة من الأفراد أو النشطاء؛ إذ انتقدت النائبة السابقة بالبرلمان الإيراني، فائزة هاشمي، ابنة الرئيس الإيراني الأسبق، هاشمي رفسنجاني، الإدارة السياسية للنظام، وطالبت المرشد الأعلى علي خامنئي بالتنحي، حسبما ظهر في تسجيل صوتي لها، كما حرضت المتظاهرين على مواصلة الاحتجاجات، وشددت على ضرورة إجراء تغييرات جذرية في الحكم والدولة، ومن ثم، رفض الرؤية الإصلاحية التي تعتمد التغيير من الداخل.

الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني

ودانت النائبة السابقة بالبرلمان الإيراني القمع والقتل والسجن في إيران، مؤكدة أنّه "ستكون لهذه السلوكيات نهاية ذات يوم". وقالت: "هناك حد لمدة حكم أيّ شخص، لقد حكم السيد خامنئي فترة طويلة بما فيه الكفاية، وسيعمل طيباً إذا قام بالتغييرات الأساسية ونقل السلطة بنفسه"؛ حيث وصفت الوضع القائم بإيران على مستوى السياسة وإدارة الحكم، وكذا حالة المؤسسات بـ"التفكك"، مشيرة إلى "ضرورة البدء في تغييرات أساسية وعميقة في طريقة إدارة البلاد"، وحملت المرشد مسؤولية هذا الوضع باعتباره الوحيد الذي بمقدوره إحداث التحول أو الفارق.

لسنا نادمات

تعرض أغلب الموقعين على وثيقة المطالبة بتنحي خامنئي إلى التوقيف والاعتقال، بيد أنّ شهلا انتصاري، وشهلا جهان، المعارضتين الإيرانيتين، وثقتا ملابسات القبض عليهن، وتفاصيل اعتقالهن، داخل سجن إيفين، شمال طهران، من خلال رسالة حظيت بتناول واسع من جانب الإعلام الغربي، خاصة، الأمريكي، وقد بدأت بعبارة: "لسنا نادمات". ويعد السجن الذي تأسس في عهد الشاه، تحديداً، العام 1972، أحد مراكز الاعتقال الأساسية للسياسيين الإيرانيين، منذ العام 1979، وبخاصة لحاملي الجنسيات المزدوجة والأجانب، كما أنه يشهد باستمرار انتهاكات حقوقية ضد المعتقلين، تبدأ من التعذيب الجسدي مروراً بالإهمال الطبي، وعدم توفير الرعاية الصحية والعلاج، وتنتهي بالتهديد بالإعدام، الأمر الذي وثقته العديد من المنظمات الحقوقية، المحلية والأممية.

شهلا انتصاري وشهلا جهان

ففي سجن إيفين، يقبع المراسل الصحافي، جيسون رازيان، والذي يعمل في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية. وبحسب منظمة العفو الدولية، التي جمعت شهادات من مسجونين سابقين، فإنّ السجن به عدد من الغرف الموجودة تحت الأرض، بهدف استجواب المعتقلين، والتحقيق معهم، في ظروف غير إنسانية أو قانونية، حيث يخضع المعتقلون للتعذيب بصورة مستمرة، لجهة الضغط عليهم والاعتراف بالتهم المنسوبة لهم، كما يتم إنارة الغرف، طول الوقت، بصورة تحرم المعتقلين من النوم، ما أصاب العديد منهم بنوبات عصبية، وتشنجات، وهلوسات، كما جاء في شهادات المنظمة الأممية.

السجون الإيرانية

لا تختلف تلك السردية مع الأوضاع التي تعرضت لها الناسطتان الإيرانيتان؛ حيث تعاني جهان بين، من التهاب المفاصل، بينما تعاني جهان انتصاري، أزمات بالقلب، وارتعاشاً في الذراع والساق، منذ خروجهما من السجن، حسبما ذكرتا لإذاعة صوت أمريكا، في نسختها الفارسية، مؤكدتين: "ننهض ضد النظام المعادي للمرأة، الذي محا قيمنا الإنسانية، ونطالب بمغادرة الجمهورية الإسلامية تماماً، وصياغة دستور جديد لتأسيس دولة، يعترف فيها بكرامة المرأة، وهويتها، وحقوقها المتساوية في جميع المناحي".

إعدام نحو 227 شخصاً في إيران حتى تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2019

وأوضحت جهان بين، في إشارة إلى البيان الذي يطالب خامنئي بالتنحي: "إنّنا نتمسك بكلماتنا، حيث تقدمنا بطلب وحسب. والموقِعات الأخريات على الخطاب لم يفعلن شيئاً خاطئاً. فلم نتجمع أو نثر أي حراك عنيف. تقدمنا بطلب وحسب إلى خامنئي استناداً إلى حقوقنا الدستورية"، مضيفة: "موقف إيران بالغ السوء، والذي يعزى سببه الرئيسي إلى عدم كفاءة حكامها الإسلاميين، ما يظهر مدى صوابية بياناتنا. ونتيجة ضعفهم (تقصد النظام الإيراني)، يريدون سجن أي شخص يسعى وراء الحرية، أو يظهر انتقاد ضدهم".

لا بديل عن تغيير النظام

ومن جانبها، تشير منظمة "حقوق الإنسان الإيرانية"، إلى إعدام نحو 227 شخصاً، في إيران، حتى تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2019، وذلك مقارنة بنحو253 شخصاً، في العام 2018، كما دانت احتجاز السلطة للمواطنين الإيرانيين، خصوصاً حاملي الجنسية المزدوحة، واعتبرت أنّها تستخدم "تهم أمن قومي غامضة ضد المسجونين، وتوظيفها لهم كورقة مساومة، في المفاوضات الثنائية مع الدول الغربية".

الباحث مصطفى صلاح لـ"حفريات": إيران تعتّم على أعداد المحتجزين في سجونها، في ظل مطالبات المنظمات الحقوقية المعنية بحقوق الإنسان، بالشفافية وإتاحة المعلومات حول هؤلاء المحتجزين

وتتسم إيران بطبيعة راديكالية فيما يتعلق ببنية النظام السياسي، من ناحية، وطبيعة نظام الحكم، من ناحية أخرى، الذي يقوم بالأساس على حكم المرشد العام، بحسب الباحث في العلوم السياسية، مصطفى صلاح، ومن ثم؛ فإنّ مركزية القرار في إيران سمحت بتعزيز هذه السلطات، وتأميم الحياة السياسية الداخلية، في إطار توجيه الرأي العام نحو بعض القضايا دون غيرها، وعلى الرغم من هذه القبضة الأمنية، إلا أنّ هناك بعض المظاهرات التي تندلع بين الحين والآخر، للتنديد بالأوضاع المعيشية، وغياب حقوق الإنسان في الداخل، وتصفية المعارضة السياسية في الخارج، كما حدث إبان اغتيال المعارض الإيراني، مسعود مولوي وردنجاني، في تركيا، بالإضافة إلى الاحتجاجات التي تشهدها إيران؛ للمطالبة باحترام حقوق الإنسان، بالتزامن مع بعض الأحداث الإقليمية والدولية ذات الصلة بالسياسة الإيرانية.

ويضيف صلاح لـ"حفريات": "السلطات الإيرانية قامت بإعدام المصارع الإيراني الشاب، نافيد أفكاري، بعد إدانته بالقتل خلال احتجاجات عام 2018، وفق رواية النظام الإيراني، كما يمكن الإشارة إلى أنّ تنفيذ عقوبة الإعدام جاءت لتصدير صورة للرأي العام الإيراني، بأنّ من يقوم بالتظاهر سيواجه الموت، وذلك كإطار رادع للأصوات المعارضة الداخلية، خاصة، وأنّ هذه الاحتجاجات جاءت على خلفية تراجع الخدمات الاجتماعية والاقتصادية، وحقوق الإنسان، وحرية التعبير".

اقرأ أيضاً: ناشطات يمنيات يواجهن التعذيب والاغتصاب في سجون الحوثي

النظام الإيراني قام بتمرير بعض التشريعات القانونية الخاصة بقمع الأصوات المعارضة، من خلال وضع البيئة القانونية اللازمة لتنفيذ ذلك،  بحسب صلاح، كما أنّ ثمة حالة من التعتيم الإيراني على أعداد المحتجزين في سجونها، وذلك في ظل المطالبات الدولية من جانب المنظمات الحقوقية المعنية بحقوق الإنسان، بالشفافية وإتاحة المعلومات حول هؤلاء المحتجزين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية