الإخوان في الأردن: تعليق المشاركة في الانتخابات البلدية ما بين الاستراتيجي والتكتيكي

الإخوان في الأردن: تعليق المشاركة في الانتخابات البلدية ما بين الاستراتيجي والتكتيكي


03/02/2022

أثار قرار حزب جبهة العمل الإسلامي "الواجهة المرخصة لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن"، المتضمّن "تعليق" المشاركة في انتخابات مجالس البلديات واللّامركزية المقرر إجراؤها في آذار (مارس) المقبل، أثار استغراب المتابعين، خاصة أنّ القرار تضمّن تعبير "تعليق"، وليس "مقاطعة"، هذه الانتخابات، وهو ما تمّ تفسيره بأنّه قرار غير حاسم، وأنّ هناك إمكانية للتراجع عنه، لا سيّما مع تناقض وغموض الأسباب التي ساقها الحزب لتبرير هذا القرار.

 تبريرات غامضة

مقاربة الحزب في تبرير "تعليق" المشاركة في الانتخابات تضمّنت حشداً لجملة من الأسباب الخارجية التي تستند لخطاب "مُعلّب" باتهامات متكررة للسلطات بأنّها لم تُهيّئ الفرصة لمشاركة واسعة بالانتخابات، وأنّ هناك تدخلات أمنية بمستويات مختلفة ستفضي إلى انتخابات من غير المضمون نزاهتها.

بيان حزب جبهة العمل الإسلامي غيّب ارتباط قرار التعليق بمآلات الإسلام السياسي وأفول نجمه في المنطقة، ليس فقط من خلال صناديق الاقتراع، بل وبتخلّي الداعمين الإقليميين للإخوان

بيد أنّ بيان حزب جبهة العمل الإسلامي "غيّب" عاملين في قرار التعليق؛ الأوّل: ارتباط القرار بمآلات الإسلام السياسي وأفول نجمه في المنطقة، ليس فقط من خلال صناديق الاقتراع، بل وبتخلّي الداعمين الإقليميين للإخوان، كما هي التوجهات والقرارات التركية تجاه الإخوان المسلمين، وما لحق بالإسلام السياسي من هزائم في كثير من الدول العربية والإسلامية، والثاني: الخلافات الداخلية العميقة في إطار الحراك الإخواني حول قضايا مؤجّلة؛ من بينها: الفصل بين الدعوي والسياسي، وتراجع شعبية الإخوان المسلمين، وهو ما عكسته نتائج الانتخابات النيابية والبلدية وانتخابات النقابات المهنية، إضافة إلى خلافات بين الوطني والإسلامي في برامج الإخوان، بما فيها من مقاربات حول تبعية إخوان الأردن للتنظيم الدولي للإخوان، والعلاقة مع حركة حماس، بوصفها التنظيم القُطري للإخوان المسلمين في قطاع غزة، والتي شهدت تحولات عميقة، وكانت سبباً في انشقاق تيارات إخوانية عن الجسم الإخواني التاريخي في الأردن.

اقرأ أيضاً: تراجع لإخوان الأردن في الانتخابات البرلمانية

مؤشرات كثيرة تدلّ على أنّ قرار "تعليق المشاركة" في الانتخابات البلدية ومجالس اللّامركزية، وليس انتخابات مجلس النواب، يتضمّن رسالة للحكومة، لا تخرج عن مقاربة قانون الوحدة والصراع، بمعنى أنّه مجرّد محطة اعتراضية، على غرار ما تقوم به أطياف المعارضة الأخرى؛ إذ إنّ الإخوان من ضمن أهمّ المكوّنات في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، التي أقرّت التعديلات الدستورية وقانوني الأحزاب والانتخابات لمجلس النواب، وتدرك قيادة الجماعة أنّ تلك التعديلات جاءت لصالح مطالب تاريخية للجماعة، وأنّ مخرجاتها تلك ستجعل جماعة الإخوان الجهة الأكثر استفادة منها، وربما كان في عدم شمول القرار "تعليق" المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة ما يؤشر لموقف إخواني، يؤكد أنّ قرار تعليق المشاركة في الانتخابات البلدية، رغم أنّه ليس حاسماً، إلّا أنّ أسباب التعليق ليست فقط تلك التي ذكرها حزب جبهة العمل الإسلامي في بيانه.

خلافات داخلية وراء القرار

ما بين المشاركة في لجنة الإصلاح الملكية، وقرار تعليق المشاركة بالانتخابات، العديد من الملفات الإخوانية الداخلية المعلقة، في مقدمتها "تفلت" قطاعات شبابية إخوانية ترفض ثنائية تياري الاعتدال والتشدد داخل الجسم الإخواني، وقد ذهبت تيارات أخرى "مثل التيار الإخواني في قيادة نقابة المعلمين" بحراكات ميدانية، بعيداً عن "التكلّس والجمود" الإخواني، وقادت قطاعاً مؤثراً وواسعاً في برامج مطلبية، خطفت معها بريق القيادة والشعارات التي اعتاد الإخوان المسلمون رفعها، بما فيها شعارات إسلامية مرتبطة بالقدس والمسجد الأقصى.

ملحظ آخر يؤكد أنّ قرار التعليق يمثل تياراً داخل الجسم الإخواني، وهو التيار الذي قرّر المشاركة في الانتخابات النيابية الأخيرة، والتي كانت نتيجتها بالنسبة إلى الإخوان ضربة موجعة، لا سيّما أنّ قرار المشاركة جاء بعد تصويت المراتب التنظيمية الإخوانية وبفارق ضئيل، في الوقت الذي تردّدت فيه اتهامات لتيار المشاركة بممارسة عمليات تزوير وشراء ذمم في عملية التصويت، وبالتزامن فإنّ هذا التيار يستند في تبرير قرار "التعليق" إلى الفضاءات والأجواء السلبية التي يشهدها الرأي العام الأردني، والتي تشير وفقاً لاستطلاعات رأي عام إلى أنّ ما نسبته "30%" فقط من حجم الكتلة الناخبة لديها الرغبة بالمشاركة في انتخابات البلديات ومجالس اللّامركزية، في ظلّ ازدياد مساحات التشكيك بالإصلاح وجدوى الانتخابات، أسهمت تيارات في جماعة الإخوان في التأسيس لها، وتدلل على صوابية مواقفها اليوم بتصريحات رؤساء الحكومات السابقين التي تحفظت على مخرجات وتوصيات لجنة الإصلاح الملكية.

 قرار تعليق الإخوان المشاركة في الانتخابات البلدية ومجالس اللّامركزية، وليس انتخابات مجلس النواب، يتضمّن رسالة للحكومة، لا تخرج عن مقاربة قانون الوحدة والصراع، بمعنى أنّه مجرّد محطة اعتراضية

ولعلّ ما يؤكد أنّ مرجعيات القرار حسابات إخوانية داخلية، أنّه يأتي قبيل انتخابات في الهيئات الوسيطة والقيادية للجماعة ستجري قريباً، ومن بين معايير التنافس فيها بين التيارات الإخوانية الإجابة عن تساؤلات حول جدوى وجدّية الإصلاح، وهو ما يفسّر تسريبات داخلية إخوانية بأنّ القرار جاء لإقناع قطاعات إخوانية لا ترى أفقاً للإصلاح السياسي، وأنّ المشاركة في الانتخابات تُقدّم غطاءً تجميلياً للدولة.

ورغم ذلك، فإنّ قرار التعليق لا ينفي سيناريو أنّه قرار استباقي، في ظلّ مخاوف إخوانية من احتمالات تلقي ضربة جديدة في الانتخابات البلدية ومجالس اللّامركزية، لا سيّما أنّ هذه الانتخابات تجري في ظلّ تنافس بمرجعيات عشائرية ومناطقية، تغيب عنه البرامج الحزبية، مقارنة مع الانتخابات النيابية، وهو ما يقلل فرص منافسة الحركة الإسلامية فيها، إلّا من خلال أعضاء من قواعد عشائرية أو بناء تحالفات مع قوى عشائرية.

سيناريوهات مستقبل القرار

وفي الخلاصة، فإنّه رغم تعدّد تفسيرات القرار الإخواني، إلّا أنّ المرجح أنّه مرتبط بحسابات إخوانية داخلية، تتعارض مع المشاركة الإخوانية الفاعلة في لجنة الإصلاح الملكية، واستمرار المشاركة في مجلس النواب، وتطلّع بعض القيادات للدخول بأيّ تعديلات وزارية قادمة، وبما يعكس جدالات وخلافات بين تيارات تنظيم الإخوان المسلمين، وبالمقابل فمن غير الواضح كيفية تعاطي الحكومة مع القرار الإخواني، رغم أنّ أوساطاً عديدة ترجح استثمار القرار الإخواني لإثبات عدم جدّية الإخوان، وذراعهم حزب جبهة العمل الإسلامي، في عمليات الإصلاح.

اقرأ أيضاً: تصدع في جدار إخوان الأردن باستقالة بني ارشيد

وبعيداً عن احتمالات تدخل وسطاء لدى الإخوان للتراجع عن القرار، فإنّ الصيغة التي تضمّنها بيان حزب جبهة العمل الإسلامي بـ"تعليق" المشاركة في البلديات واللّامركزية، تضمّن في طياته رسالة بإمكانية التراجع، وهو ما يتطلب غطاءً داخلياً، وأنّه جاء برغبة من قواعد في الحزب، رغم ما يحمله التراجع من احتمالات رفض بعض القواعد الإخوانية الالتزام به، ومقاطعة الانتخابات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية