الحرب السودانية... دور ميليشيات الكيزان وكتائب الظل في معركة الخرطوم

الحرب السودانية... دور ميليشيات الكيزان وكتائب الظل في معركة الخرطوم

الحرب السودانية... دور ميليشيات الكيزان وكتائب الظل في معركة الخرطوم


28/05/2023

بينما يستمر القتال في السودان، لا سيّما في الخرطوم وبعض مدن إقليم دارفور، يبدو أنّ الخصمين، عبد الفتاح البرهان وحميدتي، مُصمّمان على متابعة نزالهما؛ يخرقان الهُدن التي يتفقان عليها، ويستدعيان المزيد من القوات إلى عاصمة  البلاد، ميدان القتال الرئيس. 

 لكن وراء هذه الاشتباكات يمكن رؤية (الأيدي) التي أشعلتها وتديرها الآن  بوضوح تام.

بدأ الأمر منذ انقلاب رئيس مجلس السيادة ونائبه على الحكومة الانتقالية المدنية برئاسة عبد الله حمدوك في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وإن بدا الأخير متردداً بعض الشيء، قبل أن يعتذر لاحقاً عن الخطوة ويدينها.

عقب الانقلاب أعاد قائد الجيش النظام البائد إلى الواجهة، وأوقف عمل لجنة التفكيك وإزالة التمكين وطارد أعضاءها واعتقلهم، ونكّل برئيس الوزراء وطاقمه، لكنّه فشل في تشكيل حكومة انقلاب، وظل يدير البلاد بمعرفته لأكثر من عام، حتى نشبت الحرب بينه وبين ساعده الأيمن (حميدتي).

حرب الميليشيات

قبيل اندلاع الحرب بـ (5) أيام، كتب الإخواني عمار السجّاد على صفحته بـ (فسبوك) يرجو من المواطنين الذين لديهم إمكانيات لمغادرة الخرطوم بعدم التردد في ذلك، وقبله بشهور عديدة كان السودان كله يستمع لقادة الميليشيات الإخوانية وعلى رأسهم اللواء أمن أنس عمر الذي اعتقلته قوات الدعم السريع، بالتحريض على الحرب والتبشير بإطاحة الاتفاق الإطاري والعملية السياسية برمتها، وإخراج الرئيس السابق ومجموعته من سجن كوبر محمولين على الأكتاف والرؤوس.

عبد الله حمدوك

وظلّ الإسلاميون يعقدون ندواتهم ويحرضون على قوات الدعم السريع، بعد أن فارقتهم، ودعم قائدها التحول المدني الديمقراطي، وقوى إعلان الحرية والتغيير، وثورة كانون الأول (ديسمبر)، ويهددون بالحرب ويهللون لها ويبشرون المواطنين بها، إلى أن وقعت الواقعة في 15 نيسان (أبريل)، فلم يظهر منهم أحد في قيادة معارك الخرطوم.

قوات الاحتياط ـ كتائب الظل

ما من شك أنّ لدى حزب المؤتمر الوطني المُطاح به العديد من الميليشيات التي وضعها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في حزمة واحدة تحت عنوان (قوات الاحتياط) عوضاً عن حلها والقضاء عليها، وقد استولت قوات الدعم السريع على مقرها وآلياتها مؤخراً.

وتضم هذه القوات عدة ميليشيات إخوانية راديكالية مُقاتلة، منها (قوات الدفاع الشعبي، الشرطة الشعبية، الأمن الشعبي، الأمن الطلابي، المجاهدون، كتائب الظل).

يؤكد محللون أنّ جُل ميزانية الجيش الضخمة كان يذهب إلى كتائب الظل وكبار ضباط الجيش الموالين للجماعة، أمّا الضباط المهنيون والجنود، فقد ظلت أوضاعهم شديد الرثاثة

وفي السياق، يقول خبراء عسكريون: إنّ (كتائب الظل) اسم عام يُطلق على هذه التكوينات مُجتمعة. ويُعتقد على نطاق واسع أنّها اقتحمت سجن كوبر الشهير في 23 نيسان (أبريل)، وأطلقت سراح أركان النظام السابق، وعلى رأسهم الرئيس عمر البشير إضافة إلى مطلوبين آخرين من قبل المحكمة الجنائية الدولية، مثل وزير الدفاع السابق الفريق عبد الرحيم حسين، وآخر رئيس لحزب المؤتمر الوطني بالإنابة أحمد هارون، ونائب البشير السابق علي عثمان طه، والفريق بكري حسن صالح، بجانب إسلاميين متشددين آخرين على رأسهم نافع علي نافع الرئيس السابق لجهاز الأمن والمخابرات، ووزير النفط السابق عوض الجاز، والنائب الفاتح عزالدين، وغيرهم.

ويبدو أنّ هؤلاء من يديرون معركة الخرطوم الآن من خلف الستار بمعاونة نحو أكثر من (3) آلاف ضابط إخواني موالٍ للحركة الإسلامية، تم تسكينهم في مفاصل الجيش عبر (30) عاماً من حكم الجماعة، وتمكنوا من تحويل الجيش إلى (لواء إسلامي) وذراع تابعة لحزبهم.

أشهر الميليشيات

وتُعتبر قوات الدفاع الشعبي (PDF) الميليشيا الإخوانية الأكثر شهرة، وقد تم تأسيسها مباشرة بُعيد انقلاب عمر البشير/ الترابي، بجانب مجموعة أخرى تحمل اسم (سائحون)، وهيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات التي تمردت عقب إطاحة البشير، فتم حلها وتسريح ضباطها وجنودها الذين أعادهم قائد الجيش مجدداً عقب اندلاع حرب الخرطوم الراهنة.   

في كانون الأول (ديسمبر) 2018؛ كشف علي عثمان طه، النائب الأول السابق للرئيس المخلوع عمر البشير، عمّا سمّاها كتائب ظل ستدافع عن النظام بالروح لو اقتضى الأمر، وبعث عبر لقاء تلفزيوني على قناة (السودانية 24) برسائل تهديد ووعيد لكل من تسوّل له نفسه الإطاحة بالنظام القائم.    

وشائع في السودان وذائع ومعروف أنّ جماعة الإخوان ممثلة في حزب المؤتمر الوطني، قامت خلال أعوام حكمها بفصل عشرات الآلاف من العاملين بالأجهزة الأمنية من جيش وشرطة وأمن، وسكّنت مكانهم كوادرها، واستخدمت موارد الدولة وأموال الخزينة العامة في تدريب وتسليح ميليشياتها الخاصة الموازية للجيش بعد انقلاب الجبهة الإسلامية القومية على حكومة الصادق المهدي في حزيران (يونيو) 1989، وقد تم إضعاف المؤسسة العسكرية واستهدافها وإخلاؤها من الكادر العسكري القومي على حساب الموالين للجماعة.

وقد شنت الميليشيات (الكيزانية)، كما يحلو للسودانيين تسميتها، حروباً عبثية في كل بقاع السودان، من جنوبه إلى حين انفصاله، إلى جنوب إقليم كردفان (جبال النوبة) وجنوب النيل الأزرق على تخوم إثيوبيا، وإقليم دارفور (غرب)، وشرق السودان.

ميزانية حرب

وأشار تقرير صادر عن منظمة (The Sentry) عام 2016 إلى أنّ 70% من ميزانية الدولة السودانية تبتلعها المؤسسة العسكرية والأمنية، وهذا ما أكده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك عندما كشف أنّ 80% من ميزانية البلاد يتم إنفاقها على المؤسسات الأمنية والعسكرية، بما فيها القوات شبه النظامية والميليشيات وقوات الدعم السريع.

تدير "كتائب الظل" معركة الخرطوم الآن من خلف الستار بمعاونة نحو أكثر من 3 آلاف ضابط إخواني موالٍ للحركة الإسلامية، تم تسكينهم في مفاصل الجيش عبر 30 عاماً من حكم الجماعة

لكنّ راصدين ومحللين يؤكدون أنّ الجيش، كمؤسسة عسكرية قومية ورسمية، لم يكن يحظى بنصيب وافر من هذه الميزانية الضخمة التي كان يذهب جلّها إلى الميليشيات وكتائب الظل، وكبار ضباط الجيش الموالين للجماعة، أمّا الضباط المهنيون والجنود، فقد ظلت أوضاعهم شديد الرثاثة؛ وهذا ما بدا جليّاً في الحرب الماثلة حيث يعاني جنود الجيش، ولا يجدون تسليحاً جيداً ولا إعانات وإمدادات لوجستية وغذائية تمكنهم من الاستمرار في معركة طويلة الأجل مع قوات الدعم السريع التي تحظى بتسليح جيد ودعم لوجستي مستمر، ويتلقى ضباطها وجنودها رواتب ومخصصات تفوق التي يتلقاها نظراؤهم في الجيش عشرات المرات.

مواضيع ذات صلة:

المواجهة المسلحة في السودان: الفضاء السيبراني ميدان لحرب أخرى

موقع الإخوان المسلمين في خارطة النزاع بين الفرقاء السودانيين

الإخوان يشعلون الحرب في السودان... ما أهدافهم؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية