اختيار صلاح عبد الحق... هل يزيد الانشقاقات في جسد الجماعة المتصدع؟

اختيار صلاح عبد الحق... هل يزيد الانشقاقات في جسد الجماعة المتصدع؟

اختيار صلاح عبد الحق... هل يزيد الانشقاقات في جسد الجماعة المتصدع؟


05/03/2023

تعيش جماعة الإخوان اليوم حالة غير مسبوقة من الضعف الناتج عن عدة أسباب؛ أهمها الصراع الذي دخلت فيه بعد سقوطها من الحكم الذي وصلت إليه لأول مرة في تاريخها، وما تبع ذلك من سياسات تم اتخاذها تجاهها من جانب السلطة في مصر، أيضاً الوضع الإقليمي والدولي الرافض في أغلبه للجماعة ولوجودها في المشهد السياسي والاجتماعي، لكنّ السبب الأهم في حالة الضعف تلك هو حالة الانقسام التي تصيب الجماعة وتتسع مع الوقت، وقد أدت إلى تفككها إلى عدة أجزاء، وما يرتبط بتلك الانقسامات من اتهامات متبادلة بين المجموعات المختلفة، وفقدان الثقة في الكثير من القيادات، وتجرؤ العديد من أفراد الجماعة، ولأوّل مرة بهذا الشكل، على القيادات التي يرونها فاسدة كلّ واحدٍ من وجهة نظره.

وبعد أن استقر الوضع في الجماعة على انقسامها إلى (3) جبهات رئيسية؛ الأولى هي جبهة المكتب العام أو تيار التغيير، والثانية هي جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين، والثالثة هي جبهة لندن بقيادة إبراهيم منير؛ جاءت وفاة منير لتحدث نوعاً من الارتباك داخل الجماعة بكل جبهاتها، وبعد نحو (4) أشهر من وفاته توجد أنباء شبه رسمية تفيد بأنّ جبهة لندن قد استقرت على اختيار صلاح عبد الحق خليفة له كقائم بأعمال المرشد، فما دلالات ذلك؟ وما مستقبل الجماعة في ظل هذا الاختيار، وهل من الممكن أن تلتئم الجماعة مرة أخرى، أم أنّ الواقع يكشف عن بوادر انشقاق جديد؟

لماذا تم اختيار صلاح عبد الحق؟

يأتي اختيار عبد الحق بعد ما يقرب من (4) أشهر على وفاة منير، على الرغم من إعلان المتحدث الإعلامي لجبهة لندن فور وفاة منير عن أنّه سوف يتم الإعلان عن القائم بأعمال المرشد الجديد خلال شهر واحد، الأمر الذي ربما يعكس وجود بعض الخلافات حول هذا الاختيار، وهذا ما يؤكده أحد الأعضاء البارزين في جبهة إسطنبول، الذي نشر أنّ جبهة لندن قامت في البداية بانتخاب حلمي الجزار قائماً بالأعمال، لكن هناك بعض القيادات التاريخية في الجبهة اعترضت على ذلك، وتمسكت بوصية إبراهيم منير التي قالوا إنّه كتبها قبل وفاته، وأوصى فيها بأن يخلفه صلاح عبد الحق، ويمكننا تفسير ذلك الاختيار بأنّه يعود لسببين؛ الأوّل هو أنّ جماعة الإخوان يتحكم فيها دائماً نمط معين من القيادات التاريخية ذات الطبيعة المحافظة التي لا تسمح بأن يتولى أحد قيادة الجماعة خارج هذا النمط، خاصة من الشخصيات التي يخشى منها أن تغير من طبيعة الجماعة، والسبب الثاني هو الصراع القائم بين جبهتي لندن وإسطنبول على الشرعية، فبعد وفاة منير قدّم محمود حسين نفسه على أنّه الأحق بمنصب القائم بالأعمال استناداً إلى المادة الـ (5) من اللائحة الداخلية للجماعة، التي تعطيه الحق في تولي المنصب لأنّه العضو الوحيد المتبقي من أعضاء مكتب الإرشاد بعد وفاة وسجن باقي الأعضاء، وبالتالي أرادت جبهة لندن اختيار شخصية تكون قادرة على اكتساب الشرعية ومواجهة محمود حسين وجبهته، وإقناع الأفراد بأنّها هي التي تمثل الجماعة، وأنّ الجبهات الأخرى منشقة عنها، وقد عزز من اختيار عبد الحق وصية منير التي أوصى فيها بتوليه المنصب، وأيضاً الرسالة التي أرسلها مرشد الجماعة محمد بديع للجماعة من السجن عقب ظهور الاختلاف الأوّل، وتقريباً في العام 2016، وطالب فيها محمود حسين، الذي كان يدير الجماعة باسم محمود عزت، بأنّ عليه ألّا يتخذ قراراً دون الرجوع إلى أحد (3) قيادات، منهم صلاح عبد الحق، والسبب  الآخر هو أنّ صلاح عبد الحق شخصية لها ثقل تنظيمي وتاريخي داخل الجماعة، سواء في مصر أو في التنظيم الدولي للجماعة، وبالتالي سوف يكون هناك توافق حوله داخل الجبهة.

يأتي اختيار عبد الحق بعد ما يقرب من (4) أشهر على وفاة منير

اختيار عبد الحق... هل يؤدي إلى وحدة الجماعة أم إلى مزيد من التفكك؟

من بين أبرز الاتهامات التي يتم توجيهها إلى محمود حسين من قبل جبهتي لندن والمكتب العام هو أنّه تسبب في إضعاف الجماعة وإفشالها، ووضعها في حالة من الجمود جعلها غير قادرة على حسم صراعها السياسي، ومن ثم عودتها إلى المشهد من جديد، وقد تسبب حسين في إبعاد الكثيرين من أعضاء الجماعة عن التنظيم بسبب سياساته، وقد عاد كثير منهم بعدما تولى إبراهيم منير منصب القائم بأعمال المرشد أملاً في أن يقوم ببعض الإصلاحات الهيكلية ووضع رؤية للجماعة تخرجها من أزمتها ومن حالة الضعف والجمود، وبالتالي فإنّه بعد وفاة منير يضع الإخوان أملهم في من يأتي مكانه ليقوم بالمهمة نفسها، فهل يستطيع صلاح عبد الحق أن ينجح في ذلك، ومن ثم يعيد إلى الجماعة بعضاً من قوتها، أم أنّه سوف يكون عاجزاً عن ذلك، ومن ثم يتسبب في مزيد من الانشقاقات؟

 نحن هنا أمام (3) سيناريوهات مختلفة:

الأوّل: أن يستطيع عبد الحق توحيد الجبهات الـ (3) تحت قيادته

 وهذا سيناريو مستبعد بشكل كبير؛ بسبب أنّ الخلاف الواقع بين تلك الجبهات جذري وعميق يصعب معه استعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 2015؛ فمن جانب تتخذ جبهة المكتب العام مساراً ثورياً عنيفاً تراه هو الوحيد القادر على حسم الصراع مع الدولة، وهو ما ترفضه كلٌّ من جبهتي لندن وإسطنبول بسبب ما ترتب عليه من قبل من آثار ضارة على الجماعة، ومن جانب آخر فإنّ كلّاً من جبهتي لندن والمكتب العام ترفضان محمود حسين وجبهته؛ لأنّه من وجهة نظرهما تسبب في إفشال الجماعة، كما أنّه تطاله العديد من تهم الفساد والاستيلاء على أموال الجماعة، ومن جانب آخر يرى محمود حسين أنّه الوحيد الأحق بمنصب القائم بالأعمال ولن يقبل بأن يعود تحت قيادة شخص آخر أيّاً كان، كما أنّ جبهة منير ترفض ذلك أيضاً رفضاً قاطعاً، وبالتالي من الصعب أن يستطيع عبد الحق أن يعيد إلى الجماعة وحدتها، وقد فشلت من قبل كل المحاولات التي قام بها آخرون قريبون من الجماعة في هذا الإطار.

من بين أبرز الاتهامات التي يتم توجيهها إلى محمود حسين من قبل جبهتي لندن والمكتب العام هو أنّه تسبب في إضعاف الجماعة وإفشالها ووضعها في حالة من الجمود جعلها غير قادرة على حسم صراعها السياسي

الثاني: أن يستطيع عبد الحق وضع آليات لتطوير الجماعة

يعوّل كثير من أفراد الجماعة على من سيأتي خلفاً لمنير في تحقيق بعض الأهداف، منها إصلاح وتطوير أوضاع الجماعة من حيث استكمال هياكلها ومؤسساتها الداخلية، ووضع تصور ورؤية لحل أزماتها المختلفة سواء مع الدولة أو فيما يخص ملف الأفراد المحبوسين على ذمة قضايا، أو إصلاح علاقات الجماعة بالعديد من القوى الدولية والإقليمية، واستعادة الجماعة لنشاطها مرة أخرى، لكنّ أغلب الظن أنّ عبد الحق لن يستطيع إحداث أيّ تقدم في هذه الملفات، وذلك لأسباب تعود إلى طبيعته الشخصية، وأخرى تعود إلى وضع الجماعة والتغيرات التي حدثت فيها في الأعوام الأخيرة، وهو ما سنوضحه من خلال النقطة التالية.

الثالث: أن ينتج عن الاختيار مزيد من الانشقاقات

يمثل صلاح عبد الحق أحد القيادات التاريخية للجماعة، فقد انضم إلى الجماعة في ستينيات القرن الماضي، وكان أحد المتهمين في قضية تنظيم (65)، ومن المتأثرين بفكر سيد قطب، وقد سجن معه وتم الحكم عليه بـ (10) أعوام في هذه القضية، كما أنّه عمل في لجنة التربية، لكنّه لم يتولَّ قيادة تنظيمية داخل الجماعة، وكان بعيداً عن ممارسة العمل السياسي، وهو شخصية نمطية تمثل اتجاهاً محافظاً في الجماعة لا يملك رؤية تجديدية ولا يهتم سوى بوحدة وصلابة التنظيم القائم على السمع والطاعة ويراه الهدف الأهم والمصدر الرئيسي لقوة الجماعة، ولذلك قد لا يمثل صلاح عبد الحق الخيار الأمثل في نظر بعض أفراد وقيادات جبهة لندن كقائم بالأعمال، حيث وجود شخصية تتسم بالنمطية والطبيعة المحافظة وعدم امتلاك الرؤية وعدم القدرة على التجديد وعدم توافر الخبرة القيادية والتمرس في العمل السياسي والتنظيمي في مواقع الجماعة المختلفة؛ سوف يترتب عليه تعميق حالة الجمود والتكلس وعدم وضوح الرؤية التي تعاني منها الجماعة ككل منذ أعوام، وهو ما قد يترتب عليه إصابة العديد من الأفراد مع الوقت بحالة من الإحباط وفقدان الأمل والثقة ورغبة في الانزواء والابتعاد عن ممارسة أيّ عمل تنظيمي، وبجانب ذلك فإنّ أيّ محاولات من بعض الأفراد لإصلاح الأوضاع الداخلية للجبهة لن تجد أيّ صدى، نظراً لطبيعة ذلك النمط من القيادة التاريخية للجماعة التي ليس لديها رؤية للعمل ولا يهمها سوى وحدة الصف الإخواني وصلابة التنظيم وقناعاتها بفكرة الثبات والصبر حتى تتغير الأمور وتتحسن الأوضاع لأسباب خارجية كما حدث من قبل في بعض مراحل الجماعة التاريخية؛ كلّ هذه الأمور مع الوقت ربما تؤدي إلى نتيجتين؛ أوّلاً ابتعاد بعض الأفراد عن الجماعة تنظيمياً، وثانياً رغبة البعض الآخر في إيجاد البديل الذي يعمل على وضع رؤية جديدة للجماعة والبحث عن إعادة تموضعها وإيجاد دور لها بشكل أكثر تأثيراً، وهذا البديل يتمثل في صورة انشقاق جديد يضرب جبهة لندن يسعى القائمون به إلى الإعلان عن جبهة رابعة تمثل الجماعة من وجهة نظرهم، وما قد يعزز من هذا الاحتمال هو حالة السيولة التي يعيشها التنظيم والناتجة عن وجود خلل في الأركان الرئيسية التي يقوم عليها، والتي كانت تحفظ له قوته وصلابته في السابق، والمتمثلة في أركان السمع والطاعة والثقة التي اهتزت بشكل كبير نتيجة الأحداث التي وقعت بعد 2013 داخل الجماعة، كما أنّ فكرة الانشقاق صارت فكرة ليست غريبة ولا مستهجنة بشكل كبير في الجماعة، وأصبحت متقبلة لدى شريحة من الأفراد إذا ما كان لها أسبابها من وجهة نظرهم.

 قدّم محمود حسين نفسه على أنّه الأحق بمنصب القائم بالأعمال استناداً إلى المادة الـ (5) من اللائحة الداخلية للجماعة

مستقبل الجماعة بين الفكرة والتنظيم

يثير هذا الموضوع نقطة أخيرة تتعلق بمستقبل الجماعة، ومن خلال قراءة الواقع وبعض معطياته يمكننا قراءة المستقبل، فواقع الجماعة يفيد بوجود بعض عناصر الضعف ومنها ضعف جبهتها الداخلية، وفقدانها لجزء من الحاضنة الشعبية، ووجود موقف إقليمي ودولي رافض للجماعة بدرجة كبيرة، ونظام حاكم لا يقبل بوجودها بأيّ شكل من الأشكال، وجمود فكري وعقل سياسي ضامر تتمتع به، وفقدان للثقة في مشروع الجماعة من العديد من أفرادها، وانحسار لنشاطها يجعلها غير قادرة على الاستقطاب وضم عناصر جديدة؛ كل هذا يجعل وضع الجماعة أكثر تعقيداً، لكن برغم ذلك توجد بعض عناصر القوة، ومنها مركزية الدين في المجتمع، ووجود عاطفة دينية لدى شريحة واسعة، وهذا ما تجيد الجماعة اللعب عليه واستخدامه لصالحها، أيضاً وجود بعض نماذج من الخطاب العلماني لا تفرق بين الفكر الديني وممارسة تلك الحركات وبين الدين ذاته، ولا تستطيع إدراك مكانة الدين في المجتمع، فيأتي نقده هذا بنتيجة عكسية، وهي زيادة تمسك تلك الحركات بمواقفها وتطرفها بشكل أكبر، وزيادة قدرتها على تأكيد سرديتها الخاصة بالمؤامرة على الإسلام ممّا يكسبها تعاطفاً أكبر من شريحة في المجتمع، أيضاً من عناصر القوة عدم وجود مشروع فكري حقيقي واستراتيجية واضحة لمواجهة الجماعة وباقي الحركات التي تحمل الأفكار ذاتها والمشروع نفسه، كذلك عدم وجود درجة كافية من الوعي لدى شريحة غير قليلة في المجتمع بطبيعة الجماعة وبأفكارها وبمشروعها وارتباطاتها الخارجية، وبالأثر السلبي لكل ذلك على المجتمع والدين ذاته، وأخيراً وجود مصادر لتمويل الجماعة من دوائر متعددة لها مصالح في ذلك، ممّا يمنحها قدرة على الاستمرار والتأثير.

قد لا يمثل صلاح عبد الحق الخيار الأمثل في نظر بعض أفراد وقيادات جبهة لندن كقائم بالأعمال؛ فوجود شخصية تتسم بالنمطية والطبيعة المحافظة وعدم القدرة على التجديد سيترتب عليه تعميق حالة الجمود والتكلس داخل الجماعة

بناءً على ما سبق، وإذا أردنا أن نضع تصوراً لمستقبل الجماعة؛ فإنّه ينبغي التفرقة بين مستويين؛ الأوّل مستقبل الفكرة، والثاني مستقبل التنظيم:

فبالنسبة إلى مستقبل الفكرة، فإنّه بسبب ما ذكرناه من نقاط قوة للجماعة ونتيجة للتأثير الذي حققته في المجتمع بسبب تواجدها ونشاطها لما يقارب من (100) عام؛ فإنّ هناك شريحة تتبنّى أفكار الإخوان وتعتقد بها بحيث تمثل تلك الأفكار قناعاتها الراسخة دون حتى إدراك لذلك بوضوح؛ ولذلك فإنّ أفكار الجماعة سوف تظل لفترة طويلة منتشرة ومتحكمة ومؤثرة في المجتمع حتى تحل محلها أفكار جديدة بعد جهد من العمل لذلك على عدة مستويات، وقد تظهر تلك الأفكار في صورة تنظيمات أخرى جديدة.

وبالنسبة إلى مستقبل التنظيم، فإنّ ما ذكرناه من نقاط ضعف سوف تجعل التنظيم قائماً لكنّه ضعيف، وسوف تجعل من فرص التئامه مرة أخرى أمراً صعباً للغاية، لكن لا نستطيع القول إنّ الجماعة سوف تنتهي من الوجود على المدى القريب، لكنّها ستبقى فقط مجرد أداة للمشاكسة والمناكفة والتوظيف بوساطة أطراف أخرى، تعمل على استغلالها في تحقيق مصالحها بشكل يجعلها باقية على قيد الحياة لكن دون تأثير.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية