"الإخوان" تحريض وتنصّل

"الإخوان" تحريض وتنصّل


24/03/2022

أحمد محمد الشحي

عانى العالم العربي والإسلامي من التنظيمات المتطرفة، والأحزاب السياسية، التي اتخذت من الدين ستاراً لها، والتي سعت لاختراق المجتمعات، والتغلغل فيها، ولجأت إلى أساليب ملتوية، ولعبت على أوتار العاطفة والدين، واستغلت شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية، وفتحت أبواب التآمر ضد دولها، وذلك في سبيل تحقيق أجنداتها الطامعة في الاستيلاء على الحكم.

ومن هذه التنظيمات، التي عاثت في البلدان والمجتمعات فساداً، تنظيم الإخوان المسلمين، الذي ادعى أصحابه في أول تأسيسه بأنه ليس سوى جمعية خيرية اجتماعية لا علاقة لها بالسياسة، وتحت هذا الستار حصلوا على الترخيص بالمزاولة، ثم تدرجوا شيئاً فشيئاً حتى أعلنوها صراحة بعد سنوات بأن العمل السياسي جزء لا يتجزأ من أنشطتهم، ليتنصلوا بذلك مما ألزموا به أنفسهم أول الأمر من تجنب السياسة، بل زعموا أن السياسة كانت هي غايتهم منذ اليوم الأول للتنظيم، ليفضحوا أمرهم، ويكشفوا أن الشعارات الأولى لم تكن سوى ذر للرماد في العيون، ووسيلة للتمكين في المجتمع بغية الوصول إلى الحكم.

إن تلوُّن الإخوان وتنصلهم من مواقفهم بحسب الظروف والمصالح سياسة قديمة، انتهجها حسن البنا نفسه مؤسس التنظيم، فقد تنصَّل من عملية اغتيال رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي على يد بعض أفراد النظام الخاص التابع للإخوان، واصفاً القتلة بقوله: «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»، وكشف محمود الصباغ أحد قادة النظام الخاص بأن هذا التصريح، الذي أصدره حسن البنا لم يكن سوى عمل تكتيكي لخداع الحكومة، وإسكات الرأي العام، وأن الغرض منه كان تخفیف حدة الضغط على «الإخوان»، مبرراً ذلك بقوله: «إن ذلك أمر جائز شرعاً في الحرب، ویُعد من خُدَعِه»!

وقد سار «الإخوان» على هذا النهج، وصولاً إلى ما سمي بأحداث الربيع العربي المشؤوم، فقد أشعلوا نيران الثورات في الوطن العربي عندما شبَّت، وصبُّوا عليها الوقود، ووجدوها فرصة سانحة لإسقاط الأنظمة، والتسلق عليها للوصول إلى الحكم، شارك في حملة التحريض هذه صغيرهم وكبيرهم، وانتشرت لهم المقاطع الكثيرة المرئية والصوتية والمكتوبة في تأييد الثورات، ودعمهما والتحريض ضد الدول والحكومات، وأضفوا على هذه الثورات لباس الشرعية، وحشدوا الأدلة لإقناع الناس بمشروعيتها، والرد على من يعتبرها خروجاً على الحكام، ولوُوا أعناق النصوص في سبيل ذلك، وقلبوا الحقائق، وجانبوا قواعد الاستدلال الصحيح، وحالهم هذه لا تخفى على أحد.

وسلك هذا المسلك شخصيات كثيرة مشهورة من المنتمين لتنظيم الإخوان، منهم المدعو طارق السويدان، أحد رؤوس الإخوان، الذي كان من أبرز الداعمين للثورات، والداعين لتأييدها، وهو القائل بصريح العبارة: «الثورات العربية أحيت الأمل في النفوس بالعزة والكرامة والحرية والنهضة والتنمية والعدالة الاجتماعية، وواجبنا دعمها وترشيدها وعدم إعاقتها»، وتأمل قوله: «واجبنا»! فاعتبر دعم الثورات وتأييدها أمراً واجباً، وقال أيضاً في هذا الصدد: «أنْ أؤيد الثورات الداعية للحرية والكرامة وإن لم تنتصر شرف كبير، وأما السكوت عن تأييدها والخنوع لأنظمة استبدادية فهو ذل وخزي في الدارين»! فتأمَّل كيف جعل تأييد الثورات مظهراً من مظاهر الشرف والعز، والسكوت عن تأييدها مظهراً من مظاهر الذل والخزي، فهل هناك عبارات أوضح من هذا في تأييد المذكور للثورات، بل مطالبتها الآخرين بدعمها وتأييدها؟!

ولكن عندما سقطت هذه الثورات، وانكسر تنظيم الإخوان، ودب فيه الضعف والوهن والفرقة، نجد تنصلاً عجيباً من تلك التصريحات، واتهاماً للناس بأنهم لم يفهموها على وجهها الصحيح، فها هو السويدان يقول مؤخراً: «أنا أقولها بوضوح: أنا لست مع الثورات! أنا أعتقد أن الثورات تؤدي إلى خراب وتدمير، وتؤدي إلى مصائب في الشعوب، بعض الناس يتصور أنا مع الثورات، لا، نحن لسنا مع الثورات»! هكذا وبكل بساطة يتنصل الإخوان من مواقفهم وتصريحاتهم، ويتهمون الناس بسوء الفهم، وما ذلك إلا لأن الظروف تغيرت واختلفت، ولا بد لكل مرحلة من خطاب، مهما اتسم ذلك بالتناقض والتعارض مع الخطاب السابق!

إن هذه الظاهرة التي نراها بين الفترة والأخرى مِنْ تنصُّل بعض أصحاب الخطاب الديني السلبي من مواقفهم السابقة بأساليب ملتوية دون الاعتراف بالخطأ، ودون التراجع الصريح لتجعلنا على حذر من ذلك كله، ففرق كبير بين التراجع عن الخطأ وتصحيح المسار، وبين الخطاب التكتيكي، الذي يتغير ويتلون بحسب كل مرحلة وظرف، وخاصة أن مواقع التواصل ووسائل النشر الحديثة لم تترك أي مجال لمراوغ أو متلون، فالمتلون إنما يفضح نفسه، مهما زخرف عباراته وزيَّنها.

عن "البيان" الإماراتية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية