الأحقية في الخطأ تتطلب إيجاد البديل الأصح

الأحقية في الخطأ تتطلب إيجاد البديل الأصح

الأحقية في الخطأ تتطلب إيجاد البديل الأصح


14/03/2023

الخطأ هو ذاك الجرح الذي قد نداريه، أو قد نملك الشجاعة للإعلان عنه، ما دمنا كائنات تقتات على الخطأ، لكن مع ذلك قد نكابر أمام أخطائنا، ربما لأنّها تُعرّي جرحنا التعلمي، فهل يحق لي المكابرة في الاعتراف بالخطأ؟ أليست المكابرة تمادياً في الخطأ، وهنا أصير أمام خطأين؟ هل فعلاً يتطلب الخطأ الاعتراف به لتحقيق التجاوز؟

ليكون لي الحق في الخطأ، وجب عليَّ أوّلاً أن أعي أنّني ارتكبت خطأً، الوعي هنا يمتد من خلال لحظتين يصعب وضع الحدّ الفاصل بينهما بشكل واضح، ما دام أنّ اللحظتين يغلب عليهما الجانب النفسي لمرتكبي الخطأ، أكثر منه العقلي/ التعلمي. وهي مسألة تحتاج للوقت لاستيعابها؛ إذ نحن بالفطرة الاجتماعية نستحي من أخطائنا أمام الآخرين.

اللحظة الأولى: تتعلق بالإشارة إلى وجود خطأ ما، فيما اعتقدته صحيحاً، تُعبّر هذه اللحظة عن صدمة نفسية، تعمل على مسح طاولتي، أصير أمام فراغ إمكانياتي؛ لتجاوز الصدمة أيتطلب الأمر التشبث بالخطأ لدرء فراغ جعبتي؟.

اللحظة الثانية: تتعلق بردة الفعل إزاء هذا الخطأ المكتشف، هل أقبله بكلّ سلاسة، بداعي أنّ الخطأ ليس خطيئة، وإنّما آلية للتعلم، لكنّني لا أملك بديلاً، فأين الأصح إذن؟

اللحظتان معاً لا تُعبّران عن رفض صريح وواع بارتكاب الخطأ، بل تُعبّران في الغالب عن جانب نفسي/ انفعالي، يعيش على وقعه مرتكب الخطأ، إنّه نوع من الشعور بنزع جزء معرفي، اعتقد بصحته قبل الإشارة إلى خطئه. إذ مطلوب منه التخلي عمّا يملكه للانطلاق نحو المجهول، إنّها عملية الفقد/ إعدام إمكانياتي، هي التي تثير إشكالية الاعتراف، وليس الاعتراف في حدّ ذاته.

الخطأ ضرورة تعلمية متفق عليها، ولا جدال حولها؛ فالخطأ يحمل بكل تأكيد  قيمة أفضل من الصحيح؛ لأنّ أرضية الخطأ أرضية رخوة، تسمح بالتأرجح فوقها بكل أريحية المتعلم المتخلص من حرجية الخطأ

لا أعتقد مثلاً أنّ الفيلسوف الفرنسي رينييه ديكارت قد بنى نسقه المعرفي بشكل بَعدي؛ أي بعد أن انتبه إلى أخطاء بعض معارفه، بل أقدر أنّه شيّد معماره المعرفي بشكل قَبلي؛ أي قبل أن يعلن أنّ هناك معارف أو آراء خاطئة، اعتقد لمدة بصحتها، هنا يكون قد طرح الضمان لاستمرار معرفته قبل إعلانه التخلي عن معارفه السابقة المشكوك في صحتها.

 نثير هنا مسألة ضرورة وجود ضمانة/ بديل، يأتي بعد اكتشاف الخطأ؛ لإعلان التخلي عن هذا الخطأ، فنصير بذلك نتكلم عن إمكانية التجاوز، وليس جرم/ جرح الخطأ.

ما أقصده أنّ الخطأ ضرورة تعلمية متفق عليها، ولا جدال حولها؛ فالخطأ يحمل بكل تأكيد  قيمة أفضل من الصحيح؛ لأنّ أرضية الخطأ أرضية رخوة، تسمح لي بالتأرجح فوقها بكل أريحية المتعلم المتخلص من حرجية الخطأ، لي الحق في أكون مخطئاً بعد أن أعرف مكامن الخطأ، وبديل هذا الخطأ، لأنّ الأصح هنا يصير عكازي/ معولي؛ لأتجاوز الخطأ. أي أجد عتبة لتجاوز الخطأ قبل اعتبار ما تجاوزته خطأ، إنّ صيرورة الذات تتعلم بشكل جدلي من السالب نحو الإيجاب والعكس صحيح، ولا ننال الأحقية في الحق في الخطأ، إلّا بعد أن نجد البديل الأصح، قبل أن أعلن أنّ ما تجاوزته كان خطأ، آنذاك يكون الاعتراف بالخطأ اعترافاً بتجاوزه، وليس الوقوف عند حدود حرجية ارتكابه.

الأمر في الحقيقة يتطلب الخروج من اللحظة الزمنية المرتبطة باكتشاف الخطأ، وأن نعاين الخطأ خارج واقعة الإشارة إلى وجوده، قد يتأتى الأمر عبر دينامية ذاتية، أو بفعل إشارة خارج الذات (كما هو حال نقاشنا)، لكن الأكيد أنّنا نتعلم من إشارت الغير لأخطائنا، وإن لم نعترف بذلك، ممّا يجعل الإشكال يرتبط بالاعتراف بالخطأ، وليس بارتكاب الخطأ.

(يأتي هذا المقال رداً على مقال المفكر السوري المتميز حسام الدين درويش، على آخر مقالة بهذا الخصوص، التي جاءت تحت عنوان "لي الحق في الخطأ"، وأشيد هنا بفعالية الإشارات التي يثيرها الدكتور حسام الدين درويش، في إثارة الحرج أو الجرح الذي نعانيه للاعتراف بأخطائنا).




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية