الجيوش الإلكترونية.. هل بات الفضاء الأزرق ملعب السياسيين العراقيين؟

العراق

الجيوش الإلكترونية.. هل بات الفضاء الأزرق ملعب السياسيين العراقيين؟


28/11/2018

شهدت منصات السوشيال ميديا، على مدار الموسمَين الانتخابيين الأخيرين في العراق، رحى التطاحن السياسي بين المتنافسين السياسيين؛ حيث استغنت أحزاب كثيرة عن كلاسيكية المواجهة المباشرة مع بعضها، لتختفي خلف عناوين وهمية، ليكشف السياسيون بعضهم من خلالها مستغلّين الفضاء الأزرق المحلي، كما يقول ناشطون.

اقرأ أيضاً: السيناريو المرجح بعد فرز الأصوات في الانتخابات العراقية

وعملت "الجيوش الإلكترونية"؛ وهو مصطلح ظهر على الميديا العراقية خلال الأعوام القليلة الماضية؛ إذ تعمل هذه الجيوش على توجيه بوصلة الوعي المحلي لهدف حزب محدّد، ما يفضي إلى انتشار ثقافة الإشاعة وإفشال الخصوم السياسيَّين.

مصدر بمفوضية الانتخابات: ربع مليون دولار شهرياً حجم إنفاق الأحزاب العراقية على الحسابات الإلكترونية

وفي هذا السياق، يقول أحمد الهاشمي، وهو ناشط ومدوّن، "الجيش الإلكتروني مصطلح ظهر حديثاً، بعد أعوام من انطلاق الفيسبوك، وانتشاره، في العالم عموماً، والعراق خصوصاً؛ حيث يُطلق هذا المصطلح على شخصٍ، أو أكثر، يهدفون إلى بثّ أفكار معينة عبر منصة الموقع الأزرق"، مبيناً أنّ "هذا الجيش الإلكتروني يتخفى تحت عناوين غير صريحة في أغلب الأحيان".

ويضيف الهاشمي في حديثه لـ "حفريات": "كثير من المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي يتعرضون لخدع معلوماتية جراء تلك المعلومات المغلوطة، التي يبثها الجيش الإلكتروني في موقعه المتابع".

يُطلق مصطلح الجيش الإلكتروني على من يهدف لبثّ أفكار معينة عبر الموقع الأزرق

متى بدأت عملها؟

يرجّح إعلاميون عراقيون أنّ ظاهرة الجيوش الإلكترونية بدأت خلال العقد الماضي، مرجعين ظهورها إلى "عملية التسقيط السياسي" بين الأحزاب المتصارعة على السلطة في البلاد.

اقرأ أيضاً: هل تستميل الأحزاب العراقية الناخبين بالخداع؟

وبهذاالصدد، يقول الإعلامي كريم نعيم: "ظاهرة الجيوش الإلكترونية ليست وليدة اللحظة، وكانت إلى فترة قريبة عبارة عن مجموعة محبّين، يتبنون الدفاع عن وجهات نظر من يحبّون، ولم تخرج عن كونها مناوشات بين هواة طبيعية في ظلّ الديمقراطية وتعدّد الآراء".

ناشطون يؤكدون أنّ صفحات فيسبوكية بأكثر من مليوني مشترك تباع وتغير سياستها بحسب جهة المموّل الجديد

ويضيف نعيم، في حديثه لـ "حفريات": "في نهاية حقبة نوري المالكي الأولى، بدأت تظهر بوادر هذه الجيوش، سيما بين أتباع المالكي وخصومه، وكانت تعتمد على التسقيط في القرارات، لكنها بقيت محافظة على الحدّ الأدنى من العقلانية والصراع السياسي الطبيعي".

وتابع الإعلامي العراقي قوله "منذ أن تسلّم نوري المالكي السلطة ثانية، بدأ باستقطاب الصحفيّين الذين فشلوا في الميدان الإعلامي والصحافي، لتشكيل فريق إعلامي يروّج لما يشعر أنّها إنجازات، مع طموح من أولئك الذين فشلوا في الصحافة، فأبدعوا في ميدان التسقيط".

نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق

ويشدّد نعيم على أنّ "من يدخل عالم السوشيال ميديا يجد قيحاً كبيراً؛ بسبب هؤلاء الذين تجاوزوا كلّ حدود اللياقة، وأخذوا لا يراعون زميلاً أو صديقاً، بل استفادوا من الأموال التي يمنحهم إياها رئيس الحكومة، للإساءة حتى لزملائهم".

استفحال الظاهرة والتأجيج الطائفي

لا يختلف الكاتب والمحلل السياسي، محمد نعناع، مع الطرح السابق حيال نشأة الجيوش الإلكترونية خلال العام 2010، لكنّه يرصد استفحال الحالة بـ "اقتراب انتخابات العام 2014؛ حيث أخذت نشاطات الجيوش الإلكترونية تتجه نحو تسقيط الخصوم، وأصبح ما تقوله هذه الصفحات أخباراً تتناقلها وسائل الإعلام المؤثرة"، لافتاً إلى أنّ "أسوأ دور قامت به هذه الجيوش هو التحريض الطائفي، الذي أنتج أياماً دموية، فضلاً عن المزايدات في مجال الفساد، الأمر الذي ساعد في إخفاء المتسبّب الحقيقي، وتشويه النزيه".

قوى سياسية عراقية تتخلى عن كلاسيكية المواجهة بينها وتلجأ إلى تقنيات العولمة لكسب وعي المواطن العراقي

وبشأن التكاليف المالية لهذه الجيوش غير المرئية، يقول نعناع لـ "حفريات": "كلّ الأطراف التي تؤسس صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تبذل رواتب شهرية، أو دفعات بحسب النشر، لكنّ حصة الأسد تصرف في الصفحات التي يديرها أتباع نوري المالكي، كونها مدفوعة من ميزانية الدولة الرسمية آنذاك".

ويلحظ نعناع "تراجع قوة الجيش الإلكتروني للمالكي بعد خروجه من رئاسة الوزراء"، مشيراً إلى "وجود محاولات لضمّ كتّاب ومحلّلين لمثل هذه الجيوش الإلكترونية في الوقت الراهن، مقابل منحهم مبالغ ثابتة تقدر بمليوني دينار (نحو 1600 دولار)، أو أكثر شهرياً".

يرجّح إعلاميون عراقيون أنّ ظاهرة الجيوش الإلكترونية بدأت خلال العقد الماضي

صراع انتخابي عبر فيسبوك

اعترفت جهات رسمية بتمويل الجيوش الإلكترونية، وعلى رأسها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، التي كشف مصدر فيها عن حجم الأموال التي تمّ إنفاقها على الصفحات المموَّلة في مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ أيضاً: تنظيم داعش يستهدف مرشّحي الانتخابات العراقية

وقد أكّد المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ "حفريات": أنّ "حجم إنفاق الأحزاب العراقية على الحسابات الإلكترونية والمونتاج، بلغ أكثر من ربع مليون دولار شهرياً".

أسوأ دور لعبته هذه الجيوش التحريض الطائفي، الذي أنتج أياماً دموية، فضلاً عن المزايدات في مجال الفساد

وأضاف المصدر "هناك استعانة بشركات فيديو وبرمجة عالمية لصناعة الصور أو أفلام الفيديو ضدّ شخصيات مختلفة"، موضحاً "الصراع الانتخابي الأخير بلغ أشده منذ العام 2005، ولغاية الآن".

ولفت إلى "ضرورة مهاجمة هذه الصفحات الصفراء بالتعاون مع الجهات الرسمية، مع تكثيف برامج التوعية حول خطورة الظاهرة باعتبارها مهنة ارتزاق لا أخلاقية، ولا تسهم في أيّ جهد إبداعي محترم، للحدّ من انتماء شريحة الشباب والمثقفين إليها".

يرصد محمد نعناع استفحال حالة الجيش الإلكتروني مع اقتراب انتخابات 2014

بيع جمهور الصفحات المموّلة

عمليات البيع والشراء وصلت إلى صفحات الفيسبوك، التي تباع مع المشاركين فيها، وقد تبلغ أعدادهم الملايين.

يُطلق مصطلح "الجيش الإلكتروني" على شخصٍ أو أكثر، يهدفون إلى بثّ أفكار معينة عبر السوشيال ميديا

فهنالك صفحات، خاصة السياسية منها، قد يصل عدد المشاركين فيها إلى أكثر من مليوني متابع، تباع وتغيّر سياستها تجاه الشخصيات التي كانت تقوم بتسقيطهم، من خلال نشر صور وفيديوهات عنهم.

وتزداد ظاهرة بيع الصفحات يوماً بعد آخر، منها صفحات معروفة بمواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنّ ناشطين طالبوا بمقاطعة تلك الصفحات بعد تغيير سياستها.

اقرأ أيضاً: رجال الدين يكثفون الفتاوى لمنع سقوط الأحزاب الطائفية في الانتخابات العراقية

الناشط محمد بدر، يقول خلال تعليقه على هذا الموضوع: "على كلّ متابعي الصفحات التي يتمّ بيعها إلغاء المتابعة والإعجاب، لإيصال رسالة للقائمين عليها أنّ الأشخاص ليسوا للبيع"، مشيراً إلى أنّ "هؤلاء يبيعون المتابعين لا الصفحات".

وحذّر بدر، عبر "حفريات"، من استخدام تلك الصفحات لعمليات الخداع والمكر، والنصب بجميع أنواعه.

اقرأ أيضاً: لماذا تعني نتائج الانتخابات العراقية الكثير لسياسة الولايات المتحدة؟

كما رأى ناشط آخر، يدعى علي الحلي: أنّ "إلغاء الإعجاب في هذه الصفحات لن يؤثر على صاحبها أبداً، كونه أخذ ثمنها فور بيعها لجهات أخرى".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية