"الإخوان" والمونديال!

"الإخوان" والمونديال!

"الإخوان" والمونديال!


29/11/2022

محمد صلاح

بصرف النظر عن الأمور الفنية ذات العلاقة بكرة القدم والظروف التي أحاطت بمشاركة الفرق العربية في مسابقة كأس العالم في قطر ونتائجها وآراء المحللين الرياضيين في مستوى الأداء وإيجابيات المدربين وسلبياتهم، أو حتى أخطاء القائمين على اتحادات الكرة، فإن الظاهرة الأكثر بروزاً تتعلق بالتفاف الشعوب العربية خلف المنتخبات الأربعة بصورة تفوق المتوقع، وكذلك عودة العلم الوطني ليرتفع في الشوارع والميادين وعلى واجهات المنازل وضمن مفردات الحياة اليومية للمواطنين العرب، حتى في الدول التي لم يحالفها التوفيق بالوصول إلى المونديال.

باختصار أعاد المونديال إظهار النزعة الوطنية مجدداً لدى الشعوب العربية، وأبرز ارتباط المواطن العربي بوطنه وحرصه على سطوعه في المحفل الدولي الكبير، رغم الإحباط والانكسار وربما الفشل في أمور السياسة، أو تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بعض الدول وصعوبة الحياة في الأمور المعيشية في دول أخرى. دعك هنا من محاولات تنظيم "الإخوان" الإرهابي استغلال المسابقة الكروية العالمية لنشر الفتن بين الشعوب العربية، وتحويل التنافس إلى صراع وحرب وكراهية، وسعي اللجان الإلكترونية "الإخوانية" والقنوات التلفزيونية الداعمة لـ"الإخوان" إلى استغلال الحدث للإساءة إلى الرموز العربية، أو تحريض الجماهير ضد الحكومات واستثمار نتائج الفرق العربية لتحقيق أهداف سياسية.

لاحظ أيضاً أن "الإخوان" أنفسهم كثيراً ما اتهموا أنظمة الحكم العربية عند تحقيق منتخباتها الكروية نجاحات إقليمية أو دولية بإلهاء الشعوب بواسطة كرة القدم والتغطية على أفعالها بالترويج للكرة وأحداثها، ولا يفوتك أيضاً أن "الإخوان" والآلة الإعلامية للتنظيم والنشطاء والثورجية لم يفوتوا، منذ ضرب الربيع العربي المنطقة وخرب أنماط العلاقات الإنسانية فيها، الفرصة تلو الأخرى إلا وسعوا لنشر الفوضى وزرع الفتن وتعميم الخراب أملاً في تهيئة أجواء تسمح لـ"الإخوان" بالقفز إلى مقاعد الحكم. واللافت أن الجماهير العربية ذاتها وعت اللعبة وفهمت الحيل والمؤامرات وصارت تتهكم على منصات إعلامية ظلت على مدى سنوات تنشر الإحباط بين الناس وتنزعج بشدة إذا ما التفّت الجماهير العربية خلف أعلام بلدانها، وتأتي الآن لتحلل أداء المنتخبات العربية الكروية!

مشاهد الجماهير العربية في ملاعب المونديال وشوارع وميادين وأسواق الدوحة ذاتها تؤكد أن الناس تجاوزوا الربيع العربي، وصاروا يرفضون صنّاعه، ولن يقبلوا بعودته، وأن الشعوب العربية لن تسمح مجدداً لأجواء الفوضى أن تعود، وأن جزءاً من أسباب ابتهاجها يأتي من نجاتها من شظايا الثورات وخراب المؤامرات. منح التنظيم الدقيق وفخامة الملاعب وسخونة المنافسات للمشجعين، الفرص للاحتفاء بفرقها ضمن أعلى مستويات كرة القدم بينما ظل المشاهدون عبر الشاشات يلاحقون أخبار المونديال بكل تفاصيلها من دون أن يلتفت أولئك وهؤلاء الى محاولات "الإخوان" والمتحالفين معهم تسويق مفردات سياسية لا علاقة لها بالكرة أو التنافس الرياضي.

الراصدون لتعاطي المنصات "الإخوانية" مع المشاركات العربية في فعاليات كأس العالم وقفوا عند تناقضات يبدو أن القائمين عليها لم يتنبهوا لها، إذ تبكي تلك المنصات غياب المنتخب المصري وتطلب محاسبة المسؤولين عن الرياضة لتقصيرهم أو فشلهم! وتسعى في الوقت نفسه بكل الطرق والوسائل والحيل والأكاذيب إلى استغلال الحدث للوقيعة بين الشعوب العربية وتمرير منهج "الإخوان" وكأنه ضمن الخطط التي تضمن نجاح الفرق الكروية في المسابقات الكبرى! لم يغب عن "أهل الشر" تشكيل لجان إلكترونية للفتنة وجيّشوا القنوات لإطلاق وترويج إشاعات، بينما قسم "الإخوان" أنفسهم إلى قسمين، لتبادل الشتائم في مواقع المشجعين، لتسخين الأجواء وزرع الفتن، اذ يدرك "أهل الشر" ومخططو حملات الكراهية ومحترفو صناعة المؤامرات أن طبيعة بعض مشجعي الكرة هي الاندفاع والغلو والتعصب.

صحيح أن النموذج "الإخواني" يعيش على نشر الإحباط والطاقة السلبية بين الناس ويكره أن يرى شعباً مبتهجاً، لكن الدوافع الشريرة لدى ذلك التنظيم الإرهابي أكبر من ذلك، فحشد كل الجهود والأموال للاصطياد في مياه المشجعين المتعصبين وانتهاز الفرص للانتقاص من الدول العربية أو الوقيعة بينها، وإشعال النار بين جماهير الفرق وصب مزيد من الزيت فوق حرارة التشجيع الكروي أملاً في أزمات سياسية يعتقد "الإخوان" أنها قد تضعف موقف الدول المعارضة لسلوك "الاخوان" ودعمهم، وارتكابهم، للإرهاب!

تتجاوز شعوب الدول المتقدمة، خصوصاً في أوروبا، صدمتها بسرعة إذا ما فشلت فرقها في الوصول إلى المونديال، أو خرجت من الأدوار الأولى، بعكس الحال في الدول العربية، إذ إن هناك في الجزء الآخر من الكرة الأرضية أسباباً عدة للسعادة والفرح والبهجة، بينما قد يجد المواطن العربي في الكرة مصدراً وحيداً للفرحة أو الابتهاج، والمأساة إن ظهر له بفعل الربيع العربي ونتائجه المدمرة، من يستكثر عليه حتى الاستمتاع بفريقه في محفل دولي. ولم ينسَ المصريون مثلاً ذلك المعلق الذي دعا قبل سنوات إلى المصالحة مع "الإخوان المسلمين" أثناء تعليقه على مباراة للفريق المصري في تصفيات أفريقيا المؤهلة للمونديال، أو رياح السموم التي يطلقها المحللون الكرويون في كل نقاش حول مباراة كرة القدم للسخرية من الرموز والإساءة لهم وتبرير جرائم "الإخوان"، ما جعل مشجعي الكرة يجلسون لمشاهدة المباريات وقد تحصنوا ضد ذلك المعلق "الإخواني" أو تلك التحليلات الكروية... الثورية!

عن "النهار العربي"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية