الأسود الخمسة تتحدى طالبان: ماهي أفق الاقتتال الأهلي في أفغانستان؟

الأسود الخمسة تتحدى طالبان: ماهي أفق الاقتتال الأهلي في أفغانستان؟


28/08/2021

على الرغم من خطاب التطمين الذي باشرته حركة طالبان عقب سيطرتها على العاصمة الأفغانية، كابول قبل 10 أيام، فإن تطورات الأحداث تأتي معاكسة تماماً لما يمكن وصفه بتهدئة تسود البلاد هناك كنتيجة لحسم طالبان المفاجئ بقوة السلاح والأمر الواقع، أو كتمهيد لمرحلة عنوانها الحوار والتشاركية، حسبما أتت تصريحات قادتها طيلة الفترة الماضية.

فعلى الرغم من المشاورات والمحادثات مع مختلف مكونات الاجتماع الأفغاني، بما في ذلك رموز ومكونات النظام المنهار، والتي صاحبت عودة الرجل القوي في طالبان، المُلا عبد الغني برادر، إلى أفغانستان، والتي تهدف حسب ما يظهر حتى الأن من الخطاب الإعلامي للحركة، إظهارها بوجه جديد في الداخل والخارج سمته التغيير والتعايش، فإن مؤشرات العنف تتصاعد إلى حد الاقتتال الأهلي، لتعيد إلى الأذهان مشهد ما قبل الاجتياح الأميركي، والذي تمثل في الاقتتال الأهلي بين طالبان والتحالف الشمالي، وتحديداً ما يحدث في ولاية بانجشير، التي باتت مرتكز لتجمع عشرات الآلاف من المقاتلين الرافضين لحكم طالبان، وليس فقط سكان الولاية وقادتها القبليين والعسكريين، وعلى رأسهم أحمد مسعود، نجل القائد السياسي والعسكري البارز، أحمد شاه مسعود.

فحسب وسائل إعلامية متنوعة، فأن اشتباكات متفرقة قد اندلعت بين مقاتلي طالبان ومقاتلي من “الجبهة الوطنية للمقاومة”، وذلك في مناطق متفرقة على تخوم ولاية بنجشير، وعدد من المقاطعات بولاية بغلان، وأخرها منطقة أندراب ذات الغالبية الطاجيكية، وذلك كخلفية لمشهد الحوار الخشن بين مختلف أجنحة الحركة والجبهة، عبر وساطات أبرزها الرئيس السابق حامد كرزاي، والرئيس التنفيذي السابق، عبدالله عبدالله، والتي تأتي في سياق أفغاني معتاد من التفاوض تحت فوهات المدافع.

ويأتي السابق بالتوازي مع تحذيرات أممية ودولية حول تدهور الأوضاع الإنسانية في أفغانستان، والتي لا تتعلق فقط بمخاوف حقوقية من ممارسات طالبان المتشددة، ولكن تدهور الأوضاع المعيشية، وتعرض 15 مليون أفغاني لخطر الجوع. وهو ما يتوازى مع تصاعد مخاطر عودة نشاط التنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة، وتفاعل دول الجوار الأفغاني مع هذا المشهد من مقاربات مختلفة ليس من ضمنها حتى كتابة هذه السطور الصدام مع طالبان.

تأتي خصوصية ولاية بانجشير، والتي تعني بالطاجكية “الأسود الخمسة”، من حزمة أسباب تتنوع بين الجغرافيا والديموغرافيا؛ فالولاية التي تبعد 150 كم عن كابول تُعد من حواضر عرقية الطاجيك في البلاد، والذين تمترسوا على مدار قرون في التضاريس الوعرة حول وادي نهر بانجشير، والتي بدورها وفرت حصانة فائقة ضد معظم محاولات السيطرة عليها بالقوة خاصة أخر أربعة عقود؛ حيث حاولت القوات السوفياتية اقتحامها 8 مرات في سنوات الحرب الأفغانية، وعدم نجاح طالبان في النفاذ إليها حتى الغزو الأميركي 2001، وابتعاد القوات الأميركية عن التمركز فيها والاكتفاء بالتعاطي معها عبر الحكومات الأفغانية المتتالية.

وتبلورت خصوصية بانجشير السياسية والعسكرية على يد أحمد شاه مسعود ونجله حالياً، والذي كان قد جعل منها منذ سنوات الغزو السوفيتي حصناً عسكرياً واستراتيجياً من الصعب السيطرة عليه أو تجاوزه في معادلة الحكم وبسط الهيمنة في أفغانستان، خاصة مع تحول الولاية حالياً إلى مركز يستقطب مناهضي حركة طالبان من مختلف الأعراق والاتجاهات القبلية والاجتماعية، ومع ترسانة أسلحة متخمة بالأساس، وتضخمت في الشهور الأخيرة على أثر تفكك القوات النظامية، وانضمام جزء كبير منهم لقوات أحمد مسعود، ذو التدريب والتسليح الأميركي الفائق.

وتظهر الفجوة الكبرى ما بين حجم المعدات والأسلحة الأميركية التي أمدت بها واشنطن القوات النظامية الأفغانية، وما بين ما وقع في ايدي طالبان منها، إلى دلالة خطيرة فيما يخص مشهد الاقتتال الأهلي الوشيك في أفغانستان، خاصة وإذا ترافقت هذه المسألة مع مقاومة ولاية بانجشير لسيطرة الحركة، وإعلان قادتها بمن فيهم مسؤولين حكوميين سابقين عزمهم على الاستمرار في مقاومتها إذا لم يتم التوصل لاتفاق سلام يشمل مبادئ تشاركية الحكم ولامركزيته، وهو ما أكد عليه أحمد مسعود خلال الأيام الماضية، كبديل وحيد لنزع فتيل استئناف صراع أهلي مندلع منذ عقود من جديد، خاصة مع موقف قادة طالبان الرامي إلى مواصلة تقدم مئات من عناصرها نحو الولاية، التي باتت بحسب تصريحاتهم مؤخراً تحت الحصار.

دلالات

بالتدقيق في فحوى الخطاب السياسي والإعلامي لكل من الحركة والجبهة، نجد أن نقاط الخلاف الأساسية تقع بالأساس حول شكل العلاقة بينهم في المستقبل القريب، وتحديداً فيما يتعلق بالعلاقات مع الخارج وكذلك تقاسم الثروة المتمثلة فيما قيمته مئات المليارات من الدولارات من المعادن الثمينة، ومحاصصة من عائد إعادة الإعمار والاستثمارات الصينية الوشيكة هناك. وهي النقاط التي ترتكز حتى الأن لقوة السلاح، مع هوامش محدودة للحوار من غير المتوقع أن تفضي لاتفاق سلام في المدى القريب أو المتوسط، وخاصة بعد الاكتساح الغير متوقع لطالبان للمدن الأفغانية في الشهور الأخيرة، وكذلك الانهيار السريع للقوات الحكومية.

هنا قد تكون المراوحة بين تصعيد لحدود حرب أهلية قد لا تكون في صالح طالبان حتى وإن حققت سيطرة ميدانية مؤقتة على ولايات ومناطق الحدود، وما بين اضطرار الحركة لاتفاق سلام شامل على أسس تشاركية ولامركزية، سيؤدي لتكرار نموذج بانجشير في مختلف مناطق أفغانستان؛ حيث لا يعد النزاع الحالي نزاع على الحكم والسيطرة على كابول وانتزاعها من سيطرة طالبان، ولكن تحديد لعلاقة العاصمة تحت حكم الإمارة الإسلامية بباقي المناطق الأفغانية، سواء كان ذلك متعلق بتطبيق الشريعة وما يتعلق بذلك من مخاوف حقوقية حول الاختلافات العرقية والثقافية، أو تقاسم الثروة والسلطة والسلاح، عن طريق التفاوض أو القتال.

ويعد تعاطي دول الجوار الأفغاني مع هذا المشهد واحتمالات تصاعده مستقبلاً، عاملاً فاصلاً في تحديد مداه الجغرافي والزمني، وهو ما يرتهن بدوره مع وتيرة تفعيل طالبان للتغيرات التي بشرت بها خلال الأسابيع القليلة الماضية على كافة المستويات والملفات؛ بداية من ملف حقوق الإنسان والمرأة، وصولاً للموقف من التنظيمات الإرهابية وعلاقة ذلك بهذه الدول، وبالطبع بمحددات إعادة تموضع التواجد الأميركي في آسيا ككل، وعلاقة الصين وروسيا وإيران وباكستان بذلك على مستويات اقتصادية وأمنية وجيوستراتيجية، كانت بدورها محور المحادثات بين طالبان وبين هذه الدول على مدار الشهور القليلة الماضية.

الأبرز في هذا السياق جاء عبر روسيا، حيث تصريحات وزير خارجيتها، سيرجي لافروف، حول عدم نجاح الحركة في بسط سيطرتها الكاملة على أراضي أفغانستان، مشيراً في الوقت ذاته لقوات جبهة المقاومة التي تتجمع في بانجشير، مشدداً على ضرورة انخراط طالبان في حوار وطني يفضي لتشكيل حكومة تمثيلية. وهو ما اعتبره محللين ومتابعين دلالة على محددات حوار موسكو مع طالبان في الفترة الأخيرة، وإمكانية أن تحظى جبهة المقاومة الوطنية في أفغانستان ممثلة في أحمد مسعود، ونائب الرئيس السابق، أمر الله صالح، بدعم روسي وليس فقط أوربي وغربي، إذا ما نكصت طالبان عن الإيفاء بوعود التغيير التي تبشر بها في الفترة الأخيرة، على مستوى الداخل والخارج.

عن "مركز الإنذار المبكر"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية