اقتصاديات الحرس الثوري تفاقم الأزمات بين أجنحة النظام الإيراني

اقتصاديات الحرس الثوري تفاقم الأزمات بين أجنحة النظام الإيراني

اقتصاديات الحرس الثوري تفاقم الأزمات بين أجنحة النظام الإيراني


25/04/2023

في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تقع تحت وطأتها إيران، ووصول التضخم لـنحو 40 بالمئة، فإنّ تسريبات صحفية كشفت عن خلافات جمّة داخل النظام، وبخاصة الجناح الأصولي الذي بات يضع الأزمة على عاتق حكومة إبراهيم رئيسي. وفي ما يبدو أنّ قوى النظام تصطدم وتتباعد بينهم وجهات النظر على خلفية السياسات الاقتصادية التي تضاعف ميزانية الحرس الثوري، بما يعكس حجم الصراع والتنافس على السلطة والثروة.

صراع المال والسلاح بإيران 

ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة المحلية في مقابل الدولار، الأمر الذي فرض تداعيات سلبية على الحياة الاجتماعية لدى المواطنين، وتدني الأحوال المعيشية، شنّ برلمانيون وكذا رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قالبيقاف، هجمات عنيفة طاولت الفريق الاقتصادي لحكومة رئيسي. ولذا، فإنّ الأنباء المسربة بخصوص ضلوع قالبيقاف، ومساعده جمال الدين أبرومند، في عملية استقالة رئيس البنك المركزي السابق، صالح أبادي، رغماً عنه وقسراً، لا تبدو غريبة.

وبحسب "إيران إنترناشيونال"، التي نقلت مقرها من لندن إلى أمريكا بعد تهديدات إيرانية حسب زعمها، فإنّ رئيس البنك المركزي صالح أبادي تمت إقالته نتيجة "مقاومته لتجاوزات قاليباف وأبرومند. وهذان المسؤولان لهما 4 مؤيدين آخرين في البرلمان لتمويل فيلق القدس. ومن هؤلاء المؤيدين: أمير إبراهيم رسولي، مدير عام هيئة رئاسة البرلمان والمتحدث باسم مجلس ائتلاف قوى الثورة الذي اطلق هاشتاغ "رئيسي تعال" في انتخابات 2021. كما أنّ إلياس نادران، ومصطفى ميرسليم، ومحسن دهنوي، وهم من مؤيدي قاليباف وأبرومند، وكانوا يحاولون الضغط على مسعود مير كاظمي، رئيس منظمة التخطيط والميزانية، الذي أقيل قبل أسبوع من عزل رئيس البنك المركزي لنفس السبب".

منصور أبو سعد: قالبيقاف أحد قادة الحرس الثوري وضمن مافيا الفساد

مطلع العام، صرح قاليباف، في جلسة علنية بالبرلمان، بأهمية معالجة نظام الحكم في المجالات كافة، مشدداً على ضرورة منح الأولوية للقضايا الاقتصادية. ونقلت وكالة أنباء "فارس" عن رئيس البرلمان قوله إنّه يتعين على الحكومة الوصول لصيغة آمنة لإصلاح المعضلات التي يعاني منها المواطنون واتخاذ القرارات في الوقت المناسب.

وبالتزامن مع تصريحات قالبيقاف، قرر الرئيس الإيراني عزل علي صالح آبادي، بينما تولى محمد علي فرزين، الرئيس السابق لبنك ملي، رئاسة البنك المركزي.

قوى النظام تصطدم وتتباعد بينهم وجهات النظر على خلفية السياسات الاقتصادية التي تضاعف ميزانية الحرس الثوري، بما يعكس حجم الصراع والتنافس على السلطة والثروة

ومن بين ما ذكره رئيس البرلمان الإيراني الذي يحمل خصومه مع رئيسي، أنّ البلاد منذ وصول الأخير للحكم تواجه إدارة سيئة وقد تسببت في أزمات عديدة، منها تدني القدرة الشرائية، وإخفاق الحكومة في تحسين الوضع المعيشي للمواطنين، ثم انهيار العملة بشكل غير مسبوق. بالتالي، أضحى من الضرورى إصلاح آليات الحكم.

وفي حديثه لـ"حفريات" يقول عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية الشعبية، منصور أبو سعد، إنّ محمد باقر قاليباف هو أحد قادة الحرس الثوري "الإرهابي" في السابق، بل إنّه ضمن "مافيا الفساد واختلاس الأموال في ايران لحساب نشاط "الحرس" وفيلق القدس إقليمياً. كما يتمتع بخبرة أربعين عاماً في الأنشطة العسكرية والسياسية والاقتصادية، وله ملفات فساد اقتصادية كبيرة، بدأت قبل 15 عاماً إثر ارتباط اسمه بشبكات تهريب المخدرات والمحروقات خارج البلد".

مافيا الحرس الثوري

ووفق أبو سعد، فإنّ قالبيقاف يعد أحد أذرع المرشد الإيراني، علي خامنئي، مرجحاً أنّه "لم يتحرك من تلقاء نفسه في ما يخص عزل رئيس البنك المركزي، إنّما نفذ أوامر من المرشد لتقوية فيلق القدس الإرهابي بالأموال، حتي يتكمن من مواصلة عملياته التخريبية التوسعية بالمنطقة، وتمويل ميليشيات إيران الخارجية، كحزب الله في لبنان والحشد الشعبي بالعراق والحوثي باليمن. تصدر قاليباف المشهد يعد مقصوداً لتشتيت التركيز عن أيّ اتهامات تطاول المرشد الإيراني. مع الأخذ في الاعتبار أنّ هناك قوى داخل النظام لها اعتراضات على نفقات وطبيعة تمويل الحرس الثوري وفيلق القدس بهذه الصورة الضخمة".

ويردف: "الآن، عصابة قاليباف وبعض قادة الحرس الثوري، الذين تقلدوا مناصب سياسية وبعضهم في البرلمان، مثل جمال ‌الدین آبرومند ومصطفی میرسلیم، وآخرين، ضغطوا على رئيس البنك المركزي السابق حتى تم طرده من المنصب، الأمر الذي يمكنهم من العمل بحرية لدعم فيلق القدس الإرهابي. وهذا كله حصل بغطاء المرشد الإيراني، واستغلال قالبيباف منصبه باعتباره رئيساً للبرلمان الإيراني".

عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية الشعبية، منصور أبو سعد لـ"حفريات": قالبيقاف أحد قادة الحرس الثوري، بل إنّه ضمن مافيا الفساد واختلاس الأموال لحساب نشاط الحرس إقليمياً

وبالعودة إلى "إيران إنترناشيونال" فإنّ "جمال الدين أبرومند، مساعد رئيس البرلمان في مجال التطوير والخدمة، هو وسيط فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني لتوفير الأموال، بشكل علني وغير علني، لهذه المؤسسة العسكرية. وفي العام الماضي، تم الكشف عن تلاعب البرلمان بأرقام الميزانية بعد الموافقة على مشروع قانون الموازنة. وبعد ذلك بقليل اتضح أنّ جمال الدين أبرومند مستشار حكومة رئيسي في منطقة "محور المقاومة" هو من تلاعب بهذه الأرقام".

وتابع الموقع أنّه "في العام الماضي أيضاً، طلب فيلق القدس ميزانية إضافية لتغطية رواتب 100 ألف آخرين من ميليشياته في الشرق الأوسط، وبعد استلامها بالتومان تم تحويلها إلى الدولار وإرسالها إلى خارج الحدود. وفي خريف عام 2022، رفع البرلمان رواتب القوات المسلحة بنسبة 20 في المائة".

قوة الحرس وتهميش "رئيسي"

ونقل الموقع عن مصدر إيراني مطلع، لم تكشف عن هويته، أنّ "قالبيقاف وأبرومند حاولا بكل قوتهما زيادة ميزانية الحرس الثوري الإيراني في كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) الماضيين. وفي نفس الفترة، وبينما كان سوق العملات مضطرباً، تم تسليم مئات الملايين من الدولارات إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني نقداً".

صلاح أبو شريف: الخلافات داخل النظام الإيراني تنتهي بالتصفية

وسبق للموقع أن كشف عن نفقات ضخمة تحظى بها العناصر الميليشياوية المدعومة من الحرس الثوري، حيث تلقى "عنصر تابع لحزب الله اللبناني 1300 دولار شهرياً من إيران، كما دفع فيلق القدس 125 دولاراً إضافياً لكل عنصر تابع لحزب الله اللبناني خلال شهر رمضان. ويعد سحب الدولارات من البلاد لتمويل الميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة من أهم العوامل في زيادة سعر الدولار".

وأردف: "قد كان لجمال الدين أبرومند، دور خاص في تمويل هذه الميليشيات، بصفته المدير السابق لمؤسسة تعاون الحرس الثوري الإيراني، بالتعاون مع قالبيقاف، كما لعب دوراً رئيسياً في قضية فساد الـ13 ألف مليار تومان في بلدية طهران".

إذاً، للنظام الإيراني أجنحة وهي تختلف بشدة في مسألة إدارة الحكم، والسياسات الداخلية، الأمنية والاقتصادية وحتى الثقافية، حسبما يوضح الأمين العام للجبهة الديمقراطية الشعبية (الأحوازية)، صلاح أبو شريف.

ويردف أبو شريف لـ"حفريات": "تظهر هذه الخلافات، أحياناً، على السطح، وتنتهي بعمليات تصفية، سواء الإقامة الجبرية لبعض الأشخاص، كما حدث مع خصوم النظام، وقادة المعارضة، منهم شخصيات دينية إصلاحية مرتبطة بالحركة الخضراء، أو اغتيالات عنيفة ودموية وللملالي سجل حافل في ذلك، بالإضافة إلى الإقالات القسرية. ما حدث مع مير حسين موسوي، رئيس الوزراء السابق، ومهدي كروبي، رجل الدين الإصلاحي، من إقامات جبرية يختلف تماماً عن وقائع دموية لآخرين تعرضوا للاعتراف القسري، ثم الإعدام وأحياناً الخطف من دول أخرى، لينتهي بهم المطاف لمنصة الإعدام، وقد حدث ذلك مع علي رضا أكبري، مساعد وزير الدفاع الإيراني".

تنطبق هذه المقاربة أو الاستراتيجية الإيرانية على رئيس البنك المركزي السابق الذي تعرض للإقالة. ويقول أبو شريف إنّ النتيجة التي وصل لها رئيس البنك المركزي في إيران هي نتيجة اصطدامه بالفريق أو "الجناح الذي يختلف نسبياً مع الحكومة في إدارة الجانب الاقتصادي. وهذا الجناح يعطي الأولوية القصوى للميليشيات والإرهاب الذي يطوق المنطقة. ومن بين أهداف هذا الفريق، تأمين الملفات الاقتصادية الكبيرة التي يديرها الحرس الثوري، خاصة أنّ لديه موسسات مالية ضخمة تستخدم البنوك الإيرانية في تبييض الأموال من دون مراجعة المسؤولين. كما أنّ قيادات الحرس تنقل مليارات الدولارات للخارج بعد تصريفها بالتومان الإيراني لاستعمالها في مشاريع توسعية، مما أثر بشكل كبير على العملة الإيرانية، وانخفاضها بشكل كبير أمام العملات الأجنبية".

مواضيع ذات صلة:

مشروع الموازنة الإيرانية: أرقام متفائلة تصطدم بالواقع

كيف يؤثر الاتفاق السعودي الإيراني على إسرائيل؟

هل يملأ الاتفاق السعودي الإيراني الفراغ الرئاسي اللبناني؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية