التمدّد التركي في أفغانستان.. أدوات الهيمنة وعوامل الانتشار

التمدّد التركي في أفغانستان.. أدوات الهيمنة وعوامل الانتشار

التمدّد التركي في أفغانستان.. أدوات الهيمنة وعوامل الانتشار


31/10/2022

في الوقت الذي قطعت فيه دول عديدة علاقاتها الدبلوماسية مع أفغانستان، بعد عودة حركة طالبان إلى السلطة في العام الماضي، نشطت تركيا، على جبهات عديدة داخل الإمارة الإسلاميّة، بهدف التمركز السياسي، ودعم الحزام السياسي الآسيوي الذي كونته من إندونيسيا وماليزيا إلى باكستان وبنغلاديش.

كانت السفارة التركية في كابول، هي أول بعثة خارجية أعيد فتحها؛ حيث أعادت أنقرة تأسيس وجودها الدبلوماسي في أفغانستان، بعد فترة وجيزة من استيلاء طالبان على البلاد في العام 2021. وجاء في بيان للرئيس أردوغان أنّ "تركيا ليس لديها مشكلة مع معتقدات طالبان". ولفت إلى إمكانية التعايش بشكل أفضل مع الإمارة الإسلامية، بعد استيلاء طالبان على السلطة.

أدوات الهيمنة والتمدّد

منذ عودة طالبان إلى السلطة قبل أكثر من عام، أرسلت هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية، 5 قطارات محملة بنحو 5570 طناً من المساعدات الإنسانية، كما قدّم الهلال الأحمر التركي، الذي ينشط في أفغانستان، مساعدات للأشخاص المتضررين من الزلزال الذي ضرب البلاد في حزيران (يونيو) الماضي.

بالإضافة إلى ذلك تعمل وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) في أفغانستان منذ العام 2005، ولديها مكاتب في كابول، وهرات، ومزار الشريف، وقد سلّمت الوكالة مؤخراً مساعدات للأطفال  الأفغان الذين يعانون من سوء التغذية.

 أردوغان: تركيا ليس لديها مشكلة مع معتقدات طالبان

كما تمارس تركيا القوة الناعمة في أفغانستان، عبر معهد يونس إمري، وهو مركز ثقافي تملكه إدارة التركية للشؤون الدينية (ديانت)؛ كما تدير مؤسسة معارف الحكومية التركية ما لا يقل عن 46 مدرسة أفغانية في 7 مقاطعات، وكانت 12 من هذه المدارس مملوكة لحركة عبد الله غولن، لكن الحكومة الأفغانية نقلت إدارتها إلى مؤسسة معارف في العام 2018. وتواصل مؤسسة معارف، أنشطتها في أفغانستان حالياً بالتعاون مع حركة طالبان.

السفارة التركية في كابول، هي أول بعثة خارجية أعيد فتحها، حيث أعادت أنقرة تأسيس وجودها الدبلوماسي في أفغانستان

وعارضت الحكومة التركية في 30 أيلول (سبتمبر) 2021، قرار الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا (PACE)، الذي طالب طالبان باحترام حقوق الإنسان، وخاصّة ما يتعلق بالأقليات والنساء ومغايري الهوية الجنسانية؛ كشرط للتعاون الأوروبي معها.

القنصلية العامة التركية في مزار الشريف، أشادت في 15 تمّوز (يوليو) الماضي، في منشور نشرته على حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، بتلاوة القرآن في المدارس الأفغانية، واعتبرت ذلك دلالة على الروح الوطنية. كما شارك في حفل الاستقبال الذي نظمته السفارة التركية، في ذكرى الانقلاب الفاشل على أردوغان، مسؤولون رفيعو المستوى من حكومة طالبان.

أنشطة اقتصادية واستثمارات مالية

في الآونة الأخيرة، أنهت شركة (77 Construction) التركية، أعمال المرحلة الثانية من سد كاجاكي؛ لتوليد الطاقة الكهرومائية في ولاية هلمند الأفغانية، بحجم استثمارات يقدر بنحو 160 مليون دولار. وشهدت مراسم افتتاح السد حضور عدد من كبار مسؤولي طالبان، من بينهم عبد الغني برادار، القائم بأعمال النائب الأول لرئيس الوزراء الأفغاني للشؤون الاقتصادية، وعبد السلام حنفي، نائب رئيس الوزراء بالإنابة، بالإضافة إلى جهاد إرجيناي، سفير تركيا في كابول.

إرجيناي قال في كلمته خلال الحفل: "على الرغم من أنّ سد كاجاكي، يعد استثماراً مهماً في العلاقات الاقتصادية بين تركيا وأفغانستان، إلّا أنّ علاقاتنا أكثر تنوعاً وعمقاً". مضيفاً أنّ إجمالي حجم التجارة بين البلدين زاد بنسبة 23٪ في الأشهر الستة الأولى من العام 2022.

تمارس تركيا القوة الناعمة في أفغانستان، عبر معهد يونس إمري، وهو مركز ثقافي تملكه إدارة التركية للشؤون الدينية (ديانت)

وبحسب ألبير كوسكون، الأكاديمي البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، في تصريحات لموقع صوت أمريكا ( VOA)، الناطق بالإنجليزية، فإنّ تركيا التي شاركت ضمن قوات الناتو في أفغانستان، من عام 2001، وحتى عودة طالبان إلى السلطة في آب (أغسطس) 2021، اتخذت موقفاً مدروساً للغاية؛ لضمان عدم مشاركة قواتها في أيّ حرب نشطة ضدّ السكان الأفغان، بأيّ شكل من الأشكال، كما أنّ تركيا سحبت قواتها من أفغانستان قبل الموعد النهائي لمغادرة القوات الأجنبية البلاد.

محاولات فاشلة لإدارة المطار

وفقاً لوزارة الدفاع التركية، كانت إحدى المهام النهائية للجنود الأتراك في أفغانستان، هي توفير خدمات حماية العمليات في مطار كابول، والذي كان يُعرف حينها بمطار حامد كرزاي الدولي، حيث أبدت أنقرة اهتماماً متكرراً بإدارة المطار.

في آب (أغسطس) الماضي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس: "نحن ممتنون لشركائنا الأتراك، الذين أبدوا استعدادهم للعب دور في حماية مطار كابول". وكشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال قمة حلف شمال الأطلسي في مدريد، أنّ بلاده عرضت تشغيل المطار مع قطر والإمارات العربية المتحدة، لكنّها ما زالت تنتظر الرد. قبل أن تنقل وكالة "رويترز" عن مصادر مطلعة، في 7 تمّوز (يوليو) الماضي أنباء تؤكد أنّ طالبان على وشك تسليم جميع عمليات المطار إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لإدارتها.

كانت أهداف تركيا من السيطرة على مطار كابول واضحة؛ فالأمر يعني ببساطة فتح علاقات تجارية؛ تسمح للبضائع التركية الرخيصة بإغراق السوق الأفغانية، مع توفير فرص لشركات البناء التركية؛ لإعادة الإعمار التي مزقتها الحرب.

دور الوسيط

لم تعترف تركيا رسمياً بحكومة طالبان، وربما لا تريد تركيا أن تكون أول من يفعل ذلك من دول الناتو، لما له من تكاليف سيئة السمعة، إلّا أنّ تركيا استضافت، في الأشهر الماضية، عدداً من مسؤولي طالبان، حيث أجرى أمير خان متقي، وزير خارجية حركة طالبان بالإنابة، محادثات رفيعة المستوى مع نظرائه الأتراك، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

وعلى هامش منتدى أنطاليا الدبلوماسي، الذي نظمته وزارة الخارجية التركية، في آذار (مارس) الماضي، التقى توماس ويست، المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان، كلاً من متقي، ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني؛ للحديث عن سياسة واشنطن تجاه أفغانستان، وشكر ويست تركيا لاستضافتها الحدث.

كانت إحدى المهام النهائية للجنود الأتراك في أفغانستان توفير خدمات حماية العمليات في مطار كابول

وربما يوفر وضع تركيا، كآخر عضو في الناتو له وجود في أفغانستان، دور الوسيط الإقليمي الذي طالما كانت تطمح إليه، باعتبارها نقطة الاتصال الرئيسية بين طالبان والغرب. في الوقت الذي تحتفظ فيه قوى أخرى مناوئة مثل: الصين وروسيا وإيران، بوجود دبلوماسي في أفغانستان.

وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قال بعد اجتماعه مع متقي: "لقد أخبرنا المجتمع الدولي بأهمية التعامل مع إدارة طالبان. في الواقع، الاعتراف والمشاركة شيئان مختلفان". ونصح طالبان بتشكيل حكومة شاملة، والسماح بتعليم الفتيات.

لقاء العلماء المسلمين

وفي منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، شهدت محافظة ديار بكر، الواقعة إلى الجنوب الشرقي من تركيا، فاعليات المؤتمر السنوي الذي يحمل عنوان: "لقاء العلماء المسلمين"، والذي ينظمه اتحاد العلماء والمدارس الإسلامية (اتحاد الأمة)، وحضره ممثلون عن مؤسسات جهادية، ووسائل إعلام يمولها حزب العدالة والتنمية، وبمشاركة لافتة من حركة طالبان الأفغانية، التي مثلها نائب وزير الإعلام والثقافة، والمتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد.

القيادي البارز في طالبان خاطب علماء المسلمين في الاجتماع، قائلاً إنّ طالبان تعتبر الحكومة التركية صديقاً مقرباً. وأضاف: "علماء الإسلام قادوا صفوف الجهاد ضد العدو في أفغانستان، والنصر الذي تحقق في عام 2021 أصبح ممكناً بفضل ذلك".

مجاهد طالب المشاركين من تركيا وسوريا والأردن ولبنان وإيران والعراق وليبيا، ببذل الجهود لضمان الاعتراف الرسمي بإمارة أفغانستان الإسلاميّة، من قبل الدول الإسلامية الأخرى، منتقداً الوضع الراهن. قبل أنّ يعود ويؤكد أنّ حكومة طالبان ترى تركيا صديقاً حميماً، ووجه شكراً لأنقرة على المساعدات التي أرسلتها، بعد الكوارث الطبيعية الأخيرة في بلاده.

مغامرة سياسية محسوبة

ربما نبّه الهجوم الأخير، الذي قام به تنظيم داعش في أفغانستان، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 110 أشخاص، و13 جندياً أمريكياً، إلى صعوبة الرهان على سيطرة طالبان على كامل التراب الأفغاني، الأمر الذي جعل أردوغان يتمهل بعض الشيء في العمل مع طالبان، أو محاولة التوصل لاتفاق يقضي بإرسال قوات تركية، إلى أفغانستان، في ظل وجود الجيش التركي في سوريا وليبيا وأذربيجان. لكنّ تقارير أشارت إلى أنّ تركيا تفكر في استخدام المرتزقة التابعين لها في سوريا، كجزء من الإستراتيجية العسكرية لحزب العدالة والتنمية، القائمة على وضع المرتزقة في الخطوط الأمامية، الأمر الذي يوفر وسيلة يمكن لتركيا من خلالها الحفاظ على وجودها في أفغانستان دون تكلفة سياسية وعسكرية.

مواضيع ذات صلة:

خبيران أمريكيان يقدّران حجم تهديد الدولة الإسلامية في خراسان

داعش في "ولاية خراسان": معضلة أفغانستان الجديدة

أفغانستان و"داعش خراسان"

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية