"الإرهاب الغذائي": كيف تسببت مأساة ليبيا في زيادة الفساد بتونس؟

"الإرهاب الغذائي": كيف تسببت مأساة ليبيا في زيادة الفساد بتونس؟


20/09/2020

تتجاوز ضريبة ما يحدث في ليبيا الليبيين، وإن كانوا المتضرّر الأوّل، غير أنّ آثار النزاع في الدولة التي باتت معقلاً للميليشيات، وتعاني منذ 5 أعوام من الحرب، تمتد إلى دول الجوار، وفيما دارت التخوفات حول القلق من أن يتسرّب المقاتلون من ليبيا إلى دول الجوار، يتضح أنّ آثار ما يحدث تتعدّى الجوانب الأمنية.

يؤكد الرئيس التونسي قيس سعيّد دائماً يقظته الأمنية تجاه المخططات التي تحاك ضد تونس، وكان قد تصدّى لمحاولة من حركة النهضة لتوريط تونس في محور حكومة الوفاق (المدعومة من تركيا والمحاطة بالميليشيات) في أيار (مايو) الماضي، والذي كان من شأنه أن يعرّض الأمن التونسي للخطر.

يتمثل ذلك الإرهاب في النشاط الملحوظ لجماعات التهريب عبر الحدود الذي لم يقتصر على الأسلحة ليشمل الطعام

وقبل أيام فتح الرئيس حرباً جديدة ضد الفساد، قائلاً إنّ أسراباً من الجراد تعبث في تونس، ووصف الفاسدين بأنهم لصوص. وفيما يترسّخ الفساد في تونس منذ عقود، فإنّ جوانب جديدة منه قد ظهرت مع الأحداث الليبية، في مقدمتها "الإرهاب الغذائي"، بحسب وصف الخبيرة التونسية في الجرائم الاقتصادية المقيمة في سويسرا، ريم بالخذيري.

ويتمثل ذلك الإرهاب، وفق تصريح ريم لـ"حفريات"، في النشاط الملحوظ لجماعات التهريب عبر الحدود، والتي امتد خطرها من تهريب الأسلحة، إلى تهريب الطعام إلى الداخل الليبي مقابل الحصول على أموال أكثر، ما ينعكس في الأسعار التي تتضاعف 4 مرّات في السوق التونسية، ويضع التونسيين الذين يعانون من تدهور الاقتصاد ونسب مرتفعة من البطالة في أزمات مستمرة.

يؤكد الرئيس التونسي قيس سعيّد دائماً يقظته الأمنية تجاه المخططات التي تحاك ضد تونس

وقد تخصّصت تلك الجماعات على نحو خاص في تهريب السميد (الدقيق) والحليب. وتعلق ريم: انهيار العملة وعدم استقرار الحكومات أتاح للمحتكرين والمهرّبين استعمال القوّة، ثمّة جنود لقوا حتفهم في صراع مباشر مع مهرّبي الغذاء.

وتربط تونس بليبيا حدود تمتدّ إلى مئات الكيلو مترات.

وأضافت خبيرة الجرائم الاقتصادية: الحكومة التونسية السابقة برئاسة إلياس الفخفاخ كان أمامها فرصة ذهبية لتقويض ذلك الفساد، وتطهير وضبط الحدود، بالتزامن مع فترة الإغلاق لمواجهة كورونا، لكنّ رئيسها (الفخفاخ) كان مشغولاً بعقد صفقات بين شركات تابعة له وللحكومة، في إشارة إلى شبهة الفساد التي تقدّم الفخفاخ على إثرها باستقالته.

ريم بالخذيري: الحكومة التونسية السابقة برئاسة الفخفاخ كان أمامها فرصة ذهبية لتقويض ذلك الفساد وتطهير وضبط الحدود

وتتابع ريم: مقاومة الفساد الاقتصادي هي معضلة العالم، وفي الدول المصنفة على أنها عالم ثالث هو اللغم الناسف للتنمية، لذا فإنّ مقاومة الفساد تستوجب اقتراحات جريئة، وتتطلب تفعيل كلّ الكفاءات في مقاومة الجريمة الاقتصادية والتهريب المالي والغذائي.

وتوضح: هناك شعور عام بالغثيان بسبب الفساد، وأصبحت الفجوة واضحة بين الدولة والشعب، وخلفت الأزمات انعدام الثقة، لذا فإنّ حديث الرئيس الرنّان عن مكافحة الفساد لا ينطوي على النخب المثقفة، ولا بدّ من أن يُتبع بتحرّكات عملية.

اقرأ أيضاً: مؤشرات انفجار اجتماعي: هل تونس على موعد مع ثورة جديدة؟

وكان الرئيس التونسي قد قرّر في 14 آب (أغسطس) إنشاء لجنة تتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية، لاسترداد الأموال المنهوبة والتجاوزات المتعلقة بأموال الدولة. ولا تُعدّ تلك اللجنة الأولى، فقد تمّ استحداث "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، خلفاً لـ"لجنة تقصّي الحقائق عن الفساد والرشوة"، التي أنشئت في كانون الثاني (يناير) من العام نفسه.

هناك شعور عام بالغثيان بسبب الفساد، وأصبحت الفجوة واضحة بين الدولة والشعب

وترى ريم أنّ "مقاومة الفساد تستوجب أهل اختصاص وقضاة شرفاء ومحامين وخبراء في الاقتصاد والتهرب الضريبي، ورؤية استشرافية؛ أي إنها أمر لا يمكن أن يُحلّ بعصا سحرية أو بقرارات رأسية"، وإن قالت حول لجنة الرئيس: أتمنى أن تستطيع تحقيق اختراق ما في الملف، ولكن عندما تتحدث عن المليارات عليك بمستندات قوية وواقعية، والتناقش مع الكنفدرالية السويسرية ليس بالهيّن، لذا لا بدّ من تأسيس لجنة مختصة في الجرائم الاقتصادية.

آثار النزاع في ليبيا التي باتت معقلاً للميليشيات امتد إلى دول الجوار

وتعلّق: قيس سعيد رجل قانون وَدستوري وليس برجل قانون جنائي، وليس له الحزام السياسي في البرلمان لتطبيق وإنصاص القانون، إنه بعيد كلّ البعد عن الحقائق.

وتُقدّر الأموال التونسية المنهوبة خلال عهد الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي بمليارات الدولارات.

ولم يتوقف الفساد في تونس بعد الثورة والإطاحة بنظام بن علي، فقد انتقل إلى مستوى أفقي، وتمدّد، وباتت مواجهته أصعب، فيما يرى مراقبون أنّ الفساد في تونس بات علكة سياسية، يتمّ استحضارها لتحقيق أهداف ما من قبل كلّ فصيل، غير أنّ تحقيق اختراقات حقيقية في الملف ليس بالهيّن، في ظلّ الصراع المكتوم بين السلطات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية