استراتيجية الحركية الإخوانية في الولايات المتحدة الأمريكية

استراتيجية الحركية الإخوانية في الولايات المتحدة الأمريكية

استراتيجية الحركية الإخوانية في الولايات المتحدة الأمريكية


21/09/2023

تتطابق وسائل الإخوان واستراتيجياتهم في أمريكا الشمالية مع نظيرتها في أوروبا، من ناحية احتكار الإسلام، واستخدام التقية الحركية، واستغلال الأقليات والجاليات... إلخ، إلّا أنّ استهداف الدوائر الحكومية الأمريكية في جميع الفروع الـ (3) "التنفيذية والقضائية والتشريعية" على المستوى الفيدرالي والمحلي هو الأوضح في الولايات المتحدة الأمريكية.

خطوات اختراق أمريكا

في عام 2004 تم كشف النقاب عن عدد من الوثائق الخاصة التي وجدها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، والتي أثبتت مسؤولية الجماعة عن تأسيس عدد من الجمعيات التي احتضنت رموز الجماعات الإرهابية والفكر الأصولي مثال (أنور العولقي) الملهم الروحي لتنظيم القاعدة والذي تولى رئاسة فرع جمعية الطلاب المسلمين بجامعة كولورادو الأمريكية، وكذلك (عمر شفيق همامي) زعيم حركة الشباب الصومالية الذي تولى رئاسة فرع جمعية بجامعة ألاباما الأمريكية، و(رامي زمزم) أحد مقاتلي حركة طالبان.

أنور العولقي، الملهم الروحي لتنظيم القاعدة والذي تولى رئاسة فرع جمعية الطلاب المسلمين بجامعة كولورادو الأمريكية

تتشابه هذه الوثائق نفسها مع أخرى شبيهة لها وجدت في بيت يوسف ندا بسويسرا، وتتضمن استراتيجية الجماعة التي تمثلت في التالي:

 * تجنب التحالفات المفتوحة مع المنظمات الإرهابية المعروفة والأفراد للحفاظ على مظهر "الاعتدال".

 * التسلل والاستيلاء على المنظمات الإسلامية القائمة لإعادة تنظيمها مع أهداف الإخوان المسلمين.

 * إنشاء شبكات مالية سرية.

*  تنمية مجتمع فكري إسلامي (إخواني)، بما في ذلك إنشاء مجموعات فكرية ومجموعات مناصرة، ونشر دراسات "أكاديمية" لإضفاء الشرعية على المواقف الإخوانية وتأريخ تاريخ الحركات الإسلامية.

اعتمدت الجماعة في الولايات المتحدة على إنشاء المراكز الإسلامية، وسياسة التقية، وخلق عالم موازٍ عن طريق تحويل المراكز الإسلامية إلى مجتمع إخواني كامل

*  بناء شبكات اجتماعية واسعة النطاق من المدارس والمستشفيات والمنظمات الخيرية المكرسة للمثل الإسلامية (الإخوانية) بحيث يكون التواصل مع الحركة من أجل المسلمين مستمراً.

*  إشراك المسلمين الملتزمين إيديولوجياً في المؤسسات المنتخبة ديمقراطياً على جميع المستويات في أمريكا والغرب، بما في ذلك الحكومة والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الخاصة والنقابات العمالية.

*  استخدام المؤسسات الغربية القائمة بشكل فعال حتى يمكن تحويلها ووضعها في خدمة الإسلام.

*  إقامة تحالفات مع المنظمات الغربية "التقدمية" التي تشترك في الأهداف نفسها.

ووفق الوثائق السابقة اعتمدت الجماعة في الولايات المتحدة على إنشاء المراكز الإسلامية، وسياسة التقية، وخلق عالم موازٍ عن طريق تحويل المراكز الإسلامية إلى مجتمع إخواني كامل: مسجد ومدرسة ومنظمة حقوقية، وخدمات اجتماعية... إلخ.

يقول الباحث الكندي من أصل مصري سعيد شعيب في تصريح خاص لـ "حفريات": إنّ الجانب الذي توضحه الوثائق هو بناء قوة الدعوة الإسلامية بشكل مستدام ودعم الحركات المنخرطة في الجهاد في العالم الإسلامي، وحماية دعوة الجماعة بالقوة اللازمة لضمان أمنها محلياً وعالمياً، وتأسيس منظمات إسلامية تحمل إيديولوجيا الإخوان نفسها، وأمّا الأهداف الفرعية، فهي التمويل والاستثمار، ثانياً العلاقات الخارجية، ثالثاً إحياء النشاط النسائي، رابعاً الوعي السياسي لأعضاء الجماعة، خامساً تأمين الجماعة.

عمر شفيق همامي، زعيم حركة الشباب الصومالية الذي تولى رئاسة فرع جمعية بجامعة ألاباما الأمريكية

ويعتبر الإخوان أنّ أهم الخطوات هي اختراق مجتمعات الأمن القومي وسلطات إنفاذ القانون والمؤسسات العسكرية والعقابية ووسائل الإعلام ومراكز الفكر ومجموعات السياسات والأوساط الأكاديمية والمجتمعات الدينية غير المسلمة، للوصول إلى الاستراتيجية الشاملة للسيطرة على السياسة الأمريكية.

الاختراق والتأثير في السياسة

وفق ما ذكره الباحث سعيد شعيب، فقد بدأ الانتباه إلى تأثير الجماعة على السياسة الأمريكية قبل وقت طويل من هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، حيث إنّ الشبكة التنظيمية الضخمة للإخوان المسلمين في الولايات المتحدة، والتي تم بناؤها بصبر على مدى عقود منذ عام 1953 من أموال الشرق الأوسط، أعطتهم في نهاية المطاف شهرة ومصداقية زائفة. وذلك باستخدام مزيج من التقية (الخداع والرياء) والترهيب. وقد نجح الإخوان ليس فقط في أن يكونوا المرجعية لكل ما هو إسلامي، ولكن أيضاً نجحوا في قمع كل من ينتقد إيديولوجيتهم، بل وفي كثير من الأحيان من خلال كبار المسؤولين غير المسلمين في الولايات المتحدة الذين اعتقدوا أنّ الإخوان ممثلون للإسلام والمسلمين.

ضرب شعيب نموذجاً مهماً على الاختراق الإخواني والتأثير وهو عبد الرحمن العمودي، الذي اخترق المراتب العليا لكلٍّ من الإدارات الرئاسية الديمقراطية والجمهورية، وأصبح مستشاراً للرئيس بيل كلينتون والسيدة الأولى آنذاك هيلاري كلينتون، وأيضاً خالد صفوري وسامي العريان، في حملة بوش الرئاسية. وأتت تحركات العمودي ثمارها، بعد فوز بوش، حيث تم تعيين سهيل خان، المعروف بصلته بالإخوان، في مكتب الاتصال العام بالبيت الأبيض، وكذا لؤي صافي الذي شغل مناصب رسمية في ISNA الإخوانية، كممثل للدين الإسلامي في برنامج البنتاغون العسكري، وأعطى هذا الموقف جماعة الإخوان المسلمين فرصاً غير مسبوقة للتأثير في أعلى مستويات صنع السياسة الأمريكية.

تتوغل الشبكة الإخوانية في عالم الإخوان الموازي، وأهمّ الأمثلة على ذلك منظمة كير، وهي من المنظمات الكبرى في أمريكا الشمالية

تضم قائمة عناصر الجماعة البارزين في محيط الساسة الأمريكيين (رشاد حسين)، مبعوث إدارة أوباما إلى منظمة التعاون الإسلامي والمسؤول عن تقديم المشورة بشأن الأمن القومي والتواصل مع المسلمين، و(هوما عابدين)، نائبة رئيس موظفي وزارة الخارجية في عهد هيلاري كلينتون. وكانت قد تدرجت في مناصب مختلفة منذ قدومها لأول مرة إلى البيت الأبيض كمتدربة في عام 1996، بينما كانت طالبة في جامعة جورج واشنطن في واشنطن العاصمة، وهي الإخوانية التي ارتبطت عائلتها ارتباطاً وثيقاً بأفراد من القيادات العليا في الجماعة.

إضافة إلى قائمة الشخصيات تتوغل الشبكة الإخوانية في عالم الإخوان الموازي، وأهم الأمثلة على ذلك منظمة كير، وهي من المنظمات الكبرى في أمريكا الشمالية، ولها في الولايات المتحدة وحدها (28) فرعاً، وهي التي صنفتها دولة الإمارات في كانون الأول (ديسمبر) 2016 كياناً إرهابياً.

أمّا الرابطة الإسلامية لأمريكا الشمالية (ISNA)، فهي المعبّر عن جماعة الإخوان، وحلقة الوصل بين الجماعة الأم والتنظيم الدولي والإدارة الأمريكية، وخاصة البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي، هذا إضافة إلى عدد من المنظمات الأخرى مثل المجلس الفقهي لأمريكا الشمالية والجمعية الإسلامية الأمريكية (MAS)  والمجلس الأوروبي للشؤون الإسلامية.

رشاد حسين، مبعوث إدارة أوباما إلى منظمة التعاون الإسلامي

ويُعتبر المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الذي تأسس في عام 1985 بولاية فيرجينيا بهدف تدريب وتثقيف الدعاة والعلماء في مجال أسلمة العلوم الاجتماعية والانخراط في هذا المجال من خلال الكتابة أحد أذرع الجماعة.

ومن أذرع الجماعة أيضاً المجلس الإسلامي للشؤون العامة، الذي تأسس عام 1988 بوساطة قيادات المركز الإسلامي لجنوب كاليفورنيا، وتولى إدارته الدكتور (حسان حتحوت) الذي انضم للإخوان عام 1941 على يد مؤسسها (حسن البنا).

أمّا الصندوق الإسلامي لأمريكا الشمالية الذي تم تأسيسه عام 2001 على يد أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، فيعدّ بمثابة المحفظة المالية التي يمول من خلالها التنظيم الدولي للجماعة أنشطته بمختلف أنحاء العالم، ويمتلك الصندوق حالياً أصولاً عقارية في أكثر من (40) دولة حول العالم، ويسيطر على أكثر من (1200) مسجد في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وعدد من المراكز الإسلامية لتكون منصة لنشر أفكار الجماعة وجذب المزيد من الشباب لتجنيدهم.

في الختام، فإنّ جماعة الإخوان تعتمد استراتيجيتها في أمريكا على الاختراق والتمدد داخل الجاليات والمؤسسات، وبناء شبكة واسعة من المؤسسات لتكون أذرع متعددة الأشكال والمهام، وقوة يمكن استغلالها والرهان عليها أمام الإدارات المتعاقبة، وحماية المصالح الإخوانية.

مواضيع ذات صلة:

بيرو... جالية مسلمة صغيرة وتطرف إسلاموي كبير

كيف تأسس الوجود الإخواني في أمريكا اللاتينية؟

الإخوان في باراغواي "إرهابية".. هل بدأ حصار الجماعة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية