التحديات الاقتصادية تطارد تونس في العام الجديد

التحديات الاقتصادية تطارد تونس في العام الجديد

التحديات الاقتصادية تطارد تونس في العام الجديد


28/12/2022

عام ونصف العام يكاد يمضي منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد عن الإجراءات الاستثنائية في 25 تموز (يوليو) 2021، وغيرها من الإجراءات والمراسيم المُكملة تباعاً، والتي بموجبها عُطل مجلس نواب الشعب ثمّ حُل لاحقاً، وأقال آخر حكومة منبثقة عن المجلس وغير ذلك، وصولاً إلى كتابة دستور جديد للبلاد والاستفتاء عليه.

تبعاً للدستور الجديد أصدر الرئيس قانون انتخابات جديداً، استبدل نظام الانتخاب النسبي (القوائم) بنظام الانتخاب الفردي في دوائر ضيقة، وتضمن تعديلات واسعة تتعلق بشروط الترشح ومهام ومحاسبة نواب المجلس.

الانتخابات التشريعية

وانتهت الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية التي عُقدت في 17 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وشهدت نسبة مشاركة محدودة، لم تتجاوز 11%، مقابل نسبة مشاركة تخطت 40% في آخر انتخابات تشريعية وفق النظام البرلماني السابق في عام 2019. وبمقارنة عدد الأصوات الصحيحة بين الدورتين، شارك في عام 2019 حوالي 2.9 مليون ناخب، مقابل 1.025 مليون ناخب في الانتخابات الأخيرة، ويعود العزوف إلى سببين؛ المقاطعة العريضة من معظم الأحزاب السياسية وعلى رأسها حزب حركة النهضة (الإخوان المسلمين)، والعزوف الانتخابي عقب 11 عاماً من الإخفاق في إصلاح الأحوال الاقتصادية في البلاد.

تتحمل حركة النهضة المسؤولية الكبيرة عن تردي الأوضاع الاقتصادية اليوم، والتي تفاقمت على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا مطلع العام المنصرم، ومن قبل جائحة كورونا والتي كان للرئيس قيس سعيّد الفضل الأول في مكافحتها بمساعدة الدول الصديقة.

رئيس حزب حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي

مع ذلك أخطأ الرئيس قيس سعيّد بتغيير نظام الانتخاب من نظام التمثيل النسبي إلى الفردي، وكان أمامه الخيار المختلط ليحقق أهدافه، التي تتمثل في تقييد نسبة فوز الأحزاب عبر نظام القوائم، وفي الوقت نفسه إلقاء الكرة في ملعب تلك الأحزاب لتشارك في العملية الانتخابية، ليحظى بقبول دولي نسبي.

وفي استطلاع رأي أجراه معهد إمرود كونسلتنغ، بشأن قرارات رئيس الجمهورية ليوم 25 تموز (يوليو) 2021، بعد عدة أيام من الأحداث، أكد 86% من المستجوبين مساندتهم تجميد عمل واختصاصات المجلس النيابي لمدة 30 يوماً، بينما عبر 6% منهم عن معارضتهم لهذا القرار.

الإصلاحات الاقتصادية ستؤثر على قيمة العملة الوطنية (الدينار) مما سيؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية للمواطنين، بجانب تأثيره على مستويات المعيشة بعد رفع الدعم عن المحروقات

وكان على قيس سعيّد بعد كتابة الدستور الجديد ودخوله حيز النفاذ أنّ يتجنب الصراع مع المعارضة بعد إطاحته بعقد من حكم الإخوان المسلمين وحلفائهم، لكنّ الرجل كما يصفه البعض بـ "العنيد الصادق" لم يدرك أهمية تقديم تنازلات في الانتخابات العامة لحث المعارضة على الاشتراك فيها، لتبقى حركة النهضة معزولة ووحيدة، وفي الوقت نفسه يكسب إقراراً بشرعية الدستور الجديد من قطاع أوسع.

من جانب آخر، كان الاستفتاء على الدستور في 25 تموز (يوليو) من العام 2022 المنصرم بمثابة منح الشرعية للنظام السياسي الجديد في البلاد، مع نسبة مشاركة بلغت 30%، وعدد ناخبين 2.8 مليون ناخب، وهي نسبة تكاد تتساوى مع آخر الانتخابات التشريعية لعام 2019.

الاقتصاد أولاً

يمكن القول إنّ الرئيس قيس سعيّد ما زال يحظى بتأييد قطاع واسع من الشعب التونسي، خصوصاً الفئات الأقل انخراطاً في العملية السياسية، فضلاً عن أنّ الانتخابات التشريعية لا تحظى بنفس الإقبال من الناخبين مثل الانتخابات الرئاسية، وهو أمر مشابه للواقع في مصر والجزائر ودول عربية أخرى.

بالعودة إلى حراك الربيع العربي لعام 2011، الذي انطلقت شرارته من تونس، تصدرت المطالب الاقتصادية ورفض العنف الأمني الاحتجاجات في جميع البلاد العربية. ومع إخفاق معظم البلاد العربية التي شهدت احتجاجات في معالجة جذور الأزمات الاقتصادية توارت أهداف الديمقراطية، ولم يعد مستهجناً الترحم على عهود الأنظمة السابقة.

علاوةً على الأزمة المعيشية الطاحنة التي تشهدها تونس، والنقص الكبير في السلع الغذائية الأساسية، فليس أمامها إلا الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاح اقتصادي، يتضمن خفض دعم المواد الغذائية والطاقة وإصلاح الشركات العامة، للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار على مدة 48 شهراً.

جاء في تقرير لصندوق النقد الدولي حول تونس، شتاء 2021، بعنوان "الإصلاحات الاقتصادية ضرورية للخروج من الأزمة"، بأنّه من الأسباب المحتملة التي تقف وراء بطء تعافي الاقتصاد في تونس اعتماد البلاد على خدمات السياحة والنقل، وجمود مناخ الأعمال، بما في ذلك القيود المفروضة على الاستثمارات والمنافسة التي تحول دون إعادة تخصيص الموارد المتاحة في هذا الاقتصاد.

لم يصمد العقد الاجتماعي بين اتحاد الشغل والحكومة واتحاد الصناعة

في الوقت ذاته، يرفض الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أكبر تجمع نقابي في قطاع الأعمال الإصلاحات الاقتصادية ويطالب بتحسين الأجور. وكان الاتحاد برئاسة الأمين العام نور الدين الطبوبي، توصل إلى اتفاق مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن، ورئيس اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سمير ماجول، على عقد اجتماعي هو "عقد المثابرة لمجابهة التحديات الاستثنائية الاجتماعية والاقتصادية والمالية بكل مكوناتها ودعم السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني" في شهر آب (أغسطس) الماضي. لكن لم يمض هذا التعاون بعيداً، بعد انسحاب الاتحاد العام للشغل من المفاوضات اللاحقة، واصطفافه سياسياً مع الأحزاب والكيانات النقابية المهنية في مواجهة الرئيس، ما زاد من التحديات التي تواجه الحكومة، وأدى إلى تأجيل قرض صندوق النقد الدولي.

ضغوط أجنبية

ويعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل من أهم مراكز القوى الاجتماعية في البلاد، وتعززت قوته منذ الاستقلال عام 1956، وسبق وعارض خطة إصلاح اقتصادي في العام 2014 بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، وكان سبباً في تأجيلها.

علاوةً على ما تواجهه تونس من تحديات اقتصادية واضطراب سياسي، تضغط الدول الأوروبية والولايات المتحدة على الرئيس التونسي عبر ملف القروض والمنح من أجل إثنائه عن مساره الإصلاحي السياسي، ولإبقاء حركة النهضة في المشهد السياسي. ويذكر ذلك بالدعم الأمريكي - البريطاني الكبير لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا وسوريا ومن قبل في مصر.

ليس أمام الحكومة التونسية إلا الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاح اقتصادي، يتضمن خفض دعم المواد الغذائية والطاقة وإصلاح الشركات العامة

ومن المؤكد أنّ الإصلاحات الاقتصادية ستؤثر على قيمة العملة الوطنية (الدينار) مما سيؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية للمواطنين، بجانب تأثيره على مستويات المعيشة بعد رفع الدعم عن المحروقات، وترشيد الدعم بأشكاله كافة، وهو أمر يحتم على قيس سعيّد إشراك الاتحاد العام للشغل في مفاوضات مع أصحاب الأعمال لتلافي احتجاجات اجتماعية تلوح في الأفق.

ويذكر أنّ إجمالي الدين العام لتونس حتى نهاية 2021 بلغت قيمته 37 مليار دولار، ما يمثل 85.5% من الناتج الداخلي الكلي. ووصل حجم الدين الخارجي إلى 23.3 مليار دولار، بنسبة 62.8% من إجمالي قائم الدين، ويتكون من ديون متوسطة وطويلة الأمد، منها ديون متعددة الأطراف تبلغ 12.4 مليار دولار، وديون ثنائية تبلغ 4.7 مليار دولار.

تستغل حركة النهضة الأزمة الاقتصادية لتأليب الشارع ضد الرئيس




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية