الاستياء والغضب: في خصائص الشخصية الشعبوية

الاستياء والغضب: في خصائص الشخصية الشعبوية

الاستياء والغضب: في خصائص الشخصية الشعبوية


29/05/2023

أحمد نظيف

لماذا ينجذب البعض إلى سحر الخطاب الشعبوي؟ هل يتعلق الأمر فقط بعاطفية هذا الخطاب ولاعقلانيته؟ أم يتعلق أساساً بالأرضية النفسية للمتقبل؟ باكراً أدرك علماء مدرسة فرانكفورت النقدية الدور الأساسي الذي يلعبه علم النفس والتحليل النفسي في مقاربة مسألة نشوء الشخصية الاستبدادية، سواءً كانت فاشية أو نازية أو شعبوية. ومن خلال دمج التحليل النفسي بالتحليل المادي، نجحوا في وضع نموذج تحليلي لأنثروبولوجيا "الفرد المستبد" منذ منتصف خمسينات القرن الماضي، أشرف على تحريره ثيودور أدورنو.  

يخلص البحث إلى أن الشخصية الاستبدادية لا تتحول دائمًا نحو الفاشية الخالصة، بل يمكن أن يكون ذلك خافياً ويظهر في ظل ظروف اجتماعية-تاريخية معينة في لحظة تاريخية مناسبة. وفقًا لهذا البحث، فإن سلوك الشخصية "الساعية للسلطة" هو ملاحقة أصحاب "السلطة"؛ بمعنى أنه يحاول ربط نفسه بأشخاص أقوياء وتقليدهم. من ناحية أخرى، يهين الناس الذين يعتقد أنهم ضعفاء. ويكون هؤلاء الضعفاء عادةً من الفئات الاجتماعية والعرقية الهشة كالنساء والأقليات.

فالشخصية الاستبدادية عنيفة للغاية ولديها تفكير نمطي. لذلك فإن أولئك الذين يرون أنفسهم عاجزين يشعرون بالارتياح عندما يكونون تحت سيطرة زعيم قوي. فهم معجبون بالقوة والصلابة والصرامة. تساعد أبحاث علماء مدرسة فرانكفورت في محاولة بناء خصائص الشخصية الشعبوية، على فرض أنها تقاسم الميول الاستبدادية مع الشخصية الفاشية.

يتسم أصحاب الشخصية الشعبوية بالبساطة في التفكير وبأن لديهم إيماناً شديد اليقين، لا ينتهك، وبأنهم شديدو الرسوخ في آرائهم وأفكارهم. فهم ليسوا متشككين، ويرفضون أي تفكير بشكل نقدي. وأغلبهم قد عاش طفولة مع أبوين صارمين. تظهر دراسة مدرسة فرانكفورت، أن الأشخاص الذين نشأوا في بيئة قاسية هم أكثر عرضة لتطوير شخصية استبدادية. لم يكن الشخص المعني قادرًا على التعبير عن العداء تجاه والديه (للتشدد والنقد منهم). نتيجة لذلك، ينقل هذه الكراهية والعداء إلى أهداف أكثر أمانًا، أي أولئك الذين هم في وضع أضعف منه. كما يتميزون بنزوع قوي نحو تقسيم الناس إلى معسكرين "نحن" و "هم" ويعتبرون معسكرهم هو الأعلى وصاحب الحق المطلق. إلى جانب هوس كبير بنظريات المؤامرة، التي تقودها الأطراف الداخلية والخارجية، غير المرئية وغير المحددة على وجه الدقة. كما تتميز هذه الشخصية بسطحية الثقافة، فهي مستهلك كبير للثقافة السائدة غير النقدية، ولذلك فهي غير قادرة على تطوير رأي جدلي، وتميل على نحو فطري إلى التبسيط والسطحية. لذلك، فهم محافظون للغاية ويتبعون التقاليد ويعارضون الأفكار الجديدة. 

لكن رغم شيوع وجود هذه الشخصية في أي مجتمع إلا أنها لا يمكن أن تتمكن من السلطة أو تقترب منها خارج "اللحظة الشعبوية" التي يمكن أن يمرّ بها أي بلد. يمكن أن تنشأ أزمة أي نظام بسبب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية (ارتفاع الأسعار والبطالة والركود والفساد والرشوة وانعدام الأمن الاقتصادي وآفاق تحسين الوضع). ويمكن أن تكون الأزمة ذات جذر ثقافي حيث تشعر بعض الفئات الاجتماعية الأغلبية بأنها مهددة الوجود من طرف الأقليات. يسمي إرنستو لاكلو أزمة النظام الحاكم بـ "اللحظة الشعبوية" ويحددها على النحو التالي: عندما تصبح الهيمنة في المجتمع غير مستقرة بسبب صعود مطالب الشعب غير المحققة. في مثل هذه الحالة، فإن المؤسسات القائمة التي تحاول الدفاع عن النظام الحالي لم تعد قادرة على ضمان امتثال غالبية الناس. ونتيجة لذلك، فإن الكتلة التاريخية التي تشكل "الهيمنة" قاعدتها الاجتماعية، والتي سادت اجتماعياً، سوف تتعرض للتفكك والاهتراء. وهنا يظهر الشعبويون لالتقاط اللحظة وركوب موجة الإحباط الشعبي. 

في هذا السياق، أظهرت العديد من الدراسات في علم النفس السياسي، المستندة إلى التجارب، على وجه الخصوص أنه في سياقات معينة (مثل حالات الاستياء والغضب الشعبي أو سياقات الحرب)، يفضل الناخبون الشخصيات السياسية الشعبوية. من ناحية أخرى، تؤكد دراسات علم النفس التجريبية هذه أن الوضع المتأزم بحد ذاته لديه القدرة على قلب تفضيلات الأفراد، بغض النظر عن خصائصهم الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية: المشاركون الذين يفضلون قادة أقل سلطوية أو شعبوية، في السياق الطبيعي، يتحولون إلى تفضيل قادة أكثر سلطوية في سياق حرج. لكن تأثير الأزمات على التفضيلات السياسية لا يقتصر بالضرورة على فترات الأزمات الحادة. في الواقع، لقد ثبت أن تجربة الظروف الصعبة في الطفولة مرتبطة بتفضيل القادة الذين يُنظر إليهم على أنهم مهيمنون في مرحلة البلوغ، بغض النظر عن الظروف المعيشية للمشاركين في مرحلة البلوغ، بحسب لو سفرا، أستاذة علم النفس السياسي في معهد العلوم السياسية بباريس. وبالتالي، يمكن للتحليل المعرفي للتعبير السياسي أن يلقي الضوء على بعض الآليات التي ينطوي عليها نجاح بعض الأحزاب الشعبوية. على وجه الخصوص، يبدو أن الغضب وسيلة قيمة لجذب ناخبين معينين في سياقات معينة. لذلك، ربما لا يكون التعبير عن الغضب من قبل المرشحين الشعبويين مجرد انعكاس لوجهة نظرهم للعالم: إنه بالتأكيد أيضًا أحد أدوات التواصل السياسي الخاصة بهم، مما يسمح لهم بأن يُنظر إليهم على أنهم أكثر سيطرة، وبالتالي أكثر قدرة على القيادة في أوقات الأزمات.

عن "النهار العربي"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية