الإخوان المسلمون والحزب الإسلامي العراقي: واقع ملتبس ومستقبل غامض

الإخوان المسلمون والحزب الإسلامي العراقي: واقع ملتبس ومستقبل غامض

الإخوان المسلمون والحزب الإسلامي العراقي: واقع ملتبس ومستقبل غامض


05/06/2023

يعيش تنظيم الإخوان المسلمين في العراق وضعاً سياسياً ملتبساً بعد فك الارتباط والتحالف الخفي الذي جمعه والحزب الإسلامي العراقي على مدار عقدين من الزمن، حيث شارك الإخوان الحزب الإسلامي في كافة مفاصل الوظائف التي شغلها داخل النظام السياسي الذي جاء على أعقاب النظام السابق في نيسان (أبريل) 2003.

ويبدو أنّ المحاولات الإخوانية في إثبات حضورها الاجتماعي والسياسي لم تأتِ أكلها لغاية الآن على الساحة العراقية، حيث تسيطر التنظيمات المدنية بقيادة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وآخرين، على المساحة المخصصة للعرب السُنّة في العراق، بينما يغيب الحزب الإسلامي العراقي عن المشهد منذ خساراته المتوالية لـ (3) انتخابات تشريعية على مدار العقد الماضي. وتكمن قوة الإخوان المسلمين في حضور الحزب الإسلامي، الذي لم يدخر جهداً في توفير الغطاء السياسي والاجتماعي لحضور الإخوان داخل العملية السياسية، ولم يكن هذا التعاطي بين الثنائيين بمعزل عن عملية التخادم المتبادلة بينهما.

وفي الآونة الأخيرة، دخل تنظيم الإخوان المسلمين المجال السياسي المحلي بواجهة جديدة، تحت مُسمّى (جماعة العدل والإحسان)، ويأتي تشكيل الجماعة الإخوانية الجديدة، في محاولة الجماعة لإثبات نفسها بمعزل عن الحزب الإسلامي الذي نشبت بينه وبين الإخوان خلافات أدت إلى فكّ الشراكة السياسية التي جمعتهما طيلة الـ (20) عاماً الماضية.

كيف اجتمع الاثنان؟

وجود (الحزب الإسلامي العراقي) في العملية السياسية التي انبثقت بعد احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق في نيسان (أبريل) 2003، كان يراه الحاكمون "الجُدد"، ومن خلفهم الأمريكان، عاملاً إيجابياً لتلك العملية التي كانت تستجدي التضامن الوطني، لا سيّما أنّ (الحزب الإسلامي) يرفع لواء الحقوق المشروعة للسُنّة العرب، المناهضين للتغيير الجديد. وتمخض دخول الحزب عبر تكتيك داخليّ رسمه مع التنظيم الدولي لـ (الإخوان المسلمين)، حيث كان الإسلاميون السُنّة هم الواجهة السياسية لأبناء حسن البنا في العراق. وتمخض ذلك التكتيك عن ذوبان التشكيل العقائدي الإخواني المتمثل بـ (حركة العدل والإحسان) في تنظيمات الحزب الإسلامي الذي دائماً ما ينكر صلته العضوية بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، حيث رفدت الحركة الحزب بالكثير من القيادات الإخوانية الشابة التي تسنمت مواقع رئاسية وتنفيذية في الحكومات العراقية السابقة، وفقاً لخارطة الائتلاف السياسي الذي جمع القوى الشيعية والسنّية والكردية بعد التغيير.  

رئيس حركة العدل والإحسان إسماعيل النجم (يميناً) مع رئيس شورى الحزب الإسلامي العراقي إياد السامرائي (يساراً)

وجود القياديين السُنّة المنضوين في الحركة الإخوانية على رأس المواقع المخصصة للسُنّة العرب في العراق، مهّد الطريق لانتشار الحركة في داخل العديد من المؤسسات التعليمية، والاجتماعية، والاقتصادية، غرب البلاد. علماً أنّ المزاج السياسي للمكون السنّي في الغالب هو مزاج قومي وقبلي، وقلّما تجد الحركات الإسلامية أرضيةً مقبولة لهم داخل المكون المدني بطبعه.

ومكّن اكتساب المواقع الحكومية، والوظائف العامة، (الحزب الإسلامي) وحلفاءه الداخليين من السيطرة على مقدرات المحافظات السُنيّة الـ (6)، وتمكن من تثبيت جذوره اجتماعياً وسياسياً عبر المال والوظيفة والحضور السياسي العام في الدولة، ممّا جعل الحزب يهيمن على القرار الانتخابي في دورتين انتخابيتين متواصلتين، قبل أن تطيحه الانشقاقات، وتشكيلات التمدن السياسي التي انصهرت في القائمة العراقية بزعامة الليبرالي إياد علاوي عام 2010. 

يفتقد تنظيم الإخوان المسلمين لأيّ فاعلية داخل أروقة جامعة الأنبار والقطاعات التعليمية في المحافظة، ويعاني الإسلاميون السُنّة برمّتهم من أزمة تنظيمية تتعلق بكسب الشباب؛ لردة فعلهم تجاه داعش

ومنذ ذلك العام انخفضت مقاعد (الحزب الإسلامي) في البرلمان العراقي، من (28) مقعداً إلى (7) مقاعد في الانتخابات التشريعية الأخيرة؛ إذ ذهبت المقاعد السنّية البرلمانية البالغة (60) مقعداً إلى شخصيات القائمة العراقية التي أقصيت من تشكيل الحكومة بناءً على قرار قضائي؛ عدّ القائمة النيابية الأكبر هي من تشكل الحكومة، وليس الفائزة في الانتخابات، وهو قرار إشكالي يعزى إصداره إلى اتفاق أمريكي إيراني على استمرار حكومة نوري المالكي لدورة ثانية (2010-2014).

تخادم مصلحي

ويُعدّ الحزب الإسلامي العراقي، (تأسس عام 1960)، واجهة تنظيم الإخوان المسلمين في البلاد، إلّا أنّ الخلاف التنظيمي المستمر بينهما قادهما إلى رسم خارطة جديدة لعلاقتهما. وجاء الاتفاق  الجديد، بحسب الدوافع البراغماتية الآتية:

•  يعتبر الحزب الإسلامي العراقي مستقلاً في مجمل قراراته السياسية في داخل العراق، مع مراعاة المواقف الإخوانية في سائر دول المنطقة.

• زج الإخوان كوادر شبابية داخل الحزب الإسلامي من أجل مراقبة خط سير المصالح الإخوانية لدى شريكه في مواقع السلطة والاقتصاد السياسي.

• منح الحزب الإسلامي كوادر الإخوان مساحة من التمثيل الحكومي للسُنّة العرب.

انفراط عقد التحالف السياسي الذي جمع الإخوان المسلمين والحزب الإسلامي العراقي، وقاد الأول إلى مطالبة الأخير بأمواله ورفع يد الحزب عنها

• قيام الحزب بتسهيل حركة الأموال الخاصة بتنظيم الإخوان المسلمين، والمشاركة الفعلية في إدارة استثمارات الإخوان في الداخل العراقي.

• عدم التقاطع في الرؤى العقائدية والفكرية، وجعل مؤسسات كلا الطرفين تعمل بمسار  واحد في المجتمع.

وقد تمكن "الإخوان المسلمون" من زجِّ كوادرهم الشبابية عبر يافطة "الحزب الإسلامي العراقي"، في النظام السياسي الحالي، ونالوا مواقع رئاسية وتنفيذية مهمة، ومن أبرزها: منصب نائب رئيس الجمهورية، ومنصب نائب رئيس الوزراء، ومنصب محافظ الأنبار، ومنصب عضو برلمان، ومنصب مدير ديوان رئاسة الجمهورية.

انفراط عقد التحالف

مع خسارة الحزب الإسلامي لأكثر مقاعده النيابية في انتخابات 2010 و2018. وقيام البرلمان العراقي، تحت ضغط احتجاجات تشرين الأول (أكتوبر) 2019، تعديل قانون الانتخابات، وجعل المحافظة الواحدة عدة دوائر انتخابية، بعدما كانت دائرة انتخابية واحدة، أثر بشكل كبير على مرشحي الحزب. فقد اندفع الأخير إلى زجّ مرشحيه ضمن قوائم علمانية، وأخرى إسلامية شيعية موالية لإيران، وأخرى متمدنة على شاكلة (ائتلاف النصر) بزعامة القيادي الشيعي حيدر العبادي، وتمكن الحزب الإسلامي من نيل مقاعد ضئيلة بعدما كان مرشحاً للخسارة المدوية.

مجلس الحكم الانتقالي بقيادة الأمريكي بريمر الذي شارك بعضوية الحزب الإسلامي العراقي بعد اسقاط نظام الحكم في 2003

إقدام الحزب على هذا التكتيك السياسي جعل إخوان العراق في حالة سخط وشجب لفعالياته السياسية الأخيرة، وهو ما دفعهم إلى استحصال موافقة المرشد العام لتنظيم الإخوان المسلمين في لندن، والعمل على شق التحالف الذي جمعهم والحزب منذ بداية تأسيس العملية السياسية قبل عقدين، وإعلان مظلتهم السياسية بشكل واضح وصريح إلى وسائل الإعلام. ورفع الإخوان عنوانهم من جديد تحت مُسمّى (حركة العدل والإحسان). وقد خاض النزال السياسي للإخوان بالضد من الحزب الإسلامي، الكوادر الشبابية التي مثلها: صهيب الراوي، وفيصل العيساوي، وإسماعيل النجم، في حين اتخذ رافع العيساوي جانب الحياد، والتسويق الإعلامي لحراكه السياسي المستقل.

انفراط عقد التحالف السياسي الذي جمع الإخوان المسلمين والحزب الإسلامي، قاد الأول إلى مطالبة الأخير بأمواله ورفع يد الحزب عنها. كما أنّ الكادر الإخواني كان قد انسحب من كافة مفاصل التنظيمات الحزبية، واكتفى بخطه المتمثل بـ (حركة العدل والإحسان)، علماً أنّ الحركة تؤكد أنّها في معزل عن الحزب الإسلامي العراقي، وأنّها تأسست عام 2013. لكنّ الشواهد السياسية تؤكد أنّ كوادرها كانوا ضمن الحزب حينما تسنموا مواقع حكومية رفيعة، وأبرزهم صهيب الراوي الذي شغل منصب محافظ الأنبار (كبرى المحافظات السنّية في العراق).

الإخوان خارج جامعة الأنبار

دائماً ما تجيّر قوى السلطة المؤسسات التعليمية لصالحها؛ من أجل كسب العقول الشابة، وضخ تنظيماتها بدماء جديدة، والعمل على توسيع القاعدة الشعبية لتلك القوى. هكذا كانت الجامعات في عهد صدام حسين خاضعة لتسويق حزب البعث.  بعد العام 2003 أصبح منصب رئيس الجامعة (بدرجة وكيل وزير) من المناصب الخاصة، والذي يخضع للمحاصصة الطائفية والحزبية، لذا لا يمكن الإتيان برئيس جامعة من دون أن يمرّ بمبدأ المحاصصة المعتمد داخل أروقة النظام الحالي.

تحالف الحزب الإسلامي مع العلمانيين والقوميين جعل الإخوان في حالة سخط وشجب لفعالياته السياسية الأخيرة، وهو ما دفعهم إلى استحصال موافقة المرشد العام على شق التحالف الذي جمعهم والحزب قبل عقدين

وتُعدّ جامعة الأنبار من الجامعات العراقية المعتبرة، والتي هي مسعى لكل القوى النافذة في المحافظة، لأنّ الهيمنة عليها تعطي القدرة على التأثير في المزاج السياسي العام لشريحة الطلبة والأكاديميين. خصوصاً أنّ الأنبار من المدن المُحافظة جداً، وما زالت الرمزيات، والوجاهات، والألقاب، فاعلة في محيطها الاجتماعي، لذا الأستاذ الجامعي والقائمون على الفعاليات الجامعية لهم من الحظوة والكلمة المسموعة في المدينة. وقد تمكن الحزب الإسلامي لدى إدارته للمحافظة عبر الإخواني (صهيب الراوي) أن يعمل على استقطاب عدة شخصيات جامعية لصالحه، لكنّه لم يستطع أن يضم الأساتذة الجامعيين إلى كوادره. حيث كانت العلاقة بينه وبين تلك الشريحة قائمة على أساس الزبائنية الريعية، أي بحكم المصلحة ومنطق السلطة الحاكم حينها. ولدى مغادرة الإخوان لإدارة محافظة الأنبار، تحرّر القائمون على الجامعة من أسر تلك العلاقة، وجنحوا نحو السلطة الجديدة التي يمثلها شخص رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، وحزبه الحاكم (حزب تقدم) في المحافظة الغربية. سابقاً تمكن الحزب الإسلامي من استقطاب شخصيات أكاديمية تم تصنيفهم إسلامياً وإخوانياً من قبل المجتمع والسلطة قبل 2003. وكان من أبرز الأساتذة المحسوبين على الخط الإخواني في جامعة الأنبار الدكتور عصام الحديثي، والدكتور فخري القيسي، والدكتور جمال عبد الواحد، فضلاً عن آخرين. وفي الغالب يتعاطى الأكاديميون العاملون في الكليات التطبيقية مع الحركة الإسلامية، بينما العاملون في كليات العلوم الإنسانية ـ عدا العلوم الإسلامية- يأتون بنسبة أقل. ونجد أنّ أغلب الأكاديميين المنضمين لإخوان الأنبار أساتذة في كليات الطب والهندسة، بينما أساتذة الآداب، والفنون والجميلة، يكونون في ميدان مختلف.

الإخواني طارق الهاشمي مع الرئيس الأمريكي الأسبق بوش والقياديين العراقيين جلال الطالباني وعادل عبدالمهدي

وعن مدى التأثير الإخواني في الوقت الراهن بجامعة الأنبار، نفت عدة مصادر اجتماعية وأكاديمية أن يكون لتنظيم الإخوان المسلمين أيّ فاعلية داخل أروقة الجامعة والقطاعات التعليمية في المحافظة، ويعاني الإسلاميون السُنّة برمّتهم من أزمة تنظيمية تتعلق بكسب الشباب، لذا أغلبية الشباب الجامعي في الأنبار وغيرها أصبحت لديهم ردة فعل من مختلف التنظيمات الإسلامية، نتيجة احتلال تنظيم داعش لمناطقهم، فضلاً عن التجربة السلبية لإدارة الحزب الإسلامي العراقي لمدنهم بالتحالف مع الإسلاميين الشيعة في بغداد.

وفي الآونة الأخيرة سعى "الإخوان المسلمون" في محافظة الأنبار، وتحديداً في مدينة الفلوجة، إلى تشكيل جمعية ثقافية عرفت تحت مُسمّى "جماعة المثقفين"، من أجل العمل على تسيير فعاليات المدينة، والتأثير في النخب، والشخصيات الفاعلة في حقل الثقافة، والعمل على بسط يد حركة (العدل والإحسان) بمعزل عن (الحزب الإسلامي العراقي) في المحافظة. وعلى الرغم من أنّ (6) أشهر تفصل العراقيين عن الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، إلّا أنّ الإخوان المسلمين، والحزب الإسلامي العراقي، لم يكشفا عن خارطتهما الانتخابية المقبلة.

مواضيع ذات صلة:

العراق: شجار ينهي جلسة برلمان كردستان... والمعارضة تصف ما جرى بالمسرحية... ماذا حصل؟

العراق: سجاد سالم نائب أعزل بمواجهة الحشد الشعبي... ما نتيجة المواجهة؟

العراق: الاحتجاجات المطلبية بين مطرقة الصدريين وسندان الإطار التنسيقي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية