التوتر يعود إلى شرق المتوسط... ما أهداف التحركات التركية الأخيرة؟

التوتر يعود إلى شرق المتوسط... ما أهداف التحركات التركية الأخيرة؟


04/09/2022

عادت منطقة شرق البحر المتوسط إلى بؤرة التوتر مجدداً، بعد إعلان تركيا الإثنين استهداف أنظمة الدفاع اليوناني (إس-300) لطائراتها، التي كانت تجري يوم الثلاثاء الماضي مهمة استطلاع على ارتفاع (10) آلاف قدم غرب جزيرة رودس في منطقة بحر إيجه، فيما وصفت وزارة الدفاع التركية الواقعة بأنّها "عمل عدائي"، بحسب قواعد الاشتباك في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الأمر الذي اعتبره مراقبون احتمالاً للعودة إلى تصعيد مرتقب بين الدولتين الجارتين.

وكانت مصادر في وزارة الدفاع التركية قد قالت في تصريحات صحافية: إنّ "نظام الدفاع الجوي اليوناني قد أغلق الثلاثاء الماضي كافة أجهزة الاستشعار المنصوبة حول طائرات "إف-16"، التركية، ممّا يعني أنّها كانت تخطط لاستهدافها، لكنّ المصادر ذاتها أكدت عودة الطائرات بعد تأدية مهمتها دون ضرر.

وفي المقابل، نفت وزارة الدفاع اليونانية الأمر برمّته، وأكدت مصادر عسكرية تحدثت لوسائل إعلام عدم صحة الواقعة، متهمة تركيا باختلاقها.

عودة التحركات الأحادية التركية

وبالعودة قليلاً إلى الوراء، وتحديداً في 10 آب (أغسطس) الماضي، يتبين أنّ تركيا قد اتخذت خطوة جديدة للتنقيب عن الغاز في مياه شرق المتوسط دفعت إلى زيادة حدة التوترات، بعد إرسال أكبر السفن لديها "سفينة عبد الحميد خان" لاستئناف عملية التنقيب التي ستستمر لمدة شهرين، حسبما أعلن الرئيس التركي رجب أردوغان، دون أيّ اتفاق مع دول الجوار، أو الدخول تحت مظلة القانون الدولي، في اتفاقية التنقيب التي تتشارك فيها كلّ من مصر واليونان وقبرص، وهو ما يفسر أسباب عودة التوتر إلى مياه شرق المتوسط، إضافة إلى الاحتكاكات بين تركيا واليونان من حين إلى آخر؛ بسبب تقسيم الحدود البحرية والخلافات حول السيادة في منطقة بحر إيجه في الوقت الراهن.

أعلنت تركيا الإثنين الماضي عن استهداف أنظمة الدفاع اليوناني (إس-300) لطائراتها

ويرى الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية محمود قاسم أنّ "تركيا في إطار عودتها إلى التنقيب عن الغاز شرق المتوسط، بعد أعوام من الهدوء ومساعيها إلى الاستدارة بعيداً عن إثارة الخلاف مع دول الجوار، تؤكد على إستراتيجيتها التي لا تسعى للتخلي عنها حتى ولو استلزم ذلك منها تبنّي نهج قائم على التهدئة ولو مؤقتاً، وهو ما كشفه إعلان تركيا عن بدء جولة جديدة من التنقيب، تستمر لفترة تتراوح ما بين (45) إلى (60) يوماً".

وفي دراسته المنشورة عبر موقع المركز تحت عنوان: "إبحار ملغوم... هل تشعل سفينة عبد الحميد خان النيران في مياه شرق المتوسط؟"، يقول قاسم: إنّ "تركيا استندت في حركتها تجاه المتوسط إلى عقيدة الوطن الأزرق، التي حلت في الأعوام الماضية محل العمق الإستراتيجي التي كانت الإطار الحاكم للسياسة الخارجية التركية.

وتعود جذور فكرة الوطن الأزرق إلى عام 2006، عندما تم طرحها من قبل الأدميرال البحري "جيم جوردينيز"، لكنّ التركيز على هذا الطرح تزايد في الفترة التي أعقبت عام 2016.

ما الأهداف التركية من التحركات الأخيرة؟

تأتي التحركات التركية الأخيرة في مياه شرق المتوسط ضمن سياقات متناقضة للسياسة الخارجية التركية، ففي حين أعلن الرئيس التركي رجب أردوغان قبل نحو أسبوعين رغبة بلاده في تحقيق تفاهمات متزنة مع دول الجوار أبرزها مصر وسوريا، انطلقت أكبر السفن البحرية للتنقيب عن الغاز في المياه المتنازع عليها إقليمياً، والتي تمثل أحد أبرز نقاط الخلاف في التفاهمات مع الجانب المصري، كما تثير خلافاً يصل إلى حد الصراع مع اليونان، لكنّ الأهداف التركية من تلك التحركات ربما تمثل دوافع أكبر تفرض نفسها على أنقرة، أبرزها الرغبة في توفير مورِّد بديل للطاقة في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة تغرق بها الدولة.

 

محمود قاسم: التحركات التركية في شرق المتوسط تهدف إلى تأمين احتياجاتها من الطاقة، في ظل اعتمادها المتزايد على الواردات خاصة النفط والغاز الطبيعي

 

ويوضح الباحث المصري محمود قاسم عدة دوافع للتحركات التركية في مياه المتوسط أبرزها؛ البحث عن مزيد من الاكتشافات بهدف تأمين احتياجاتها من الطاقة، في ظل افتقارها لمصادر الطاقة واعتمادها المتزايد على الواردات خاصة النفط والغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى نحو (93% و99%) على التوالي.

وتحتل الواردات التركية من الطاقة جزءاً كبيراً من إجمالي الواردات السنوية، فقد بلغت فاتورة استيراد الطاقة في تركيا، وفق الدراسة، نحو (185) مليار دولار خلال الأعوام الـ (5) الممتدة ما بين 2015 حتى 2019، وخلال عام 2019، على سبيل المثال، بلغت واردات الطاقة نحو (41) مليار دولار، بنسبة (20%) من إجمالي واردات تركيا خلال العام ذاته.

ونتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، وما صاحبها من ارتفاع في أسعار الطاقة، يتوقع الرئيس التركي أن تصل واردات الطاقة إلى (100) مليار دولار بنهاية 2022؛ إذ تشير التقديرات إلى ارتفاع متوسط واردات البلاد الإجمالية من الطاقة من (3-4) مليارات دولار شهرياً إلى (8) مليارات دولار بفعل ارتفاع الأسعار.

أردوغان يعمل بشكل دائم على توظيف سياسته وتحركاته الخارجية لخدمة أهداف داخلية

ولذلك، تمثل منطقة شرق المتوسط هدفاً إستراتيجياً لتركيا لتأمين احتياجاتها وتقليل اعتمادها على استيراد موارد الطاقة من الخارج؛ إذ تتمتع منطقة شرق المتوسط بوفرة هائلة من الغاز الطبيعي الذي يمكن أن يؤمن لتركيا الاكتفاء الذاتي، خاصة أنّها استوردت ما قدره (60.1) مليار متر مكعب من الغاز عام 2021، منها (46.1) مليار متر مكعب عبر خطوط الأنابيب من روسيا وإيران وأذربيجان، وحصلت على باقي الكمية (14.1) مليار متر مكعب في شكل غاز طبيعي مسال.

مسلك آخر لتجاوز المأزق الداخلي

يبدو أنّ الرئيس التركي يحاول سلك طرق مختلفة ومتناقضة في بعض الأحيان، للإفلات من مأزق خسارة الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها منتصف العام المقبل، ويظهر نمطاً متزناً في التعامل مع ملف السياسة الخارجية، ولكنّ التحركات على أرض الواقع لا تتفق أبداً مع هذه التصريحات.

 

قاسم: تركيا في إطار عودتها إلى التنقيب عن الغاز شرق المتوسط تؤكد على إستراتيجيتها التي لا تسعى للتخلي عنها، حتى لو استلزم ذلك منها تبنّي نهج قائم على التهدئة ولو مؤقتاً

 

ويرى الباحث محمود قاسم أنّ "أردوغان يعمل بشكل دائم على توظيف سياسته وتحركاته الخارجية لخدمة أهداف داخلية، ولعل استعادة نشاط تركيا في شرق البحر المتوسط قد يكون مدفوعاً بمساعيه إلى ترميم وضعه الداخلي قبل الانتخابات العامة المزمع عقدها منتصف عام 2023؛ إذ يواجه أردوغان مأزقاً يُعدّ الأصعب منذ صعوده إلى السلطة منذ عقدين من الزمن.

وترجح تقديرات احتمالية تعرّضه لخسارة كبيرة في ظل المشاكل الاقتصادية التي تمر بها تركيا، خاصة مع تراجع سعر الليرة، وارتفاع نسبة التضخم بصورة غير مسبوقة ولم تشهدها تركيا منذ (24) عاماً وفقاً للتقديرات، وارتفاع عجز التجارة الخارجية بنسبة (184.4%) خلال شهر حزيران (يونيو) 2022، ليسجل نحو (8) مليارات دولار، فقد سجلت الصادرات التركية (23.4) مليار دولار، مقابل ارتفاع في الواردات بلغ (31.5) مليار دولار، وفقاً للبيانات الصادرة عن معهد الإحصاء التركي.

 

مواضيع ذات صلة:

تركيا تسعى لتثبيت أقدامها في شرق المتوسط من بوابة إسرائيل

تركيا تعيد التوترات إلى شرق المتوسط بعد العقوبات... كيف؟

منتدى شرق المتوسط يكرس العزلة الإقليمية لتركيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية