استهداف الأقباط بالمنيا.. ما دلالات التوقيت؟

مصر والإرهاب

استهداف الأقباط بالمنيا.. ما دلالات التوقيت؟


04/11/2018

لم تكن العملية الإرهابية، التي استهدفت عصر الجمعة 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، ثلاث حافلات تقل أقباطاً من "دير الأنبا صموئيل" بمحافظة المنيا، وأسفرت عن مقتل 7 وإصابة العشرات من الأقباط، مفاجأة؛ لأنّها جزء من سياسات إرهابية معروفة ضد رجال الشرطة، ثم الانتقال إلى مرحلة اغتيال الأقباط واستهدافهم.

جاء الهجوم الإرهابي الأخير عقب نشر لجان إعلامية تابعة للإخوان فيلماً وثائقياً يحتفي باستهداف الجيش والشرطة

تفتّقت ذهنيات هذه التنظيمات أيديولوجياً عن أنّ مسيحيي مصر محاربون يجوز استهدافهم، كما سياسياً هم أكبر داعمين للنظام المصري، وثالثاً تكتيكياً هم الحلقة الأضعف التي ستوجع النظام وحلفاءه، وجاء الهجوم الإرهابي بعد يوم واحد من قيام لجان إعلامية تابعة لتنظيم الإخوان بنشر فيلم وثائقي يحتفي بالتنظيمات التي قامت بعمليات ضد الجيش والشرطة في مصر، كما يتضمن دعاية لما عُرف بهجوم "كمين الواحات"، الذي راح ضحيته 16 ضابطاً في الأمن في تشرين الأول (أكتوبر) العام 2017، ثم تهديده بالقيام بعمليات جديدة، وهذا يدلل على أنّ هناك رابطاً مباشراً في التوقيت بين الدعاية الإخوانية والهجوم الإرهابي، ما يثبت التنسيق قبل القيام بهذه العمليات.

يظهر أيضاً توقيت الهجوم ومكانه التخطيط الذي تم بعناية؛ حيث كان الهجوم يوم الجمعة، وهو يوم معتاد لطقوس تتم في دير الأنبا صمويل، الذي يقع في منطقة نائية بالصحراء الغربية يصعب تأمينها.

أسفرت عن مقتل 7 وإصابة العشرات من الأقباط

ما الذي حدث؟

هاجمت قوات الأمن المصرية خلية إرهابية قبل الحادث يقودها الهارب عمرو سعد عباس، أحد المخططين لتفجير كنائس الأقباط، البطرسية وكاتدرائية العباسية وكنيسة مارجرجس، التي كانت يوم الأحد 11 كانون الأول (ديسمبر) 2016، لكنه فرّ في اتجاه الصحراء الغربية، ورصدت الشرطة عدة مجموعات بصعيد مصر، كان آخرها خلية أسيوط التي هاجمها الأمن وقتل منها 7 أفراد.

ثمة مؤشرات إلى وجود رابط في التوقيت بين الدعاية الإخوانية والهجوم الإرهابي

كان من الواضح أنّ هناك تجهيزات وتخطيطاً لخلق موجة جديدة من العنف عقب انهيار "داعش سيناء" والعملية الشاملة، التي نجحت في القضاء على قيادات التنظيم ومنهم؛ أبو أسامة المصري، ومحمد الصعيدي.

قبل الحادث بيوم واحد نشر (إعلام المقاومة) التابع لجماعة الإخوان إصداراً بعنوان (الكمين القاتل) دعا المتحدث الرئيسي فيه، والذي أخفى وجهه إلى القيام بعمليات جديدة، مهدداً بعودة سياسة الاغتيالات.

اتضح من الفيديو تأثير القبض على هشام عشماوي، وكيف أوجع هذه التنظيمات، ورغم الخلافات العقدية بين داعش وعشماوي والإخوان، إلا أنّ ما ورد بالإصدار من تكفير الأعوان والتكفير بالموالاة، أثبت أنّ الفروق الأيديولوجية بينهم قد ضاقت جداً، لدرجة أنّ جماعة الإخوان هي من تروّج لهذا الإصدار، الذي بلغت مدته حوالي ثلث ساعة.

اقرأ أيضاً: تفاصيل الهجوم الإرهابي على حافلة أقباط في المنيا بمصر

في منتصف نهار الجمعة اخترقت 3 عربات دفع رباعي الجبل، ونزلت مسرعة من الهضبة القريبة من دير الأنبا صمويل، وأطلقت إحداها النيران على سيارة إحدى العائلات من قرية (الكوامل بحري) محافظة سوهاج، بالقرب من منطقة دير الأنبا صموئيل، ما أسفر عن وقوع عدة إصابات بين ركابها العائدين من الدير بعد إتمام طقس معمودية أحد أطفال العائلة، ثم أطلقوا النيران على حافلة، وحاصروا سيارة ميكروباص من مدينة المنيا، وأطلقوا النيران على من فيها، ما أسفر عن سقوط عدد من القتلى ووقوع عدة إصابات.

يعتبر الأقباط دائماً هم الحلقة الأضعف، لدى هذه التنظيمات

استهداف الحلقة الأضعف

عادة ما تركز الجماعات المتطرفة في هجماتها على الأقباط، في محاولة لإظهار عدم قدرة السلطات على حماية الأقليات الدينية، وهو ما يثير حساسية لدى الغرب.

ويعتبر الأقباط دائماً هم الحلقة الأضعف، لدى هذه التنظيمات، التي ترتب أولوياتها عبر مهاجمة الجيش والشرطة ثم المسيحيين، الذين يمثلون هدفاً موجعاً، ويسهل اصطياده، كما يصعب حمايتهم جميعاً خاصة الأديرة، التي تقع جغرافياً في منطقة رخوة صعبة التأمين، هناك بعيداً في الصحراء، ويثير استهدافها الرأي العام في الداخل والخارج، وهو ما يريده الإرهابيون.

كان من الواضح أنّ هناك تجهيزات وتخطيطاً لخلق موجة جديدة من العنف عقب انهيار "داعش سيناء"

تزامن توقيت العملية مع اليوم الأول من منتدى شباب العالم، الذي يهتم به الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ويكون دائماً في مقدمة حضوره، ليرسل رسالة للعالم أنّ مصر آمنة، وهي سائرة في طريق التقدم، ليعكس الإرهابيون الرسالة، وهذا هو هدفهم الأول.

ليست هي المرة الأولى التي يتعرض فيها أقباط محافظة المنيا لعمليات إرهابية؛ إذ إنّ تعدادهم الكبير، وكنائسهم وأديرتهم المنتشرة بطول وعرض المحافظة يعرضهم دائماً لهجمات التنظيمات الراديكالية.

بصفة عامة يؤدي التراث الديني المهيمن على التنظيمات ومنها داعش، الذي أعلن عبر وكالته (أعماق) عن مسؤوليته عن الحادث، إلى نشر ثقافة الكراهية الواسعة لهم، مما يؤسس لعدد كبير من الجرائم.

تزامن توقيت العملية مع اليوم الأول لمنتدى شباب العالم الذي يستهدف رسالة للعالم أن مصر آمنة

هناك عدة مستويات لاستهداف الأقباط ولعودة تلك العمليات من جديد لمصر؛ الأول أن التنظيمات سواء التابعة لداعش أو القاعدة تؤمن أن استهداف الأقباط هو الوسيلة الوحيدة للنكاية في الدولة المصرية، لذا يحاولون ضرب الاقتصاد المصري، وتصدير القلاقل للداخل المصري والعمل على زعزعة نسيج الدولة الاجتماعي.

أما الثاني فهو عقدي أيديولوجي؛ حيث تعتمد تلك التنظيمات على بعض النصوص الفقهية التي تحتاج إلى تأويل؛ لأنّ عدم التثبت من صحة بعض النصوص أو الالتباس في فهمها ووضعها في إطار غير إطارها، أو تأويلها وتحميلها بغير ما تحتمل، يستغله الإرهابيون في تبرير هذه الجرائم، وهو الذي جعلهم يستهدفون الأقباط على اعتبار أنهم محاربون، وأنّ هناك أحكاماً نهائية للعلاقة بين الأمة وسائر الأمم قائمة على المواجهة وآية السيف.

اقرأ أيضاً: دمشاو تعيد مآسي الأقباط مع المتطرفين

وفي هذا السياق، يقول الباحث المصري مصطفى زهران في تصريح خاص بـ"حفريات": إنّ داعش يعي جيداً أنه إذا أراد أن يحقق إنجازاً في مسيرته وفي خطواته بالداخل المصري، الهادف إلى زعزعة الاستقرار وضرب النسيج الاجتماعي الداخلي، لن يجد أفضل من استهداف الأقباط، لذا فهو يسعى إلى محاولة تثويرهم، وتحويل المشهد السياسي إلى سجال قد يعقبه مشاهدات أخرى لا يمكن التنبؤ بها يصب في مصلحة تلك التنظيمات.

قبل الحادث بيوم واحد نشر (إعلام المقاومة) التابع لجماعة الإخوان إصداراً بعنوان (الكمين القاتل)

هل تستمر عمليات داعش؟

إنّ ما جرى نتيجة طبيعية لعدم القبض على مجموعة تفجير كنائس الأقباط بقيادة عمرو سعد ومهاب السيد، كما يشير إلى موجة ارتداد حقيقية من المهاجرين للقتال مع داعش، بعد أن عادوا، ووجدوا أنّ البيئة الخصبة، والمناسبة، هي عمل خلايا جديدة، بسبب التجانس الفكري، والجغرافيا، والبيئة التي هي قابلة لاحتضانهم أحياناً.

عودة مثل هذه العمليات للظهور كل فترة لن يكون مفاجئاً في ظل عدم معالجة جذور تغذية الإرهاب

هناك كذلك الذين عدّلوا مسار هجرتهم من داعش الأم إلى داعش الفرع، فبدلاً من التوجه إلى المركز، توجهوا إلى الهوامش، فداعش في الأغلب يعتمد على 4 عناصر للمواجهة، أولها الولايات المركزية، ثم أفرع التنظيم مثل؛ فرع سيناء، والخلايا العنقودية، ثم الجهاد الفردي.

تباعد النطاقات الزمنية لعمليات التنظيم، التي كانت تتم كل شهر تقريباً، ووصلت الآن إلى عملية كل 6 أشهر تدلل على تراجع قدرة هذه التنظيمات، ولا تعد عملية الجمعة مؤشراً على عودته كسابق عهده، إلا أنّ هناك مشكلات حقيقية تتعلق بالأفكار، وكذلك الإحباط، والفراغ الذى لم تملؤه الدولة، فملأته تلك الجماعات فأدى إلى توالد متطرفين آخرين؛ لأنّه لا يمكن إقناع المتطرف، لكن يمكن تحويله إلى قضية أخرى.

اقرأ أيضاً: لماذا يستهدف تنظيم داعش أقباط مصر؟

وفق هذه المؤشرات فإنّ عودة مثل هذه العمليات للظهور كل فترة لن يكون مفاجئاً؛ لأنّ البيئة المصرية خاصة بسيناء وصعيد مصر ساعدت التنظيم على التمدد، ومنها وجود منافذ بحرية على الصحراء، فضلاً عن الظروف الاقتصادية والسياسية، التي تعد بيئة مناسبة للتجنيد، وخلق عناصر جديدة، ولم يتم التوصل إلى استراتيجية مدروسة لمعالجتها حتى الآن.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية