اتفاق الغاز اللبناني ـ الإسرائيلي بمقاييس الممانعة

اتفاق الغاز اللبناني ـ الإسرائيلي بمقاييس الممانعة

اتفاق الغاز اللبناني ـ الإسرائيلي بمقاييس الممانعة


17/10/2022

تطرح المواقف الإيجابية لحزب الله اللبناني تجاه الاتفاق المزمع لترسيم الحدود البحرية بين الجمهورية اللبنانية و"الكيان الإسرائيلي" تساؤلات حول حقيقة الممانعة التي يُشكّل حزب الله أحد أعمدتها بقيادة إيران، هذه التساؤلات تعكسها "الدهشة" من مواقف زعيم حزب الله بمقارنتها مع قاموس واسع من مصطلحات "العداوة" الوجودية بمرجعياتها الإسلامية والعربية مع إسرائيل، كما تعكسها مستويات من التبرير ترى أنّ حزب الله حقق انتصاراً في هذا الاتفاق، لكنّه ربما ليس انتصاراً "إلهيّاً".

 حزب الله يقدّم مقاربته على أساس أنّه يقف خلف الرئاسات الـ3 "الجمهورية والحكومة والبرلمان"، وأنّه يأخذ في الحسبان مصلحة لبنان العليا، لكنّ السياقات المرجعية لهذه المقاربة لا تؤيد مقولة الوقوف خلف الرئاسات اللبنانية، فرئاسة الجمهورية، وعبر تحالف مع حزب الله، لا تستطيع اتخاذ قرار بالموافقة على اتفاقية الترسيم بدون موافقة واضحة وأكيدة من حزب الله، ولا سيّما أنّ الاتفاقية تتزامن مع انتخابات رئاسة الجمهورية التي يُعدّ فيها موقف حزب الله حاسماً في تحديد شخصية رئيس الجمهورية، أمّا الحكومة، فبالإضافة إلى كونها حكومة تصريف أعمال، إلا أنّ روحها بقبضة حزب الله القادر على تعطيل عملها في اللحظة التي يقرر فيها ذلك، وتجعل الثنائية العقائدية والمذهبية بين حزب الله وحركة أمل مسألة وقوف الحزب خلف حركة أمل موضع شكوك.

 بعيداً عن التفاصيل الإجرائية للاتفاق حول حقلي كاريش وقانا، وحقيقة أنّ إسرائيل تستطيع أن تباشر عمليات استخراج الغاز خلال أسابيع، فيما يحتاج لبنان إلى (3-4) أعوام على الأقل لبدء استخراج الغاز المتوقع، فإنّ الاتفاقية ستوقّع بين "الدولة اللبنانية ودولة إسرائيل"، هذه الدولة اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله "شكلاً ومضموناً"، وبالتالي فإنّ الاتفاق هو بين حزب الله وإسرائيل.

 وبعيداً من مقولات "المصلحة اللبنانية العليا"، لعلّ من بين قائمة التساؤلات المطروحة التي تحظى بمشروعية، حول الاتفاق وموقف الحزب منه، بماذا يختلف هذا الاتفاق عن اتفاقات الدول العربية التي عقدت سلاماً مع إسرائيل، وتحديداً دول "الطوق"؟ ألم يكن ترسيم الحدود على مراحل؟ فهل سنشهد المرحلة الثانية بترسيم الحدود البرية؟ ثم إذا كانت صفقة القرن التي يفترض أنّه تم دفنها بمغادرة الرئيس الأمريكي ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الحكم، وجوهرها "السلام الاقتصادي"، فأين يمكن تصنيف اتفاق التسوية اللبناني؟ وهل هو خارج السلام الاقتصادي؟ ثم هل هذا الاتفاق بعيد عن سياقات إقليمية مرتبطة بتعثر مفاوضات الاتفاق النووي بين طهران وأمريكا، وأنّ إيران أرادت إرسال رسالة إلى أمريكا وإسرائيل أنّها لن تعترض على سلام لبناني مع إسرائيل، في رسالة غير مشفرة تقدّم دليلاً لخلق مناخات تؤسس لشهادة حسن سلوك إيرانية في الساحة اللبنانية، رغم ما يكتنف هذا التفسير من احتمالات المساومة الإيرانية لاحقاً على الموافقة النهائية على الاتفاق، مقابل وقف الدعم الأمريكي والغربي لانتفاضة "مهسا أميني"، التي يبدو أنّها أصبحت تهديداً جديداً لمستقبل النظام؟ ولا شك أنّ هناك سياقات أخرى للاتفاق، فهو إنجاز أمريكي بحسابات داخلية في أمريكا، وحسابات أخرى لمساندة "بينت -غانتس" في مواجهة نتنياهو، الذي يتهم حكومة "بينت" بتقديم تنازلات مجانية لإيران عبر الاتفاق مع حزب الله اللبناني، رغم أنّ مزاعم نتنياهو لا يؤيدها كون مفاوضات الاتفاق مع لبنان كانت مع حكومته.

 وفي الصورة الأوسع ربما يكتسب التساؤل عن حقيقة الفروق بين الاعتدال والممانعة العربية والإسلامية تجاه إسرائيل مشروعية، فما الفرق بين اتفاقات إبراهيم الجديدة مع الإمارات والبحرين ومع المغرب والسودان، رغم أنّها ليست من دول الطوق، والاتفاقات الأقدم تاريخياً مع "مصر والأردن والسلطة الفلسطينية"؟ وهل ترسيم الحدود مع دولة العدو يمكن أن يتحول إلى انتصار، كما تحولت زيادة عدد التصاريح الإسرائيلية الممنوحة لعمال غزة المحاصرة إلى انتصار؟ تساؤلات يصعب الإجابة عنها، وتسهل هذه الإجابة بأنّ فعل الممانعة قد يتقاطع مع مفاهيم الاعتدال "الانبطاح والتبعية" حينما تكون إسرائيل طرفاً فيه، وحينها يصبح الحديث عن التحرير وجبهات الصمود والممانعة في حالة انكشاف لا تقبل المعاني المزدوجة، وهي توقع اتفاقات ترسيم الحدود، في الوقت الذي تسيل فيه دماء الشبان الفلسطينيين عند أسوار القدس، ولا يُنجدهم فيلق القدس.    



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية