الحياة بعد "الكاش": هل تختفي العملات الورقية؟

الحياة بعد "الكاش": هل تختفي العملات الورقية؟

الحياة بعد "الكاش": هل تختفي العملات الورقية؟


18/02/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

في هذه الأيّام هناك عدم تناسق كبير فيما يتعلّق بالمال؛ فكلّما كثر ظهوره في الأخبار قلّ وجوده في جيوبنا. التّضخم، وأسعار النّفط، ونقص مواد أساسيّة، مثل القمح والرّقائق الدّقيقة، كلّها عوامل تُسهِم في هذه الفترة من عدم اليقين والتّقلّب.

ما العمل؟ كيف تجعل أموالك، التي حصلت عليها بشقّ الأنفس، تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وتضمن أنّ ما لديك لن يفقد قيمته؟ لستُ مستشاراً ماليّاً ولن أقدّم أيّة حكمة هنا. لكنك ستلاحظ وجود نُقّاد ومعلّقين يتحدّثون عن الذّهب، والعقارات، والفرنك السّويسريّ. أضف إلى ذلك الجاذبيّة المتزايدة للعملات المشفّرة والعملات الرّمزيّة القابلة للاستبدال التّجاريّ. المشهد الذي نراه يبدو وكأنّه سباقٌ محمومٌ لفهم ما يحدث للمال في عالم متقلّب ويفتقر إلى اليقين، في عالم مليء بالأخبار العالميّة القاسية، والنزر اليسير من أخبار كوفيد-19 الذي لا تظهر نهاية له في الأفق، وتأثيرات تغيّر المناخ، وما هو أكثر من ذلك بكثير؛ لذا، قبل المضي قدماً: تنفّس. ودعنا نبدأ بالأساسيّات: ما المال؟ وما المستقبل الذي قد نراه له؟

كيف تضمن أنّ أموالك لن تفقد قيمتها؟

للمال ثلاث سمات. أولاً؛ وسيلة تبادل تجعل المقايضة أسهل وغير مؤلمة. ثانياً، المال وحدة حسابيّة، سلعة يمكن للجميع مشاركتها ويمكن قياسها كمّيّاً. ثالثاً، إنّه مخزن قيمة: عملات مثل الدّرهم، أو الدّولار، أو الرّوبية، أو اليورو هي اليوم (مقدّرة بشروطها الخاصّة) كما ستكون في غضون أسبوع. هذا يختلف، على سبيل المثال، عن الموز: إذا كان الموز هو مخزن القيمة الخاصّ بك، فستلاحظ أنّ قدرتك، بعد أسبوع أو أسبوعين، على شراء أيّ شيء به ستقلّ بشكل كبير لأنّه ما من أحد يريد موزاً بنيّاً معوجّاً.

من بين سمات النّقود الثّلاث، ربما تكون سمة أنّه مخزن قيمة هي الأكثر أهميّة فيما يتعلّق بمستقبل المال.

هل يمكن أن تصبح سلّة أصول عالميّة، تحوّلت إلى عملة رمزيّة رقميّة، إلى عملة فعليّة يمكن نقلها بين الأشخاص واستخدامها مباشرة في المتاجر؟

 إذا نظرنا إلى الوراء، سنرى أنّ الأموال كانت تُصنع من الذّهب، أو الفضة، أو أيّة مادّة أخرى ذات قيمة، ممّا يمنحها قيمة جوهريّة. لاحقاً، أُصدِرت الأموال الورقيّة ودُعِمَت باحتياطيّ معادن ثمينة أُودِع في منشأة آمنة. يمكن لأصحاب الأموال استبدالها بما يعادلها من الذّهب أو الفضة.

اقرأ أيضاً: هل تلجأ روسيا إلى العملات المشفرة في مواجهة العقوبات الغربية؟

يحدّ هذا الارتباط المباشر من قدرة الحكومة على توجيه الاقتصاد؛ لذلك تمّ الانتهاء من فكّ الارتباط باحتياطيّات الفضّة أو الذّهب بحلول القرن العشرين. الآن، يتمّ دعم العملات من قِبل الحكومات، أو بالأحرى الإيمان والثّقة في قدرة الحكومات على الحفاظ على قيمة العملة، هذا عن المال الورقيّ.

اقرأ أيضاً: القطاع المصرفي التركي يتهاوى... أين بلغ رصيد العملات الأجنبية؟

ثمّ هناك المال الرّقميّ. قبل عامين، نشرت "مؤسّسة دبي للمستقبل" تقريراً عن مستقبل المال بعنوان "تأثير الأصول المشفّرة على عملات الدّول"، مثل آخرين قبلنا، ومنذ ذلك الحين، فحصنا صعود التّقنيات التي تدعم العملات الرّقميّة. "البيتكوين" ليس سوى عملة واحدة من بين العديد من العملات المشفّرة التي ظهرت على "قواعد البيانات المتسلسلة" (بلوكتشين)، وهي التّكنولوجيا التي تؤمّن وتُرقّم العملة أو الأصول الأخرى. بينما يرتبط مصطلح "العملة" هنا ارتباطاً وثيقاً بالأصول المشفّرة، يُحاجج اقتصاديّون مثل نورييل روبيني بأنّها لا تستوفي المعايير الثّلاثة للعملة، معظم الأماكن لا تقبل "البيتكوين" لشراء القهوة، على سبيل المثال. أيضاً، بالنّظر إلى تقلّبات "البيتكوين" على مرّ السّنين، من الصّعب أن نرى كيف يمكن أن يكون مخزناً ثابتاً للقيمة. بالطّبع، ما لم تكن العملة المستخدمة في شراء هذه الأصول المشفّرة أقلّ تخزيناً للقيمة وأكثر تقلّباً، هناك حالات من هذا القبيل بشكل متزايد.

الأموال كانت تُصنع من الذّهب، أو الفضة، أو أيّة مادّة أخرى ذات قيمة

أيضاً، جوهر الأمر أنّه سواء كانت ذهباً أو مالاً، فإنّ الهدف المركزيّ للعملة هو تزويد حاملها بالثّقة بأنّ القيمة سيتمّ الحفاظ بها لفترة أطول ممّا يستغرقه تحوّل لون الموز إلى البنيّ. إذا لم تكن تلك الفترة الزّمنيّة أيّاماً أو أسابيع، بل سنوات أو حتّى عقوداً، فقد نحتاج إلى التّفكير في مفهوم جديد يشكّل العملة. هذا المفهوم، في المستقبل، من المرجّح أن يدمج المفاهيم القديمة والجديدة للمال.

"البيتكوين" ليس سوى عملة واحدة من بين العديد من العملات المشفّرة التي ظهرت على "قواعد البيانات المتسلسلة" (بلوكتشين)، وهي التّكنولوجيا التي تؤمّن وتُرقّم العملة

يعمل روبيني وزملاؤه في "أتلاس" على ابتكار عملة رمزيّة رقميّة آمنة قابلة للتّداول من خلال قواعد البيانات المتسلسلة، ومدعومة بأشياء حقيقيّة "عملة رقمية مستقرّة" من نوعٍ ما. في هذه الحالة، تُمنح قيمة العملة الرّمزيّة وتُدعم بالذّهب والسّندات الحكوميّة والأصول الأخرى الموجودة في العالم الحقيقيّ. فريق روبيني ليس أوّل من يأتي بهذا النّوع من الأفكار، ومثل هذه المقاربة ترسم قوساً من الماضي إلى المستقبل: أمن عملة رقميّة من دون عامل ضجيج إصدار عملة مشفّرة لا أساس لها، حيث يمكن لأيّ شخص أن يكون مصرفيّاً مركزيّاً ويُصدر عملته، بدعم من استقرار سلّة من الأصول في العالم الحقيقيّ.

اقرأ أيضاً: قصة كارثة: انحدار العملات اللبنانيّة والسوريّة إلى الهاوية

سواء أحببنا ذلك أم لا، نحن نعيش في عالم معولم، ولذلك من المرجّح أن تستفيد الأصول التي تدعم هذه العملة الرّمزيّة من مزيج عالميّ، ممّا قد يُعزّز توقّعات تخزين القيمة. فقط تخيّل: هل يمكن أن تصبح سلّة أصول عالميّة، تحوّلت إلى عملة رمزيّة رقميّة، إلى عملة فعليّة يمكن نقلها بين الأشخاص واستخدامها مباشرة في المتاجر؟ قد يعني هذا أنّ المال في المستقبل سيظلّ يتضمّن ثلاث سمات رئيسة؛ كونه وحدة صرف، ووحدة حسابيّة، ومخزناً للقيمة، لكنّه يمكن أن يعكس ثقة متوازنة غير مرتبطة بأيّة دولة بمفردها، ولا أيّ أصل واحد، والأهم من ذلك بالنّسبة إلى كلّ من على هذا الكوكب المتقلّب: هل ستحتفظ هذه الأموال الرّقميّة بقيمتها عند تعرّضها للتّأثيرات طويلة الموجة لتغيّر المناخ وكلّ ما يلي ذلك؟ مهما كان مستقبل مخازن القيمة، والتي تزداد الحاجة إليها بلا هوادة، فإنّني لن أبتاع الموز بكمّيّات كبيرة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

باتريك نواك، ذي ناشونال، 24 آذار (مارس) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/03/23/life-after-cash-what-is-the-future-of-money/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية