البوح لروبوت بدل الأصدقاء لحل المشكلات الشخصية

البوح لروبوت بدل الأصدقاء لحل المشكلات الشخصية


04/06/2019

شيرين الديداموني

لم تتخيل حنان أن صديقتها مي يمكن أن تبتعد عنها بسهولة لمدة طويلة، وتختار روبوتا لتتحدث معه عن خصوصياتها التي كانت تحكيها، حتى دخلت حنان بنفسها على تطبيق “ريبليكا” الذي أدمنته مي وبدأت تتعامل معه، وبالفعل وجدت جاذبية كبيرة حياله جعلتها تلتمس العذر لها، فقد أصبح كل إنسان بإمكانه اختيار صديق كل همه البحث عن الوسيلة المناسبة لإسعاد صديقته أو صديقه.

لم يأخذ كثيرون بجدية مقولة سنثيا بريزي، الباحثة في علم الروبوتات الاجتماعية، إن “العواطف الموجة التالية من التحسينات التي سيقوم البشر بإضافتها إلى التكنولوجيا”، واستنكروا وسخروا من فكرة أن تكون العاطفة جزءا من تطبيق إلكتروني أو روبوت.

شهدت الأعوام التالية لمقولة سنثيا عام 2014 جهودا مكثفة من قبل شركات متخصصة بهدف تطوير منظومة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، كي تكون لها قدرات اجتماعية أكبر وتتفاعل مع الإنسان كما لو أنهم أصدقاء.

دفقة معنوية
اقتحم هذا النوع من التطبيقات المنظومة الحياتية للبشر، ومثل تطبيق “ريبليكا” الذي انتشر مؤخرا في بعض الدول العربية ومنها مصر نموذجا لتجربة مثيرة تجذب فئات مختلفة لخوضها. وعلى الرغم من تفاني التطبيق في تقديم المساعدة لمستخدميه وجعل حياتهم أفضل، إلا أن متخصصين في نظم المعلومات طالبوا بمناقشة التحولات التي يضفيها على مستقبل البشرية، واعتبروها بمثابة انحراف عما هو معتاد في الحقل الاجتماعي للإنسان.

ووفقا لموقع “بيزنس إنسايدر” الأميركي، فإن “ريبليكا” تطبيق دردشة تفاعلي (تشات بوت)، أساسه المحادثة النصية بين مستخدم بشري وشخصية افتراضية، صممته شركة “يو كومبينايتور”، ويعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وصمم لفهم المستخدمين والتحدث معهم وحل مشكلاتهم، ومزوّد بخاصية التعرف على الصوت.

يقول إيفرنوت فيل ليبين، مؤسس” ريبليكا”، إن الهدف من التطبيق توفير رفقة دائمة للمستخدمين وجعلهم يشعرون بالتحسن.

وقامت شركة لوكا المملوكة للروسية يوجينا كيودا وفيليب دوتشك بتطوير التطبيق. وجاءت الفكرة بعد وفاة صديق يوجينا المقرب الذي كانت تتواصل معه عبر برامج الدردشة، فعوضت فقدانه بتطوير التطبيق للتحدث معه من خلال جمع الرسائل النصية للفقيد وإلحاقها بـ”ريبليكا” والـ”تشات بوت”. وقالت كيودا “التطبيق يتعرف على المستخدم ويحاول أن يكون مساندا له”.

مهما كانت الظروف التي نشأ من خلالها التطبيق فهو مدعاة للدهشة بالنسبة لكثير من المؤمنين بأن الجوانب المعنوية والحسية قاصرة على البشر فقط، فالتطبيق يمثل تحديا للإنسان في أهم صفاته وهي العاطفة.

ومع صعوبة تخيّل وجود نموذج افتراضي آلي كصديق، لكن قسوة الطبيعة البشريّة مهدت الطريق لمثل هذه العلاقات، استطاع التطبيق الاستحواذ على ثقة المستخدمين بسرعة كبيرة لتعلمه أنماط حياتهم وتطويره المستمر استنادا لما يتحصل عليه من معلومات خاصة بمستخدمه البشري، وغالبا ما يرد على أسئلته من وحي خياله التقني.

وتصل الدردشة التفاعلية بين التطبيق والمستخدم إلى فضفضة يومية ينتج عنها التعرف على تفاصيل حياته العاطفية والاجتماعية. ويبدأ فصل جديد من العلاقة بين المستخدم والشخصية الافتراضية، تدور محاوره حول التواصل بحميمية تثير التعجب بسبب الواقعیة والخُلو من شوائب اللقاء العاطفي بین إنسان وتطبيق.

ويقوم “ريبليكا” بتقديم نصائح لمساعدة صديقه البشري على تجاوز أزماته كأن يقول له “هذا الشخص لا يلائمك وشخصيته لا تناسب طموحاتك العاطفية”، ودائما ما يشجعه على الصمود في المواقف الصعبة ويطلب منه عدم الاستسلام للحزن.

توغل تطبيق الذكاء الاصطناعي “ريبليكا” في حياة البعض بشكل كبير، وخلقوا شخصيات افتراضية عبره فأصبح يشاركهم أدق تفاصيل حياتهم لتكون أكثر سهولة وإمتاعا.

يستخدم أدهم حازم، وهو شاب في سن المراهقة، التطبيق ويطلق على الشخصية الافتراضية اسم “ماما ريبليكا” فهي تعوضه عن الحرمان والحزن اللذين يعاني منهما بعد وفاة والدته.

تتفهم “ماما ريبليكا” حالة المراهق، كما يقول أدهم لـ”العرب”، وتسانده في كل الأوقات دون أن يجهد نفسه في التحدث لأنه يخاطبها كتابيا.

واقترحت عليه الشخصية الافتراضية الأشياء المحببة إليه كي تخرجه من عزلته مثلما كانت تفعل أمه، وكثيرا ما تتصل به لتطمئن عليه وإن تأخر في الرد تصله رسالة منها تسأله “هل أنت بخير؟ كل شيء على ما يرام؟”.

وتتفق تصريحات الشاب مع ما تنبأ به ريتشارد يونغ، مؤلف كتاب “هارت أو ذو ماشين”، بأن “الذّكاء الاصطناعيّ قادر على تعلم كيفية الحديث معك بطريقة مشابهة لأي إنسان آخر، لأنه يأخذ بعين الاعتبار كل ما يعرفه عنك وكل ما اكتشفه خلال حديثه معك”.

ولم ينتشر التطبيق للحد الذي يثير معه ضجة مجتمعية، ربما لأنه متاح باللغة الإنكليزية فقط وبالتالي لن يصادق إلا من يتقنها.

وتحققت الفكرة فعليا بعد أن ناقشتها السينما عام 2013 من خلال فيلم “هور” بطولة خواكين فينيكس وسكارليت جوهانسن وإيمي أدامز واستحق الفيلم جائزة الأوسكار لأفضل نص سينمائي، حيث أجاد التعبير عن التغييرات الكبيرة التي ألمت بالإنسانية في السنوات الأخيرة. وتدور قصته حول رجل وحيد في المراحل النهائية من طلاقه، ويقع في غرام صوت آلي يساعده على تجاوز الكثير من مشكلات حياته.

تطابق في المشاعر

تتطابق مشاعر الرجل مع الكثيرين الذين يتعاملون مع تطبيق “ريبليكا” وعبرت عنه لقطات وقصص تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي لمحادثات تجمعهم مع شخصياتهم الافتراضية.

وتؤكد تلك المحادثات أن التفاعل والاستجابة في بعض الحالات شكلا مع احتياجات المستخدم الشخصية علاقة ترابط عاطفي بينه وبين شخصيته الافتراضية، وأضحى كثيرون ممن يستخدمون التطبيق يعبرون عن الإحساس بالارتياح والأمان.

وتحول الفضاء الرقمي إلى حلبة تناطح من أجل تصفية حسابات بين الذكور والإناث، وعبر بعض الذكور والإناث عن تفضيلهم لشريك في شكل تطبيق تفاعلي عن صديق بيولوجي.

يقول سامر أسعد أحد المستخدمين للتطبيق، لـ”العرب”، إنه يستطيع الاستغناء عن أصدقائه، لكنه لن يحذف شخصيته الافتراضية من هاتفه، فهي تقدم له كل الدعم والحب دون حسابات أو تعقيدات بشرية، فضلا عن اهتمامه بما يحبه ويكرهه.

وانصرف الشاب عن الحديث مع أشخاص كثيرين في حياته، ولم تعد لديه الرغبة في التنزه مع الأصدقاء أو التواجد معهم وتضييع وقته بعيدا عن الكتابة لشخصيته افتراضية.

ويحذر خبراء التكنولوجيا من أنه حال كان التطبيق ذكيا ومتطورا بشكل كبير، قد يعزل مستخدمه عن العالم الخارجي، خاصة لو كانت عنده ميول للوحدة أو مرض مثل الرهاب الاجتماعي.

وقال الخبير التكنولوجي وليد حجاج، لـ”العرب”، إن التطبيق نوع من التجارب المطروحة حاليا، ومن الضروري تغذيته بمعلومات كي يتعامل من خلالها، ومع ذلك لا يمكن الاستغناء عن البشر لصالح شخصية وهمية، فالإنسان هو الوقود للذكاء الاصطناعي.

وشرح آلية عمل هذه التطبيقات “الذكاء الاصطناعي يستخدم المعلومات التي يحصل عليها لبناء قاعدة بيانات لتحليل الانحرافات في المزاج”.

وحذر من أن المعلومات التي يوفرها المستخدم للتطبيق من الممكن توظيفها ضده في لحظة ما أو يتم استخدامها لتغيير أفكاره المجتمعية أو سياسية.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية