"التطبيع الحلال"... ماذا كشفت زيارة حماس للمغرب؟

"التطبيع الحلال"... ماذا كشفت زيارة حماس للمغرب؟


22/06/2021

غلب التناقض وازدواجية المواقف على تحركات حركة حماس الإسلامية على مدار تاريخها، فمنذ تأسيسها في 15 كانون الأول (ديسمبر) عام 1987، لعبت الحركة على كافة التناقضات حيال القضية الفلسطينية وطوّعتها لخدمة أجندتها وليس العكس، وهو ما بدا جلياً في المواقف الأخيرة لحماس، خاصة على مدار العقدين الماضيين، وما شهدته من تحولات فكرية وأيديولوجية تزامنت بالتحديد مع موجة (الربيع العربي) وما شهدته المنطقة من تحولات إقليمية.

اقرأ أيضاً: "إخوان" إسرائيل و"إخوان" حماس

وخلال الأعوام الماضية تبنّت حماس هجوماً لاذعاً على عدة دول عربية، بلغ ذروته بالتزامن مع توقيع الإمارات والبحرين، ومن ثمّ المغرب، اتفاقيات للسلام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل نهاية العام الماضي، وكالت الاتهامات للعواصم العربية بخيانة القضية الفلسطينية بفتح علاقات مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه كانت حماس تدعم وبشدة كافة التحركات التي يقوم بها الرئيس التركي رجب أردوغان، الذي تقيم بلاده علاقات سياسية واقتصادية تاريخية مع إسرائيل، لم تنقص في عهده بل زادت بشكل ملحوظ، وهو ما تثبته الأرقام.

اللعب على جميع الأوتار

وبالرغم من الاتهامات والنقد اللاذع لدول الخليج التي بدأت السلام مع إسرائيل، لم تُصدر الحركة المنبثقة عن الإخوان المسلمين بياناً واحداً يدين التعاون القطري الإسرائيلي الممتد منذ أعوام، ويحدث بالتزامن مع استضافة الدوحة لقيادات حماس وعناصر بارزة بالتنظيم الدولي للإخوان.

وخلال الأسبوع الماضي قدّمت حماس دليلاً جديداً على ازدواجية الفكر وتناقض الإيديولوجيا، فقد زار إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، ومعه وفد رفيع المغرب، تحت غطاء دعوة من حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي، وبالرغم من حرص المصادر الرسمية في البلاد على تقديم الزيارة باعتبارها حزبية وغير رسمية، إلا أنّ "هنية" أكد أنّ أجندة زيارته مطروحة على طاولة الملك محمد السادس، وقال: إنّ "علاقة المغرب بفلسطين ليست آنية، طارئة أو مصلحية، وإنما شرعية ودينية وأخوية ووطنية".

 

أحمد جمعة: حماس رغم رفضها للتطبيع المغربي إلا أنها حاولت وضعه في إطار "التطبيع الحلال"، فالحركة مستعدة للتعاون مع الرباط إذا استمر الدعم المالي والسياسي لها

 

ويرى مراقبون أنّ "هنية" استدعى لفظ "المصلحية" لنفي ما هو قائم بالفعل، مؤكدين أنّ الحركة تذهب دائماً في الاتجاه الذي تحدده مصالحها، وتتعاون فيه بشكل مباشر دون النظر لأي اعتبارات أخرى، فبالرغم من الهجوم الذي شنته على المملكة المغربية بعد توقيعها هي الأخرى اتفاقاً للسلام والتطبيع مع إسرائيل، إلا أنّ الوفد الذي زار المغرب أشاد بالعلاقات بين البلدين، وأكد على تقدير موقف المغرب تجاه القضية الفلسطينية.

محاولة لتحقيق مكاسب بعد التصعيد الأخير

ويقول الباحث المتخصص في الشأن الفلسطيني أحمد جمعة: إنّ زيارة وفد حركة حماس إلى المغرب، التي تُعدّ الأولى للحركة برئاسة "هنية" يرافقه 12 قيادياً في المكتب السياسي، تكشف التناقضات التي تتعاطى بها الحركة مع الدول المطبعة مع إسرائيل، وتثبت أنّ مواقف الحركة في هذا الملف تحديداً متخبطة.

 

مشكلة الفصائل الفلسطينية التي ظهرت خلال العقود الأخيرة هي أنها تقحم نفسها في صراع المحاور الإقليمية، ما يهدد القضية الفلسطينية

 

ويوضح "جمعة"، في تصريح لـ"حفريات"، أنّه رغم ازدواجية حماس في التعاطي مع ملف التطبيع، إلا أنّ الحركة تحاول أن تستثمره بعد جولة التصعيد الأخيرة بتحقيق مكاسب سياسية ومادية من الدول العربية، وتقديم نفسها كلاعب سياسي مهم ومؤثر في القضية الفلسطينية، وتحمل كلمة إسماعيل هنية خلال زيارته إلى الرباط دلالات واضحة أنّ الحركة باتت تميل إلى اللغة الدبلوماسية التي تتحدث عن فلسطين ككيان موحد وعدم التركيز على غزة أو القدس فقط، وهو تطور في خطاب الحركة.

"التطبيع الحلال"

ويرى "جمعة" أنّ حماس رغم رفضها للتطبيع المغربي إلا أنها حاولت وضعه في إطار "التطبيع الحلال" تبريراً لموقفها من تطبيع حكومة المغرب، فالحركة مستعدة للتعاون مع الرباط وفتح اتصالات مع حكومتها إذا استمر الدعم المالي والسياسي للحركة، ومساعدتها في فرض رؤيتها تجاه قضية فلسطين سواء داخلياً أو خارجياً.

ما علاقة الزيارة بالانتخابات المرتقبة؟

ويضيف "جمعة" أنّ حكومة المغرب "مستفيدة أيضاً من زيارة وفد حركة حماس بعد جولة التصعيد الأخيرة بين الفصائل وإسرائيل، حيث تريد الرباط استثمار زيارة وفد حماس لدعم حزب "العدالة والتنمية" الذي يعاني داخلياً خلال الفترة الأخيرة بعد التطبيع مع إسرائيل، وهو ما يهدد الحزب في الانتخابات المرتقبة داخل المملكة، وهذا يفسر سبب الاهتمام الحكومي والحزبي بزيارة وفد حركة حماس بقيادة هنية وعقد لقاءات معهم أمام عدسات الكاميرات، حتى أنّ هنية تحدث وإلى جواره رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني الذي وقع قرار التطبيع بين حكومة الرباط وإسرائيل".

ويقول جمعة: إنّ حماس تبرر زيارتها إلى المغرب بأنها تأتي في إطار الانفتاح على كافة الدول العربية والإسلامية لدعم المقاومة والقضية الفلسطينية تجاه ما تقوم به إسرائيل من جرائم، منها استمرار الاستيطان وحصار غزة ومحاولة فرض معادلات جديدة في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

صراع المحاور الإقليمية

ويرى الباحث المختص في الشأن الفلسطيني أنّ مشكلة الفصائل الفلسطينية التي ظهرت خلال العقود الأخيرة هي أنها تقحم نفسها في صراع المحاور الإقليمية، ما يهدد القضية الفلسطينية وينتقص منها كثيراً بسبب مناصرة دولة على حساب أخرى أو الميل إلى محور يعادي الدول العربية، وهو ما يتسبب في غضب الشارع العربي، يجب على الفصائل الفلسطينية والقوى الوطنية أن تتعاطى بشكل متوازن وتبتعد عن لعبة المحاور الإقليمية وتركز على قضية فلسطين باعتبارها قضية وطنية عادلة، وألّا تسمح باستغلال القضية من قبل أطراف إقليمية لتحقيق مكاسب سياسية أو المقامرة بورقة قضية فلسطين في إطار مفاوضات أطراف إقليمية مع القوى العالمية.

اقرأ أيضاً: فتح تشن هجوماً على حماس.. لماذا؟

إنّ إيران وتركيا وإسرائيل، وفق الباحث جمعة، ستمثل النظام الإقليمي الجديد خلال الفترة المقبلة، وهو ما يتضح من الإشارات الأمريكية بتركيز واشنطن على آسيا خلال الفترة المقبلة خاصة مع الصين، وهو ما يفرض على الفلسطينيين ضرورة العمل على دعم تشكيل محور عربي تقوده مصر وتدعمه الدول العربية للتصدي لأيّ محاولة من الأطراف الـ3 لتدمير القضية وإقحامها في أتون الصراع الإقليمي خلال الفترة المقبلة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية