الإخوان المسلمون في النمسا: كيف يستغل المتطرفون الحريات السياسية؟ (2)

الإخوان المسلمون في النمسا: كيف يستغل المتطرفون الحريات السياسية؟ (2)

الإخوان المسلمون في النمسا: كيف يستغل المتطرفون الحريات السياسية؟ (2)


03/12/2023

ترجمة محمد الدخاخني

في حين اتّخذ كلّ من الإبياريّ وخليفة من فيينا مقرّاً لهما، فإنّ أهم مجموعة من الإخوان المصريّين كانت تنطلق تقليديّاً من مدينة غراز (جنوب النّمسا). ويمكن القول إنّ أبرز إخوانيّ مصريّ يقيم في غراز، في الأعوام الأخيرة، هو أيمن عليّ. وقد جرى تفصيل مسيرة عليّ المهنيّة في جماعة الإخوان، وكذلك أنشطته في النّمسا وحول العالم، في قضيّة قانونيّة بالِغة شقّت طريقها إلى محكمة الاستئناف الفيدراليّة. وإبّان القضيّة، تعارك عليّ وأسرته مع الحكومة للحصول على الجّنسيّة النّمساويّة. والوثائق النّاجِمة عن هذه القضيّة مثيرة للاهتمام ليس فقط لأنّها تقدّم الخطوط العريضة لأنشطة عليّ وكيانات مختلفة مرتبطة بجماعة الإخوان في النّمسا، بل لأنّها تشتمل أيضًا على التّقييم الّذي أجرته المؤسّسة الأمنيّة النّمساويّة للوَسَط المذكور.

أيمن عليّ: إمام في النّمسا ومستشار لـ "مرسي"

ولِدَ عليّ في القاهرة، في عام 1966، ودرسَ الطّب في العاصمة المصريّة. وإبّان الحرب البوسنيّة، نَشِطَ في العمل الإنسانيّ، حيث عمل مديراً لـ "وكالة طيبة الدّوليّة للمساعدات الإنسانيّة" الّتي تتّخذ من ألبانيا مقرّاً لها. وفي عام 2004، وضعت الحكومة الأميركيّة فرع وكالة طيبة في البوسنة على قائمة المنظّمات الإرهابيّة؛ وفي الوقت نفسه، داهمت السّلطات المحليّة في ألبانيا الفرع المحليّ للوكالة ثمّ أغلقته. وذكر تقرير للشّرطة الألمانيّة له صِلة بالتّحقيق أنّ "مجموعة الحسابات والتدفّقات الماليّة والأشخاص تُشير إلى أنّ حسابات إبراهيم الزيات وأيمن سيّد أحمد عليّ في ألمانيا قد جرى استخدامها في تنفيذ أنشطة إسلاميّة أصوليّة في أوروبا"[1].

وبعد مغادرة عليّ لألبانيا، استقرّ مع عائلته في مدينة بون، في غرب ألمانيا، ثمّ في غراز، حيث اشترى منزلاً وأصبح إماماً لمسجد النّور (وهو المسجد الرّئيس للجمعيّة الثّقافيّة Liga Kultur Verein ومركز تجمّع الإخوان المصريّين المحليّين). كما أنشأ شركة، وهي SAGT General Trading GmbH، تعمل بشكل رسميّ في استيراد وتصدير الأخشاب والمعادن. ومع ذلك، اشتبهت السّلطات النّمساوية في أنّ الشّركة كانت مجرّد واجِهة تُستَخدم للتّحايل على [مؤسّسات] الهجرة النّمساوية (بما أنّ عليّ قد حصل على تأشيرته النّمساويّة من خلال عمله كموظّف في تلك الشركة) وقوانين غسيل الأموال (وهي الاتّهامات الّتي أنكرتها زوجته، وقد كانت بدورها مديرة عامّة للشّركة، خلال المحاكمة)[2]. وبينما كانت زوجته تُسيّر مجموعات دراسيّة نسائيّة، كان أولاده يشاركون في أنشطة مختلفة لمنظّمات محليّة ضمن الوسَطَ الإخوانيّ. على أنّ انخراط عليّ في المشهد النّمساويّ لم يمنعه من العمل على مستوى دوليّ. فقد عَمِل نائِباً للأمين العام لفيدراليّة المنظّمات الإسلاميّة في أوروبا، وهي منظّمة في عموم أوروبا تُعتَبر مِظَلّة للإخوان في الغرب، وكان نَشِطاً بشكل خاصّ في توسيع أنشطتها في أوروبا الشّرقيّة.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في النمسا: الرواد (1)

لكن وصل موقع عليّ باعتباره واحدًا من أكثر النّاشطين ذوي الخبرة والمستوى الرّفيع في كلّ من شبكات الإخوان النّمساويّة والأوروبيّة إلى نهاية مفاجئة في عام 2012. في ذلك العام، حقّق الفرع المصريّ لجماعة الإخوان نجاحات انتخابيّة متعدّدة، ممّا دفع العديد من نشطاء جماعة الإخوان المصريّين الموجودين في أوروبا إلى العودة إلى بلدهم الأصليّ. وفي برهنة واضحة على مكانة عليّ البارزة داخل بين إخوان مصر، وهي المكانة الّتي ظلّ يحتفظ بها حتّى أثناء وجوده بعيدًا البلاد، حصل على منصب كبير مستشاري الرّئيس المنتخب حديثًا، محمد مرسي. لكن انتهت خدمة عليّ في هذا الموقع في صيف عام 2013، مع الإطاحة بحكومة مرسي واعتقال عليّ في وقت لاحق[3].

اقرأ أيضاً: في وجه الإرهاب.. كيف نجحت النمسا فيما فشلت به فرنسا؟

وأهميّة النّمسا في [عمليّة بناء] الشّبكة الأوروبيّة لجماعة الإخوان المصريّة، في أيّامها المبكّرة، تؤكّدها حقيقة أنّه خلال السّبعينيّات والثّمانينيّات، جرى نشر المجلّة الرئيسة للمنظّمة في الغرب، "الدّعوة في أوروبا"، في فيينا[4].

 أنس شقفة: رائد إخوان سوريا في النّمسا 

ومع ذلك، لم يكن الفرع المصريّ هو الفرع ذو الصّبغة القوميّة الوحيد الّذي يمتلك وجودًا كبيرًا في النّمسا - فقد عمل الإخوان السّوريون على نطاق واسع داخل البلاد. ومنذ السّبعينيّات، استقرّ العديد من نشطاء جماعة الإخوان السّوريّين في العاصمة وأسّسوا مجموعة واسعة من المنظّمات والشركات.

وعلى عكس المصريّين، الّذين استقرّ معظمهم في مدينة غراز وركّزوا بشكل كبير على الأنشطة المصريّة أو الدّوليّة عِوضًا عن الوضع في النّمسا، أسّس الإخوان السوريّون مركز ثقلهم في فيينا وأقاموا روابط قويّة مع النُخَب النّمساويّة، ليصبحوا شركاء موثوقين في مختلف المبادرات المتعلّقة بإدارة الإسلام في البلاد. وبعمل ذلك، استفادوا من حقيقة اعتراف النّمسا، الّذي يعود لفترة طويلة، بالإسلام كدين رسميّ، وسماح نظامها القانونيّ بمختلف أشكال الشّراكة بين الدّولة والمجتمعات الدّينيّة.

اقرأ أيضاً: النمسا تواصل حربها ضد الإسلام السياسي... ما آخر قراراتها؟

يمكن القول إنّ أنس شقفة هو رائد جماعة الإخوان السّوريّة في النّمسا. وكانت أولى مغامرات شقفة داخل المنظّمات الإسلاميّة النّمساويّة مع منظّمة الخدمة الاجتماعيّة الإسلاميّة Moslemischer Sozialdienst، وهي منظّمة بدأت عملها في أوائل السّتينيّات على يد غالب همّت، النّاشط الإخوانيّ السّوريّ الّذي قاد الجماعة الإسلاميّة الألمانيّة Islamische Gemeinschaft Deutschland في ميونيخ وأصبح لاحقاً شريكًا تجاريّاً ليوسف ندا[5]. وفي عام 196، شارك شقفة أيضاً في تأسيس اتّحاد الطّلّاب المسلمين Moslemische Studentenunion، الّذي أصبح من خلاله أميناً عامّاً وفي وقت لاحق رئيساً[6]. ويُعدّ كلّ من اتّحاد الطّلّاب المسلمين والخدمة الاجتماعيّة الإسلاميّة من بين المنظّمات الإسلاميّة الأولى في النّمسا، ويُبرزان أيضاً ميل الإخوان السّوريّين في النّمسا إلى لعب دور مزدوج. فلم يقتصر الأمر على دعمهم لإخوانهم في بلدهم الأصليّ فحسب، مثل الإخوان المصريّين، بل حاولوا أيضاً تشكيل وتمثيل المجتمع الإسلاميّ الناشئ في بلد الّلجوء.

اقرأ أيضاً: النمسا.. نهاية البيت الآمن لإخوان أوروبا

تاريخيّاً، كان المصريّون والسّوريّون أكثر فروع الإخوان نشاطاً في النّمسا؛ ومع ذلك، شهدت البلاد وجود نشطاء من فروع أخرى للحركة ومن بلدان مغايرة. على سبيل المثال، اتّخذ العديد من الأفراد المرتبطين مباشرة بشكل أو بآخر بحركة حماس، الفرع الفلسطينيّ الرسميّ لجماعة الإخوان المسلمين، من النّمسا موطناً لهم.

لماذا تُعتبر النّمسا "وجهة مفضّلة" للإخوان المسلمين؟

لقد استخدم روّاد إخوانيّون، من العديد من الفروع المختلفة، النّمسا باعتبارها قاعدة ملائمة لانطلاق عمليّاتهم. وبما أنّهم كانوا قد تجنّبوا [في هذا البلد الجديد] الاضطّهاد الشّديد الّذي واجهوه في بلدانهم الأصليّة، فقد قاموا بِنَسْخ بعض الهياكل الإخوانيّة التّقليديّة (مثل "الأسرة"، وهي الوحدة الأساسيّة داخل البناء الإخوانيّ)، وجنّدوا أعضاء جدد، وقدّموا أشكالًا مختلفة من الدّعم السّياسيّ والماديّ والماليّ للمنظّمة الأم في بلدانهم الأصليّة. وسعى بعضهم أيضاً نحو توسيع التّركيز على مختلف الأنشطة ذات الصلة بالإسلام في النّمسا أو في أوروبا. وكانت بعض أنشطتهم علانيّة، وبعضها الآخر ظلّ سريّاً. وفي بعض الحالات، عرّفوا أنفسهم صراحة بأنّهم أعضاء في جماعة الإخوان، وفي حالات أخرى أخفوا وأنكروا ذلك. ويميل كلّ فرع إلى العمل بشكل منفصل، ولكن مع مرور الوقت، تتلاشى الفروق القائمة على بلدان المنشأ تدريجيّاً. وتجمع بعض القضايا والأنشطة بين كافّة نشطاء الإخوان في النّمسا، بغض النظر عن بلدانهم الأصليّة. وهذا هو الحال، على سبيل المثال، مع العديد من المبادرات المؤيّدة لفلسطين، و، في الآونة الأخيرة، مع الجهود الرّامية إلى معارضة الإطاحة بنظام مرسي (على سبيل المثال ، فإنّ مجلس تنسيق الجالية المصرية في النّمسا Koordinierungsrat der Agyptischen Gemeinde in Österreich يميل لتوحيد نشطاء الإخوان بغض النّظر عن أصولهم المختلفة).

اقرأ أيضاً: إخوان النمسا بدائرة الملاحقة.. مصادرة 25 مليون يورو

ولا تنفرد النّمسا بهذه الدّيناميكيّات، حيث شهدت العديد من دول أوروبا الغربيّة استقراراً لنشطاء الإخوان، وإن كان ذلك بكثافة ومسارات متفاوتة. لكن لا شك أنّ النّمسا تمثّل إحدى الدّول الأوروبيّة الّتي شعر فيها، وفقاً لأعضاء الإخوان أنفسهم، الإخوان بأنّهم قد وجدوا بيئة مواتية بشكل خاص[7].

وتُسهِم عدّة عناصر متداخلة في هذا التّقْييم. أولاً ، يمتلك البلد تقليداً ثابتاً من سياسات الّلجوء السّخيّة، الّتي أُعطِيَت لأعضاء مختلف فروع الإخوان الفارّين من الاضطّهاد في بلدانهم الأصليّة. ثانياً، تبنّت السّلطات النّمساوية تقليديّاً سياسة "دعه يعمل laissez-faire" عندما يتعلّق الأمر بالمنظّمات المتطرّفة الأجنبيّة، مما أتاح لهذه المنظّمات القيام بأنشطتها دون أي عائق تقريباً ما لم تشكّل تهديداً أمنيّاً مباشراً للنّمسا (وهو ما لا يطرحه الإخوان كما يُزعَم).

كذلك، تُسهِم عناصر إضافيّة في اعتبار النّمسا "وجهة مفضّلة" لنشطاء الإخوان المسلمين. ومن بينها الموقع الاستراتيجيّ للبلد في قلب أوروبا، مما يجعله نقطة وسطى مثاليّة بين الشّرق والغرب. كذلك، تُعدّ النّمسا من البلدان المتسامحة والمنفتحة، ومدنها تحتضن ثقافات متعدّدة، كما أنّها بيئة جاذبة للاستثمارات؛ وقد سمحت هذه العوامل بنمو مجتمع أعمال (بيزنس) شرق أوسطيّ يضمّ أعضاء في جماعة الإخوان أو أفراداً مقرّبين منهم. وأخيرًا، فإنّ حقيقة أنّ نشطاء الإخوان قد طوّروا تدريجيّاً صِلات وثيقة ببعض القوى والمؤسّسات السّياسيّة النّمساوية تعدّ عاملاً مهمّاً في تفسير سبب شعور الحركة تاريخيّاً بالرّاحة في هذا البلد.


(ترجمة تأتي في أجزاء للقسم الثّاني من دراسة الباحث الإيطاليّ لورينزو فيدينو، "الإخوان المسلمون في النّمسا"، الّتي نُشِرت في آب/أغسطس 2017 بالتّعاون مع جامعة فيينا ومعهد دراسات الشّرق الأدنى. وكافّة العناوين الفرعيّة داخل النّصّ من وضع المترجم)


الهوامش:

[1] Ian Johnson, “How Islamic Group’s Ties Reveal Europe’s Challenge A Conduit to Mainstream, Muslim Lobbyist Also Has Some Fundamentalist Links,” The Wall Street Journal, December 29, 2005. http://www.wsj.com/articles/SB113582317237133576.

[2] Landesverwaltungsgericht Steiermark, cases LVwG 70.8-3597/2015-34, LVwG 41.8-37/2016-34 and LVwG 41.8-39/2016-34, Graz, September 9, 2016. Page 11.

[3] “Egypt: Morsy Aides Moved From Secret Detention,” Human Rights Watch, December 25, 2013. http://www.hrw.org/news/2013/12/25/egypt-morsy-aides-moved-secret-detention.

[4] العنوان المُعطى:

 Al Da’wa A 1170 P.O.Box 69, Vienna.

[5] Ernst Fürlinger, Moscheebaukonflikte in Österreich: Nationale Politik des religiösen Raums im globalen Zeitalter (Vienna University Press, Vienna: 2013), 140-146; Peter Heine and Aslam Syed (eds), Muslimische Philanthropie und Bürgerschaftliches Engagement (Maecenata Verlag, Berlin: 2005), 219-220.

[6] Farid Hafez, Anas Schafkeh. Das österreichische Gesicht des Islams (Braumüller, Vienna: 2012), 26-28.

[7] حوارات مع قيادات إخوانيّة، آب/أغسطس 2016، لندن.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية