الإرهاب وماكينة التضليل الإعلامي

الإرهاب وماكينة التضليل الإعلامي


10/01/2021

منير أديب

الإعلام لا يزال الساحة الغائبة في مواجهة الإرهاب، وربما حضور بعض وسائل الإعلام في المواجهة لم يكن على المستوى المطلوب، خصوصاً إذا قارنا ذلك بماكينة الإعلام التي تُحركها قوى الإرهاب، والتي تعتمد عليها اعتماداً أسياسياً، لا ننفي وجود وسائل إعلامية قوية هدفها الأساسي مواجهة خطاب الإرهاب والتطرف، ولكننا في الوقت نفسه أمام مقارنة أخرى مع ماكينة التضليل الإعلامي التي تماهت مع خطاب قوى الإرهاب وربما تفوق هذه الماكينة.

الملاحظ أن قوى الإرهاب، رغم ما تعرضت له، ما زالت نشطه إعلامياً سواء من خلال بعض القنوات الإعلامية "الرسمية" التي وفرت حاضنة لهذه القوى أو من خلال ما يمكن تسميته بالإعلام "غير الرسمي" ممثلاً في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تفرّدت من خلالها هذه القوى ونجحت في الوصول إلى قطاعات كبيرة من النّاس، وهو ما يستلزم خططاً لتفكيك هذا الخطاب.

تمسّك قوى الإرهاب بالخطاب الإعلامي له أسباب عدة، قد يكون منها قوة هذا الخطاب وتأثيره، وعدم قدرة هذه القوى على التواصل المباشر مع النّاس داخل المجتمعات التي يتواجدون فيها، كما كان من قبل، fخاصة مع الهزائم التي منيت بها هذه القوى، فضلاً عن عدم قدرتهم على تغيير وتبديل هذا الخطاب إلا من خلال الإعلام. يُضاف إلى ذلك الرغبه في تضليله على النّاس، ومن هنا نجحت قوى الإرهاب في انشاء ماكينة تضليل أصبحت هي الأكثر تأثيراً من كل وسائل الإعلام التي وضعت ضمن خططها واستراتيجيتها مواجهة الإرهاب.

أصبح التأثير الأخطر للإرهاب من بُعد، وعلى قدر بُعده بدت خطورته، ولعل هذا الخطاب كشف مشروع التنظيمات المتطرفة القائم على اغتيال الآخر، فكلما نجح في تشويه الآخر إلى حد الاغتيال نجح في تقديم نفسه، وأعطى لنفسه أيضاً فرصة لإقناع القاعده المستهدفه له من النّاس. هذه التنظيمات ليس لديها ما تستطيع أن تقدمه للنّاس أو أن تقنعهم به، وإنما تتعامل بسياسة تدمير الآخر حتى تثبت وجودها، وحيلتها في ذلك ماكينة إعلام ضخمه يعمل فيها كل من له علاقه بأفكار هذه التنظيمات أو أصبح جزءاً منها، بل كل هؤلاء يمثلون تروساً في هذه الماكينة الضخمة، ولعل هذا يُفسر تزايد نبرة ومستويات الخطاب المتطرف في العالم.

الاستهتار بماكينة الإعلام الرسمي وغير الرسمي لقوى الإرهاب هو المسؤول الأول في انتشاره بهذه الصورة التي نشاهده عليها الآن، فإذا كانت ثمة مواجهة للإرهاب فلا بد من أن يكون ميدانها الأول والرئيسي في الاعلام، إعلام غير تقليدي يكون قادراً على تفكيك الخطاب الاعلامي للتطرف الذي لامس عقول وقلوب قطاعات عريضة من النّاس... إعلام يقرأ هذه التنظيمات قراءة دقيقة، ثم يضع يده على نقاط القوة والضعف، بحيث يكون بعدها قادراً على تفكيك الخطاب وفق قراءة صحيحة وألا يقتصر دوره على مجرد الهجوم فقط.

تنظيمات العنف والتطرف تستخدم وسائل الإعلام في تجنيد أتباع جدد لها ومقاتلين، كما تستخدم هذه الوسائل نفسها في الهجوم على خصومها وتشويههم، كما أن هذه الوسائل نفسها أيضاً هدفها الأساسي إسقاط الكيان السياسي القائم، والذي يمثل عقبة عصية أمامها، فقد يكون إزالة هذا الكيان في الإعلام أسهل بكثير من العمليات الإرهابية، التي يكون دورها لاحقاً، ومن هنا بدت خطورة الإعلام وماكينته.

وهنا أيضاً يمكن القول إن الإعلام هو العصب الحقيقي الذي تتحرك من خلاله قوى الإرهاب وتعتمد عليه اعتماداً أساسياً. الأخطر من ذلك أن كثيراً من التنظيمات الإرهابية يستخدم الإعلام كمحطة مهمة قبل تنفيذ العملية الإرهابية في تمهيد يعقبه تعليق والاستفاده من النشاط على الأرض، وقد يُستخدم الإعلام في إشارات بدء العمل الإرهابي أو التواصل بين المجموعه المخططه والمنفذه، وأهمية الإعلام هنا تبدو من أهمية الأفكار المتطرفة التي تؤمن بها هذه التنظيمات.

توغلت حركة "الإخوان المسلمين" باعتبارها أم التنظيمات المتطرفة الموجوده في المنطقة العربية، فهي الأقدم في النشأة، والمسؤول الأول عن إنتاج أكثر الخطابات المتطرفة، في إنتاج وسائل إعلامية عدة تؤدي الغرض المشار إليه سابقاً، وقامت بتدريب أتباعها على أن يقوموا بالدور الإعلامي نفسه في تشويه الخصوم واغتيالهم، ولذلك كل تابع لـ"الإخوان" عبارة عن ماكينة من الكذب والتدليس، فهو عبارة عن أفكار تتحرك على الأرض تُشكك في كل شيء وأي شيء حتى يصل إلى هدفه، وهنا مباح لهؤلاء استخدام النصوص المقدسة، في غير محلها، من أجل تحقيق الهدف المنشود!

تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى أداة إعلامية وكأنها مملوكة لجماعات العنف والتطرف، ونجحت قوى الإرهاب في تطويع هذه الوسائل لصالحها، حتى باتت هذه التنظيمات هي الأكثر استفاده من التكنولوجيا ومن الدول التي شاركت في صناعتها، وتم تطويع هذه التكنولوجيا من ماكينة الإعلام الضخة المملكومة لهذه التنظيمات، وهنا بات مهماً مواجهة هذه الآله، بخاصة أن هذه التنظيمات نجحت في استخدام التكنولوجيا في شكل أفضل من الذين صنعوها أو يحاولون أن يواجه هذه التنظيمات من خلالها.

تخاذلت الشركات التكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعي في مواجهة الإرهاب، وهو ما جعل هذه القوى الأكثر استثماراً لهذه التكنولوجيا، واقتصر الدور على مجرد رد الفعل من دون المواجهة الحقيقية وغلق أي منافذ للاستفاده من هذه التكنولوجيا أو حتى استخدامها في شكل أكثر تأثيراً في مواجهة الإرهاب، فتارة بعض شركات التواصل الإجتماعي أعطت حرية لمستخدميها وفرضت رقابة خاصة وحماية في الوقت ذاته، وبالتالي استخدمت هذه التنظيمات هذه المواقع في التواصل والتجنيد وفي تنفيذ العمليات الإرهابية أيضاً، وذراً للرماد قامت بحذف حسابات على بعض هذه المواقع، حتى لا يقال عليها أنها تؤدي خدمة جليلة لقوى الإرهاب، والهدف من ذلك هو ألا ينظر لفعلها على أنه مجرد رد فعل لا يرقى للمواجهة المأمولة، والحقيقة يُنظر إلى هذه المواقع على أنها شريك في ممارسات الإرهاب.

لا بد من ممارسة سياسة انفتاح إعلامي يكون هدفه خنق الماكينة الإعلامية لتنظيمات العنف والتطرف أو على الأقل قراءتها وفهم أبعادها وإيجاد صيغ مواجهة تأخذ العقل العربي إلى قراءة هذه التنظيمات والتعامل معها، بحيث يتم إبطال دور الإعلام الموجه والداعم للعنف.

لا بد أيضاً من تحريك عجلة الإعلام إلى الأمام، وأن يسبق ذلك قراءة ميديا جماعات العنف والتطرف بكل مستوياتها، قراءة ترتقي لمستوى المواجهة الحقيقية، فقد قال الفيلسوف والمفكر الصيني (تزو) قبل أكثر من خمسمئة عام قبل الميلاد عن الانتصار والهزيمة إذ يُعرفها.

يقول المفكر الصيني: إذا عرفت نفسك وعرفت عدوك فلا حاجة من الخوف من مئة معركة، أما إذا عرفت نفسك ولم تعرف عدوك فكل نصر تحرزه سيقابله هزيمة تلقاها، أما إذا لم تعرف نفسك ولم تعرف عدوك، فإنك ستهزم في كل معركة، وهنا تبدو أهمية الإطلاع على خطاب قوى الإرهاب من خلال ماكينتة الجباره بعد دراسته والاستعداد لتفكيكه حتى تُصبح قوى الإرهاب أكثر عجزاً وبالتالي يسهل مواجهتها والقضاء عليها.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية