احتمالات سقوط العاصمة الإثيوبية بيد التيجراي وحلفائهم

احتمالات سقوط العاصمة الإثيوبية بيد التيجراي وحلفائهم


26/08/2021

لا تقلّ الحرب الإعلامية بين الفرقاء في إثيوبيا هوادةً عن المعارك على الأرض، والمتابع لوسائل الإعلام المؤيدة للتيجراي يكاد يظنّ أنّهم يكتسحون الجيش الإثيوبي وحلفائه من قوات الأقاليم الخاصة والميليشيات بيسر، في تكرار لما حدث في إقليمهم، وفي المقابل من يتابع إعلام الحكومة يظنّ أنّها تمسك بزمام الأمور على الأرض، وتكاد تقترب من دحر التيجراي، بل وتحقق منجزات تنموية جبارة.

وتُسهم الحرب الإعلامية في زيادة التضليل والغموض حول الموقف على الأرض، خصوصاً من جانب جبهة تحرير شعب تيجراي، التي تخوض حرباً ضدّ الجيش الفيدرالي وحلفائه على ثلاث جبهات، لكن بعد مرور شهرين على استعادتهم عاصمة إقليمهم، مقلي، وتوسيع الهجوم خارج الإقليم، يبدو أنّ الأماني بسقوط سريع لأديس أبابا، وانهيار حكومة آبي أحمد، أصعب من أن تتحقق.

توسّع دائرة الحرب

وبخلاف بيانات الحكومة الإثيوبية، التي ترى الحرب في تيجراي ضدّ جبهة تحرير شعب تيجراي TPLF، فإنّ سكان الإقليم يرونها حرباً ضدّ عرقيتهم بالكامل، بعد ما ذاق الجميع من ويلات الحرب التي أطلقها رئيس الحكومة، آبي أحمد، في تشرين الأول (نوفمبر) الماضي، بالتحالف مع الميليشيات الخاصة بإقليم أمهرا، والجيش الإريتري، ودعم جوي من حلفاء دوليين.

مقاتلات ضمن قوات دفاع تيجراي

وتشنّ السلطات الفيدرالية حملة قمع واسعة ضدّ التيجراي في الأقاليم والجيش الفيدرالي، إلى جانب حملة الاعتقالات والاغتيالات التي طالت رموز المعارضة في أوروميا، أكبر أقاليم البلاد.

وتسبّبت الحرب الدائرة في مقتل وجرح عشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين، وتشريد مليوني مواطن داخل البلاد، وفرار عشرات الآلاف إلى السودان، ويواجه 500 ألف شبح المجاعة، ويحتاج نحو خمسة ملايين إلى مساعدات إنسانية عاجلة.

كانت إثيوبيا بمثابة قنبلة موقوتة، والآن انفجرت في كلّ الجبهات، وتريد الشعوب حكماً كونفدرالياً، والذين بيدهم إسقاط حكومة آبي أحمد هم الأورومو، ويرفض معظمهم سياسته

وحول عمليات جيش تحرير أوروميا، قال عضو منظمة شباب كيرو (الشباب الثائر)، عبد الحكيم الأورومي؛ حكمت جبهة تحرير تيجراي البلاد لمدة 27 عاماً، حتى ثورة شباب أورومو المسمى "كيرو"، وانضم إليهم شباب بقية القوميات، وصعد آبي أحمد إلى السلطة، لكنّه أراد استعادة النظام المركزي الأمهري، وتدمير النظام الفيدرالي، ولهذا ثار الجميع ضدّه، عدا الأمهرا، وتحالف أعداء الأمس؛ الأورومو والتيجراي.

وأردف الناشط الأورومي لـ "حفريات"؛ كانت إثيوبيا بمثابة قنبلة موقوتة، والآن انفجرت في كلّ الجبهات، وتريد الشعوب حكم أنفسهم، ونحن في منظمة شباب كيرو حملنا السلاح بعد أن أخفقت السلمية، ونحقق مكاسب عسكرية كلّ يوم.

وكانت صفحات إثيوبية قد نشرت خبراً عن سيطرة جيش تحرير أوروميا على الطريق الدولي مع كينيا، وعدة مناطق ومدن تبعد عن العاصمة بحوالي 20 كم فقط.

تحالفات المعارضة

وفي آب (أغسطس) الجاري، أعلنت وسائل إعلام التيجراي عن تشكيل جبهة معارضة فيدرالية، بتدشين التحالف مع جيش تحرير أوروميا، وتبع ذلك الإعلان عن انضمام حركات مسلحة تباعاً، وهي؛ الحزب القومي الديمقراطي العفري، وجبهة تحرير سيداما، والجبهة الشعبية لتحرير الصومال، لكنّ الصحفي المتخصص في الشؤون الأفريقية، من قومية العفر، شفاء العفاري، يشكّك في جدوى هذه التحالفات، وأشار إلى أنّ فريقَي الحكومة والمعارضة يمارسان الكذب والتضليل الإعلامي، والتهويل فيما يتعلق بتقييم نتائج المعارك.

الصحفي الإريتري، شفاء العفاري

وأردف العفاري، لـ "حفريات"؛ لا وجود لما يسمى الحزب العفري، والحزب بهذا الاسم انضم إلى حزب الازدهار الذي أسسه آبي أحمد، وكذلك بقية الأحزاب في الدولة، عدا التيجراي، وسواء حدث ذلك بالترهيب أو الترغيب أو بإرادة حرة، فلم يعد هناك حزب عفري؛ إذ عرضتهم وسائل إعلام الوياني (التيجراي) كممثلين للعفر لا وجود لهم على الأرض، ويبحثون فقط عن مصالح شخصية، وكلّ العفر ضدّ غزو التيجراي لإقليمهم.

ويرى العفاري؛ أنّ حركة تحرير بني شنقول تخوض حرب عصابات، ولا تمتلك وجوداً عسكرياً مؤثراً، ولا تستطيع الاحتفاظ بمناطق جغرافية، وكذا الأمر مع جيش تحرير أوروميا، لكنّ الأخير أقوى بكثير.

وأكّد العفاري؛ أنّ أياً من القوى الصومالية لم تنضم إلى تيجراي بأيّ شكل، متهماً إياهم باختلاق مسميات حزبية ضمن الحرب الإعلامية.

ويختلف الناشط السياسي من بني شنقول، جعفر عباس حامد، مع العفاري، وقال لـ "حفريات"؛ حركة تحرير بني شنقول تطفو على السطح بقوة، وتعيد مكانتها الطبيعية التي كانت عليها من قبل، وهذه المرة لها طعم خاص، بسبب نشوة الانتصارات التي حققتها الحركة، وهي تحرير مقاطعة كماشي الإستراتيجية، وكذا السيطرة على منطقة المحل الحدودية.

وأضاف حامد؛ هدفنا تحرير أرض بني شنقول من إثيوبيا، ولا نحارب آبي أحمد فقط، بل نحارب من أجل الحرية وتحرير إنسان بني شنقول، بعد استعمار دام ١٢٠ عاماً.

هل تسقط أديس أبابا؟

وتعدّ قوات دفاع تيجراي في وضع أفضل عسكرياً من الجيش الفيدرالي والقوات الإقليمية الرديفة، لكن تختلف طبيعة المعارك في تيجراي التي حققت فيها الأولى نصراً كاسحاً، عن القتال في الأقاليم الأخرى التي لا تحظى فيها بشعبية إطلاقاً، فمعظم قوميات إثيوبيا تتفق على رفض التيجراي لماضيهم الاستبدادي، وكذا رفض آبي أحمد للسبب نفسه.

تقوم الحكومة بعمليات تجنيد واسعة للشباب

ولا يبدو أنّ تحقيق التيجراي لسيناريو عام 1991، حين شكلت تحالفاً قوياً ضدّ نظام منغستو، نجحت عبره من دخول العاصمة، قابلاً للتكرار؛ فحليف الأمس، الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، هم أعداء التيجراي اليوم، وكذلك سترفض قومية الأورومو سيطرة التيجراي على العاصمة، التي تقع ضمن إقليمهم، فضلاً عن ضبابية المواقف الإقليمية والدولية، واتجاه حكومة آبي أحمد إلى شركاء دوليين طلباً للمساعدة، مثل إيران وتركيا.

ويرى الصحفي شفاء العفاري؛ أنّ من بيدهم إسقاط حكومة آبي أحمد هم الأورومو الذين يرفض معظمهم سياسته، لكن يتوقّف ذلك على تنظيم صفوفهم، فهم حتى الآن لا يمثّلون قوة عسكرية تستطيع الحفاظ على الأرض والمدن.

وذكر العفاري؛ أنّ تقدّم قوات دفاع تيجراي داخل إقليم أمهرا يُواجه بمقاومة شرسة، والمناطق التي يسيطرون عليها لا تعدّ إستراتيجية، كما أنّهم كلّما تعمقوا في إقليم أمهرا ابتعدوا عن خطوط الإمداد في تيجراي، مما يجعلهم عرضة للاستهداف من القوات الفيدرالية والأمهرية.

الناشط السياسي من بني شنقول، جعفر عباس حامد، لـ "حفريات"؛ حركة تحرير بني شنقول تطفو على السطح بقوة، وتعيد مكانتها الطبيعية التي كانت عليها من قبل.

وتسبّب القتال الدائر في جذب المزيد من المقاتلين، وتجدّد النزاعات القديمة بين القوميات، كما بين العفر والصوماليين، إلى جانب تردّي الأوضاع الاقتصادية، وتعميق الأزمة الإنسانية.

ويعيش نظام آبي أحمد عزلة دولية كبيرة، وعجزاً مالياً كبيراً دفعه إلى حثّ الشعب على التبرع للجيش، وإجبار الموظفين والمؤسسات على دعم الجيش مالياً، وتقليص النفقات الحكومية إلى حدّ إغلاق العشرات من البعثات الدبلوماسية، وتقليص بعضها، حتى داخل العواصم الغربية الكبرى مثل واشنطن.

وتبقى الحرب الأهلية الإثيوبية عسيرة على التوقع، مع استمرار رفض التيجراي أية وساطات، ما لم يُحاسب المسؤول عن الجرائم بحقّ شعبهم، ورفع الحصار عن الإقليم، وعودة الخدمات كافةً، ووقف الاعتداءات ضدّ التيجراويين في مختلف مناطق إثيوبيا، وهي شروط لن تقبل بها حكومة آبي أحمد، التي تصنّف جبهة تحرير تيجراي وجبهة تحرير أوروميا على قوائم المنظمات الإرهابية، وكانت حكومة آبي أحمد قد رفضت عرضاً سودانياً للوساطة في الحرب الدائرة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية